on
الوعي الساذج بـ “إسرائيل”
أحمد برقاوي
إذا عزلنا “إسرائيل” عن الوعي الأيديولوجي بها، وعن أشكال الخطاب المتنوعة حولها -عربيًا وعالميًا- وبحثنا عن تعريفها تعريفًا حقيقيًا وواقعيًا وموضوعيًا؛ لعرّفناها، بكل اطمئنان بصحة تعريفنا معرفيًا، كما يأتي: (“إسرائيل” دولة إجلائية محتلة استيطانية عنصرية).
أما من حيث هي دولة إجلائية، فقيامها جاء بعد مع طرد الحركة الصهيونية، بالقوة وارتكاب المجازر، الجزءَ الأكبر من الفلسطينيين، وهم السكان الأصليون لفلسطين، وولد من جراء ذلك اللاجئ الفلسطيني.
وأما من حيث هي محتلة، فإنها قامت، بعد حرب 6 حزيران/ يونيو، باحتلال ما تبقى من فلسطين واحتلال الجولان وسيناء، ثم احتلت بعد ذلك جنوب لبنان، ومع احتلالها لما تبقى من فلسطين والجولان؛ بَنَت ما يسمونه “مناطق استيطانية” عليها، لفرض واقع الاحتلال، أما عنصريتها، فهي دولة أيديولوجية تقوم على فكرة “لاهوتية”، هي أن اليهود عرق خاص، وهم “شعب الله المختار”.
هذا التعريف الموضوعي لـ “إسرائيل” يجب ألا يغيب عن الوعي العربي أبدًا، حتى لو أدى الضعف إلى الاعتراف بها، هو موضوعي؛ لأننا لم نضف شيئًا ذاتيًا لوصفها، وليس في هذا التعريف أي نوع من التقويم؛ وبالتالي هذا التعريف هو مدخل أساسي للوعي الموضوعي الحقيقي بها.
نشهد الآن بروز نمط من الوعي الزائف بها، عند نَفَر من السوريين الذين يعلنون مناهضتهم للجماعة الحاكمة في سورية، ويُعلنون في الوقت نفسه تطبيعَ العلاقة مع “إسرائيل” كعنصر إيجابي في المناهضة، ويجب أن يعلم الوعي الزائف هذا بعضَ الحقائق الضرورية، قبل أن يذهب به الوهم، ويشتط في زيفه.
أولى هذه الحقائق هي أن “إسرائيل”، منذ اتفاقية فصل القوات التي تمت مع الجماعة الحاكمة في سورية، وهي تعيش حالًا من الأمان، على الرغم من استمرار احتلالها للجولان؛ وبالتالي فإن وجود سلطة لديها دولة، وجزء من أرض الدولة محتل، وتحافظ على أمن دولة الاحتلال، على امتداد أربعة وأربعين عامًا، حالة أنموذجية لـ “إسرائيل”، ما كانت لتحلم بها أصلًا، فالجماعة الحاكمة التي لا يشغلها سوى الحفاظ على الحكم لا ترى “إسرائيل” عدوًا، ولا “إسرائيل” تراها عدوة.
ثاني هذه الحقائق أنه لا مصلحة لـ “إسرائيل” بدولة سورية موحدة ديمقراطية، يكون فيها النظام السياسي مُعبّرًا عن الدولة، وثمرة أغلبية سياسية.
ثالث هذه الحقائق هي أن “إسرائيل” لا تعتمد في الحفاظ على وجودها إلا على قوتها الذاتية من جهة، وإضعاف خصومها من جهة ثانية، وليست على استعداد لأن تُفرّط بهذا العامل، وما يعززه من احتلال، تحت أي ظرف، إلا إذا أُجبرت على ذلك بالقوة. فلقد اعترف الفلسطيني في أوسلو بـ “إسرائيل”، وقال لها الأرض تتسع لنا ولكم؛ فجاءه الجواب العملي من حكومات “إسرائيل”: الأرض لا تتسع إلا لنا. وقال الفلسطيني للإسرائيلي: القدس لنا ولكم؛ فأجابه الإسرائيلي: القدس لنا، وهي عاصمة أبدية لـ “إسرائيل”.
تأسيسًا على هذه الحقائق؛ فإن “إسرائيل” لن تكون -وما كانت لتكون- ضد السلطة في دمشق، ولن تكون أبدًا مع الحركة الديمقراطية الثورية السورية التي، إن انتصرت أنتجت الإرادة الوطنية السورية التي لن ترضى أبدًا بأن يكون جزء من أرض الوطن محتلًا.
أن يكون جزء من أفراد المجتمع الإسرائيلي ضد وحشية النظام وضد وحشية دولته المحتلة أمرٌ لا يقود إلى تغيير الوعي بماهية “إسرائيل”، كما لا يقود إلى الوعي بأن تُفكّر بالمسألة السورية، خارج منطق احتلالها وأمنها.
المجتمع الإسرائيلي -كأي مجتمع آخر- هو مجتمع اختلاف، ففيه الذي يقود اليمين المتطرف إلى السلطة، وفيه من يقود اليسار العنصري كذلك، وفيه من يُناهض عنصرية دولته، ويؤيد حق الفلسطيني بتقرير مصيره، لكن البنية المؤسساتية العسكرتارية لـ “إسرائيل” هي صاحبة القول الفصل، في شأن السياسة مع دول المحيط.
إن تحسين صورة “إسرائيل”، بالقياس إلى همجية النظام اللامعقولة، والتي فاقت همجية “إسرائيل” في علاقتها بالفلسطيني، ليست سببًا كافيًا أو ضروريًا لتغيير الوعي بحقيقة “إسرائيل” العنصرية الاحتلالية؛ وبالتالي فإن هرولة مثقفين إلى فتح قناة سياسية مع “إسرائيل” التي لم تتغير ماهيتها التي ذكرت، هي نوع من الوهم والسذاجة وقلة العقل، هذا إذا أحسنا الظن بنيتهم الحسنة، بل إن جمهور الممانعة الكاذبة لـ “إسرائيل” سيكون سعيدًا بهذا الوعي الواهم والساذج والضيّق.
المصدر