«ناشيونال إنترست»: تعرف على خطة أمريكا النووية إذا اشتعلت حرب عالمية ثالثة




يعتبر استخدام السلاح النووي اليوم بديلًا لا تفكر فيه الدول، إلا بعد استنفاد كل البدائل الأخرى. لكن تقريرًا على موقع «ناشونال إنترست» كشف أن الولايات المتحدة خططت في الخمسينات لضرب الاتحاد السوفييتي بالقنابل النووية إذا ما اشتعلت حرب عالمية ثالثة. ولذلك، فقد أنشأت خصيصًا وحدة أسمتها «بنتومك» Pentomic تتكون من فيالق من جنود المشاة وسلاح الجو للتعامل مع الجحيم النووي. كما سمحت لبعض القادة بالوصول إلى قنابل نووية قصيرة المدى.

لكن هذه الوحدة الجديدة عانت من مشكلات في القيادة والتحكم – يوضح التقرير – إذ اضطر الكولونيل المسؤول عنها إلى إدارة حوالي تسع سرايا في نفس الوقت خاصة بالدعم اللوجستي، وهو عمل يتطلب في العادة خمسة من القادة على الأقل. كما تسبب غياب الانضباط التنظيمي إلى تشويه هيكل الرتب في الجيش. وهذا ما دعى دولاً مثل أستراليا وإسبانيا وتركيا وألمانيا الغربية إلى التخلي عن فكرة إنشاء وحدات مماثلة.

ويؤكد التقرير على أن الغرض من إنشاء الوحدة كان سياسيًا وليس عسكريًا. فقد اعتقد الرئيس أيزنهاور أن السلاح النووي سيقضي على القوات التقليدية. وقد دشن الأمريكيون عقيدة أسموها «الانتقام الشامل» تنص على الرد على أي هجوم سوفيتي بهجوم نووي شامل، بل قد فكر أيزنهاور في ردع الفيتناميين وقوات الصين الشيوعية بالسلاح النووي لمنعهم من تحقيق أي نصر على أمريكا.

وبغية تقليل النفقات – يضيف التقرير – قرر الجيش الأمريكي أنه يحتاج إلى إدخال قوة تناسب العصر النووي. في ذلك الوقت، كانت فرق المشاة الأمريكية لا تزال تمتلك هيكل القوة «الثلاثي» المستخدم في الحرب العالمية الثانية، مع وحدات مقسمة على ثلاث مجموعات: ثلاث سرايا في الكتيبة، وثلاث كتائب في الفوج، وثلاثة أفواج في الوحدة، وهكذا دواليك.

كان من المفترض أن تكون الكتائب في كل فوج قريبة من بعضها البعض من أجل توفير الدعم التكتيكي واللوجستي والاتصالات. غير أن المنظرين العسكريين شعروا بالقلق من أن تصبح الأفواج الكبيرة أهدافًا مثالية للهجمات النووية. وبفضل تفكيرهم، فإن العديد من الوحدات المستقلة الصغيرة ستكون أكثر قابلية للبقاء.

وهكذا ظهر مصطلح Pentomic – وهو مشتق من الكلمة اليونانية tome بمعنى خمسة أجزاء – لأن الوحدة تتشكل من خمسة فيالق، وكل فيلق يتشكل من خمس سرايا. ويشير التقرير إلى أنه كانت هناك سرية دعم سادسة تتولى الرادارات وبطاريات مدافع المورتر بقطر 4.2 بوصة، وبنادق مضادة للدبابات ذات مقذوف بقطر 106 ملمتر، وأخيرًا أول صاروخ أمريكي مضاد للدروع SS-10 فرنسي الصنع. وجرى رفع عدد أفراد كل مجموعة مشاة إلى 11، ومُنحت لهم أجهزة اتصال، فضلًا عن بندقية M14 النصف آلية.

افتقرت وحدات «بنتومك» إلى التنظيم. وجرى فصل عناصر المدرعات والمدفعية والدعم اللوجستي عن الوحدة لتعزيز كل فرقة قوامها 1400 عنصر. وبحلول عام 1960، كانت الوحدة تضم خمس كتائب مدفعية مباشرة، مع بطارية واحدة لكل من مدافع الهاوتزر 105 و 155 ملمتر، فضلًا عن كتيبة دبابات من خمس سرايا. وجرى تقسيمها إلى مجموعات والدفع بها على خط المواجهة؛ مما سمح لوحدات المشاة بأن تظل مكتفية ذاتيًا حتى لو لم تحصل على الدعم بسبب قطعه من قبل الرادارات والدبابات السوفييتية المتقدمة.

كانت الوحدات الثلاث المحمولة أول من تحول إلى الهيكل التنظيمي «بنتومك» في عام 1957 – يقول التقرير – وتبعتها جميع وحدات المشاة في عام 1958. لكن لواء المدرعات ظل دون تغيير، حيث كان بالفعل بهيكل أصغر وأكثر مرونة. وبشكل عام، لم يكن هناك الكثير من الحماس للنظام الجديد، كما أصبحت كل شعبة أصغر وفقدت الكثير من الهوية التاريخية المستثمرة في وحدات الفوج السابقة.

كان أول نظام للأسلحة النووية في الجيش – وهو مدفع M65 بقطر 280 ملم – يفتقر إلى القدرة على التنقل. ولكن سرعان ما جعلت الصواريخ وقذائف المدفعية النووية الأخف وزنًا القنابل النووية متاحة للقادة في كتيبة الدعم العامة لوحدة «بنتومك». وطُرحت مدافع M115 هاوتزر بقطر ثماني بوصات – وتعود إلى الحرب العالمية الثانية – وهي ذات رؤوس نووية بقدرة تصل إلى 40 كيلو طن. ويمكن لمقذوفها أن يصيب هدفًا على مسافة عشرة أميال.

يمكن لأنظمة صواريخ MGR-1 Honest John المحمولة على شاحنات أن تصيب أهدافًا على مسافة 15 إلى 30 ميلًا. ويمكن للصواريخ غير الموجهة بقطر 760 ملم تدمير هدف بمساحة ملعبين لكرة القدم، لكن مستوى الدقة لم يكن أولوية عند تسليم الرأس الحربي النووي الذي تبلغ قدرته ثلاثين كيلوطن.

وجاءت الترقية النهائية لوحدة «بنتومك» في عام 1961 – يقول التقرير – عندما تلقت المجموعات القتالية مدافع M28 وM29 ديفي كروكيت. وكانت هذه المدافع قادرة على إطلاق رؤوس حربية نووية من طراز W54 قدرتها 0.01 كيلوطن، وتزن 76 رطلاً. وتنتج إشعاعات نووية كافية لقتل أي كائن يقع ضمن نطاق دائرة بقطر 500 قدم من نقطة التفجير، وتسبب العمى أو الموت البطيء في دائرة نصف قطرها أوسع بكثير.

لكن مدافع M28 بقطر 120 ملم يبلغ أقصى مدى لها أكثر من ميل بقليل، مما يعني أن طاقمًا من ثلاثة يمكن أن يتأثر بسهولة من الإشعاع المنبعث منها. وكان البديل هو مدفع M29 ملم ذو النطاق المضاعف؛ مما يجعله إلى حد ما أكثر عملية. إن وضع هذا العدد الكبير من الأسلحة النووية في أيدي القوات في أرض المعركة قد ضاعف من فرص الاستخدام غير المصرح به، وأدى إنتاج أكثر من ألفي طلقة إلى زيادة احتمال فقدان أو سرقة الرؤوس الحربية المحمولة.

وينوه التقرير إلى أن المخطط الاستراتيجي للوحدة كان يقتضي نشر المجموعات القتالية في جزر دفاعية، بحيث لا يمكن القضاء على أكثر من مجموعة في ضربة نووية واحدة. وكان من المتوقع أن يتسبب مدفع ديفي كروكيتس – الذي كان قد جرى نشره في أوروبا – في تشديد نقاط الاختناق الرئيسة، مما سيقضي على الدبابات السوفيتية ويمنع الوحدات الأخرى من التقدم في المنطقة. وعندما تبدأ الوحدة الهجوم، ستُستخدم المدفعية النووية لفتح ثغرات في خطوط العدو التي يمكن أن تستغلها مجموعات المشاة في وحدة «بنتومك».

في نهاية المطاف، قام الجيش بتقييم أداء الوحدات الجديدة – وأدرك أنها غير فعالة تمامًا؛ إذ لم تكن خمس كتائب معززة فعالة، مثل ثلاثة أفواج كاملة، وخاصة في الحرب التقليدية. وعلى الرغم من أن الوحدة كانت تملك قوات أكثر بنسبة 33% في الخطوط الأمامية، بيد أنها غالبًا ما احتاجت إلى تحويل تلك القوات إلى مهام لوجستية؛ لأن خدمات الدعم جرى تقويضها. كما افتقرت الوحدة إلى مدرعات قادرة على التنقل في ساحة المعركة في جميع التضاريس.

وقد استقبلت أفواج النقل التابعة للوحدة طائرات هليكوبتر من طراز M113 وطائرات هليكوبتر من طراز H-34 من أجل توفير حركة ميكانيكية أو محمولة جوًا لمجموعة أو مجموعتين قتاليتين في وقت واحد، وذلك من أصل خمسة مجموعات.

الأهم من ذلك، أن البنتاجون – في عهد الرئيس كيندي – تحول إلى مبدأ «الاستجابة المرنة»، الذي لم ينطوي على تصعيد تلقائي للحرب النووية – يشير التقرير. وقد شجعت التحسينات في القدرات النووية السوفيتية هذا الاتجاه. شعر المخططون العسكريون الأمريكيون بالفزع لاكتشاف أن حتى الاستخدام المحدود للأسلحة النووية من شأنه أن يسبب دمارًا هائلًا لأوروبا، وبالتالي عاود البنتاجون التركيز على الانتصار في الصراعات التقليدية، فضلًا عن مكافحة الإرهاب في البلدان النامية.

لحسن الحظ لم تستخدم وحدة «بنتومك» في أية معركة، على الرغم من أنه كاد يجري الدفع بها في أزمة الصواريخ الكوبية. بعد خمس سنوات فقط، بدأ الجيش في عام 1962 التحول إلى وحدة ROAD، والتي عادت إلى الهيكل التنظيمي الثلاثي.

وسُحبت مدافع ديفي كروكيتس من الوحدات التشغيلية بحلول عام 1968. وفي حين أن الجيش احتفظ بقذائف المدفعية النووية لعقود أخرى، شكّل التخلي عن الوحدة نقطة تحول عندما أدرك البنتاجون أن الحرب الحديثة لا تنطوي بالضرورة على استخدام السلاحالنووي، وهو أمر يجب أن نكون جميعًا ممتنين له.

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر