داريا.. خمسة أعوام والدم لم يجف


حافظ قرقوط

من الصعب إحصاء عدد المجازر التي ارتكبها نظام الأسد وميليشياته في سورية، منذ انطلاقة الثورة، على الرغم من توثيق السوريين لكثير من تفاصيل ما جرى، ولكن تبقى المجازر الكبرى الملفتة في حجم ضحاياها وطريقة حدوثها، ومنها مجزرة داريا الكبرى، جزءًا أساسيًا من تدوين تلك الذاكرة، لهذا التاريخ الأسود الذي عاشته سورية في ظل حكم عائلة الأسد.

في عيد الفطر، في 20 آب/ أغسطس 2012، عندما أحاطت قواتٌ من (الحرس الجمهوري) الذي يقوده ماهر الأسد، وعناصر من ميليشيا (حزب الله) اللبناني، ومن (المخابرات الجوية) التي يترأسها جميل حسن، بمدينة داريا الواقعة بالغوطة الغربية للعاصمة دمشق، ومهدت بقصف مدفعي عنيف لدخولها من عدة محاور.

بحسب ما وثق المجلس المحلي لمدينة داريا حول المجزرة على صفحته، فقد قطع نظام الأسد “التيار الكهربائي وكافة أشكال الاتصالات عن كامل أحياء المدينة”، وأُغلقت “كافة المداخل والمخارج الرئيسة والفرعية”، ابتداءً من صباح 21 آب/ أغسطس، “بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية”، وتم نشر عشرات الدبابات على طريق دمشق – درعا الدولي، ومُنع بشكل كامل الدخول أو الخروج من المدينة.

في 25 آب/ أغسطس 2012، كان الاجتياح الكبير، لتبدأ خيوط جرائم تلك القوات بالظهور في مناطق وأحياء مختلفة من المدينة، بحيث يمكن القول إنها مجموعة مجازر، وصفها الناجون منها بـ “الهمجية والمروّعة”، شكّلت مع بعضها (مجزرة داريا الكبرى) التي بلغ عدد ضحاياها الإجمالي “712 شخصًا”، وهم الذين وثقهم الناشطون، خلال عملية الدفن، منهم “512 شخصًا” تم توثيقهم بالاسم الكامل، بينما بقي نحو “200 شخص” مجهول الهوية، وجُرح نحو 1150 شخصًا، وما زال أكثر من 100 شخص في عداد المفقودين.

استخدمت القوات المقتحمة كافة أنواع الأسلحة النارية بعمليات القتل، ولم تكتف بذلك بل مارست انتقامها من الأهالي بكل أدوات القتل حتى بالسكاكين، ومن المجازر المتعددة تلك، كانت مجزرة جامع (أبو سليمان الديراني)، حيث اختبأ عشرات الأهالي من النساء والأطفال والرجال في قبو الجامع، ولكن لم يشفع لهم وجودهم في ذلك المكان؛ إذ دخل عليهم عناصر النظام وقتلوا الجميع، كما وثقت (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، عن شهود عيان، مجازرَ متفرقة عديدة حدثت في البيوت والأقبية والحارات في تلك المدينة.

تأتي الذكرى الخامسة لمجزرة داريا، لتسترجع المدينة من ذاكرتها كيف خزنت الكثير من الأوجاع والمآسي، وآلاف التفاصيل السوداء عن “شركاء الوطن”، حين دخلوها كوحوش كاسرة، ليتعمدوا عجن الخبز بالدم، في شوارع شهدت أيادي ترفع باقات الورد، معبرة عن روح ثورة الورود السورية، فاغتالت أدوات الأسد المسمومة غياثَها لتقطع المطر عن تلك الورود، لهذا قُتل غياث مطر عن عمد، ليصبح رسالة تختصر في مضمونها صورةَ نظام، تنامت جذوره وأذرعه على الدماء.

بعد ذلك الاجتياح، صمد ثوار داريا سنوات في وجه آلة القتل، وشكلت نموذجًا للنضال الثوري، وكان مجلسها المدني هو من يعطي القرار للفصائل وليس العكس، وفي مساحة تم تقديرها بنحو 2 كيلو متر مربع، استطاع الثوار الثبات والقضاء على قادة خمس حملات للنظام، ليخرجوا بعد ذلك الحصار الدموي الحاد الذي دام 4 سنوات، حاملين من شوارع مدينتهم وبيوتها وعنبها، ذاكرةَ بطولة وصمود، وذاكرة صور من لحم ودم، وشجون تساؤلات كيف كانت آلاف البراميل المتفجرة والصواريخ والقذائف، تُلقى عليهم وتهز أرضَ أقدم عاصمة في تاريخ البشرية، دون أن تهز ضمير العالم.




المصدر