“شرقية وغربية” النظام يعيد رسم خارطة حلب


نسرين أنابلي

يتخذ مفهوم “الانتصار” في حلب -لدى النظام- معاني مختلفة، أهم ما يميزها أنها لا تتطابق مع الواقع؛ إذ يبدو أن التدمير وقتل المدنيين بالبراميل، ومن ثم طرد من بقي حيًا منهم وتهجيرهم من بيوتهم، هو المعنى الحقيقي للنصر الذي يتغنى به النظام. ومع استمرار بقاء المدنية اقتصاديًا وخدميًا على ما هي عليه من أزمات، يحاول نظام الأسد تسويق صورة عن حلب، توحي بأنها قيد التعافي في قطاعاتها الاقتصادية وحياتها الاجتماعية. ولكن كيف يمكن لمدينة تعرضت لكل هذا الدمار والخراب أن تعيد بناء نفسها، وأن تكون منتجة!

بيوت بلا كهرباء وساحاتٌ تُشعُ بالأنوار!

بالأمس نشرت صفحة (شبكة أخبار حي الزهراء بحلب) صورًا لدوار الموكامبو وأوتوستراد جامع الرحمن، احتفالًا بإضاءتهما بالطاقة الشمسية.

ردات فعل المؤيدين على نشر الصور كانت غاضبة؛ ففي الوقت الذي يعيش فيه السكان على إنارة الأمبيرات وسط غياب كامل للكهرباء العامة، تعمل محافظة حلب على إنارة الساحات والشوارع، في محاولة منها لإظهار المدينة خالية من الأزمات التي تعانيها. علّقت إحدى السيدات على الصور: “شغّلوا الكهرباء في البيوت، واهتموا بحياة الشعب، بدل هذه الأضواء التي لا تطعم خبزًا. ثمة ما هو أهم من الإضاءة: هناك معاناة الناس في حلب.. يكفي مظاهر، لا فائدة منها”.

لم تخفف إضاءة بعض الساحات والشوارع من غضب أهالي حلب الذين يعيشون يوميًا أزمات كثيرة، تبدأ بارتفاع أسعار المواد الغذائية على نحو جنوني، حيث وصل سعر ربطة الخبز إلى 300 ليرة، ولا تنتهي بأزمة المواصلات وانقطاع الماء.

على الرغم من تردّي الأوضاع الاقتصادية في حلب، إلا أن المدينة تشهد، بين الحين والآخر، افتتاح مراكز للتسوق و”مولات”، آخرها كان مركز تسوق (طريق الحرير) و(مول السلام) في حي سيف الدولة. ومع تدني الوضع المعيشي والمادي للسكان يسأل بعض الأهالي: ما الغرض من افتتاح هذه الأسواق والمولات، في مدينة تعاني من البطالة وانخفاض دخل مواطنيها، بشكل كارثي، مع انخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية؟”.

الخبير الاقتصادي الدكتور رائد وهيبة يفسر هذا الأمر لـ (جيرون) بأنه نوع من الترويج لتوفير منافذ بيع جديدة محرّضة للشراء. وهذا طبعًا يتوقف على نوعية السلع المعروضة، وهي بغالبيتها بسيطة، بسبب غياب الصناعة الوطنية، ويضيف: “أعتقد أن الهدف من إنشاء هذه المراكز ليس اقتصاديًا فقط، بل للموضوع أبعاد إعلامية وسياسية أيضًا. يريد النظام أن يُظهر للعالم أنه قوي ومنتصر، وأنه ما زال قادرًا على إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، في عاصمة الاقتصاد السوري المدمرة”!

لفت وهيبة إلى “نشوء طبقة جديدة في حلب، تتمثل بعناصر اللجان الشعبية (الشبيحة والعفّيشة) الذين استفادوا ماديًا من الحرب التي دارت في المدينة. وهؤلاء هم الفئة المستفيدة من افتتاح مراكز التسوق أو بمعنى آخر هم الفئة المستهلكة”. وأضاف وهيبة أن “مراكز التسوق والمولات يمكن أن تكون واجهة لتبييض الأموال”.

ميلاد الحلبي، وهو من سكان المدينة، يرى أن “افتتاح هذه المولات نوع من الفساد الداخلي لإعادة تموضع مراكز الأسواق، وسحب البساط من مناطق عقارية سجلت ارتفاعًا في الأسعار كحي العزيزية وسوق التلل، حيث وصل آجار العقار، في هاتين المنطقتين، إلى مليون ليرة سورية، في حين لم يتجاوز سابقًا 200 ألف ليرة! كما أن غياب أسواق مثل سوق “المدينة” الأثري، وسوق الشعار وشارع النيل يخلق طلبًا على العقارات، وبحثًا عن إيجاد أسواق بديلة، وهذا البديل يخدم بالطبع مصالح المسؤولين، وليس المدينة ومواطنيها.

الأحياء الشرقية “مكب” لنفايات سكان الغربية!

يركز النظام على تحسين القسم الغربي من المدينة، وهو بالأصل أقل تضررًا من الجانب الشرقي، حيث سوّيت الكثير من الأحياء بالأرض. ففي الوقت الذي يطلق حملات تطوعية لتجميل شوارع حلب (الغربية) وإضاءتها بالطاقة الشمسية، وافتتاح المولات وما إلى ذلك، يبقى الوضع في الأحياء الشرقية المدمرة على ما هو عليه، بل الأكثر من ذلك أصبحت تلك الأحياء مكب نفايات لسكان الطرف الغربي.

نبّه حكَم الشعار، وهو من سكان حي قاضي عسكر، إلى أن “إقدام النظام على إعادة تأهيل بعض المناطق الشرقية ينطلق من رغبته في إخفاء آثار جرائم الحرب التي اقترفها، من خلال إعادة بناء بعض الأبنية الشهيرة التي ارتكب بها مجازر. والمثال على ذلك هو إعادة ترميم (مشفى القدس) في حي السكري الذي قصفه خلال حملة إسقاط حلب. حيث أعاد النظام ترميمه بسرعة هائلة، لطمس وإخفاء معالم جريمته.




المصدر