فزغلياد: موسكو تقترح على واشنطن وقف المعارك التي لا تحكمها قواعد


سمير رمان

الصورة: Global Look Press Christian Ohde/imago stock&people/

بعد أسبوعٍ واحد سينقضي الموعد الذي وضعته الولايات المتحدة الأميركية لنفسها، للرد على الإجراءات الروسية المتعلقة بتحديد عدد أفراد البعثة الدبلوماسية الأميركية لدى موسكو. وإذا استطاعت واشنطن الاقتصارَ على بعض الخطواتٍ الشكلية؛ فإن موسكو لن تتخذ إجراءاتٍ مضادة، وعندها سيكون ممكنًا الخروج من الدائرة المغلقة “الرد على الضربة بضربةٍ مماثلة”. مثل هذه الرغبة موجودة لدى ترامب، وكذلك لدى موسكو.

عملية تبادل الضربات العقابية، بين موسكو وواشنطن، مستمرة منذ زمنٍ بعيد، ولكن مع إدراك الطرفين أن سوء الفهم يظهر عند الطرف الذي تكون الكرة في مرماه.

يتظاهر الأميركيون أن آخر الإجراءات اتخذها الروس، وأن دورهم للرد قد جاء. أما روسيا فتقول إن الإجراءات التي اتخذتها، في نهاية شهر تموز/ يوليو، بتقليص عدد أفراد السفارة الأميركية في موسكو، كانت ردًا على العقوبات التي أقرها أوباما، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث قام حينئذ الرئيس المنتهية ولايته، بطرد دبلوماسيين روس. وبهذا فإن آخر من رمى الكرة هم الأميركيون الذين أقروا قانون عقوباتٍ جديد ضد روسيا، تضمن كل الإجراءات القديمة بالإضافة إلى الجديدة. والآن، جاء دورنا -الروس- بالرد، ولكننا لن نفعل؛ لأننا لا نريد إدخال العلاقات بين البلدين في مأزقٍ أكبر.

على الرغم، من أن واشنطن الرسمية لا توافق على تفسير موسكو، فإنها تفهم بالطبع أن هذا التفسير هو الوحيد الصحيح؛ فقد قام بوتين بالذات، في كانون الأول/ ديسمبر عام 2016، بتأجيل الرد الروسي على عقوبات أوباما، لم يلغِ، بل أجّل فحسب؛ ليعطي ترامبَ الفرصةَ لتصحيح وتغيير الوضع، أي إلغاء أمر سلفه أوباما. وفقط بعد مرور سبعة أشهرٍ، عندما توصل الكرملين إلى قناعةٍ بأنه لن يُسمح لترامب بالقيام بذلك، أُعلن الرد الروسي، ليأتي بصورة مساواةٍ صارمة بين عدد أفراد البعثتين الروسية والأميركية.

لو كان ترامب ووزير خارجيته تيليرسون يتمتعان ببعض الحرية النسبية على المسار الروسي؛ لتركوا خطوة موسكو دون رد، غير أن إجراء كهذا من قبل الرئيس، وفي ظروف الحملة المستمرة على الرئيس الجديد، بشأن “العلاقات الروسية”، سيتحول إلى اتهامٍ بحقه؛ ولهذا أعلن وزير الخارجية تيليرسون، منذ الأول من آب/ أغسطس، تأجيل رد واشنطن حتى الأول من أيلول/ سبتمبر، أي حتى اليوم الذي حددته موسكو للولايات المتحدة، لتقليص عدد دبلوماسييها.

خلال الأسبوع الماضي، نشرت بعض وسائل الإعلام خيارات الرد المحتملة، ومن بينها اختصار عدد العاملين في إحدى القنصليات الروسية في الولايات المتحدة الأميركية. وفي الوقت الحالي، لدى روسيا أربع قنصلياتٍ في الولايات المتحدة، في حين للولايات المتحدة ثلاث قنصلياتٍ في روسيا، بالإضافة إلى ذلك، تناقش أيضًا إمكانية تقييد حرية تنقل الدبلوماسيين الروس.

من المفهوم، أنه إذا قلّصت الولايات المتحدة مساحة تحرك موظفينا؛ فإننا سنرد بإجراءاتٍ مماثلة. الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة للقنصلية: إذا أُلغيت إحدى قنصلياتنا؛ فإن الجانب الأميركي يكون قد ساوى بين عدد قنصليات الدولتين (أي أنهم بذلك يكونون قد فعلوا ما فعلنا، عندما ساوينا بين أعداد العاملين، في مكاتب بعثتي الدولتين)، وهنا سيكون ردنا المماثل غيرَ ضروري.

لكن الأميركيين اقتصروا -حتى الآن- على إيقاف منح تأشيرة الفيزا، في كامل المناطق الروسية، معلنين أنهم سيستأنفون بعد أسبوعين منح الفيزا في موسكو فقط. أي أن القنصليات الأميركية في كل من سانت بطرسبرغ، يكاتيرين بورغ وفلاديفوستوك لن يمنحوا تأشيرات دخول إلى أراضي الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذا الإجراء لن يستمر طويلًا على الأرجح؛ لأنه لن يكون مفهومًا، في تلك الحالة، سبب وجود تلك القنصليات.

وهكذا، إن اتضح، حتى الأول من أيلول، أن رد واشنطن سيقتصر على خلق صعوباتٍ مؤقتة، تتعلق بتأشيرات الدخول وبعض القيود على الدبلوماسيين الروس، عندها ستكون هناك فرصةٌ لوقف سلسلة تبادل الضربات. أي أن موسكو ستقوم، بالطبع، بتقييد حركة الدبلوماسيين الأميركيين على أراضيها، وسينتهي الأمر عند هذا الحد.

في واقع الأمر، كانت رئيس المجلس الفيدرالي الروسي فالنتينا ماتفيينكا قد تحدثت عن هذا الموضوع، في إطار ردها على سؤالٍ، حول ما إذا يتوجب على روسيا الرد على قرار الجانب الأميركي، بوقف منح تأشيرات الدخول: “أنا من أنصار عدم تصعيد العقوبات أكثر، وبالتالي عدم تصعيد المواجهة. ليس بالضرورة دائمًا الرد بمبدأ العين بالعين”. وأضافت ماتفيينكا، على الرغم من أن روسيا تملك حق الرد على مثل هذا التصرف غير الودي؛ فإننا يجب أن نتسامى على ذلك.

أما سيرغي لافروف، فقد تحدث يوم الخميس عن ضرورة التوقف: إذا كان وزير الخارجية من قبل يعلق على وضع تأشيرات الفيزا بالقول إن موسكو لن تسبِب الأذى للأميركيين، فإنه اليوم يذكر: “لسنا نحن من بدأ هذا الصراع المجنون على الساحة الدولية، لسنا نحن من بدأ سلسلة العقوبات التي لا طائل منها.. نأمل أن تهدأ الرؤوس الحامية، وأنْ يسود التعقل في نهاية الأمر”.

هذه ليست إشارة إلى واشنطن، فهناك يعرفون -من دون رسائل وإشارات- أن روسيا تريد التوقف عن سلسلة تبادل اللكمات التي بدأتها إدارة أوباما. بالإضافة إلى ذلك، إدارة ترامب تريد الشيء نفسه أيضًا، وتكمن المشكلة فقط، في الوقت الذي سيكون بمقدور البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية السماح بذلك، أي تحمل سيل الشتائم الحتمي الذي ستشنه وسائل الإعلام والكونغرس، بدعوى “التنازل للروس”. والآن، يسود شعورٌ بأن ترامب وتيليرسون يستطيعون تحمل ضربةٍ على هذا المسار.

لا يجب تقييم كلمات ماتفيينكا ولافروف على أنها “علامة تراخٍ ما”، من جانب القيادة الروسية، بدعوى أنهم تعبوا من النزاع، كُسِرت معنوياتهم، وهم مستعدون لتقديم التنازلات للولايات المتحدة الأميركية. وللأسف، يجب أن تكون موسكو جاهزةً لمثل هكذا تفسيرات، في حالة تمكنا بالفعل من قطع سلسلة تبادل الضربات. ليس هناك أحد بإمكانه تغيير أو إهمال تنازع المصالح، المواجهة أو الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لكن من الضروري الانتقال من خوض معاركَ من دون قواعد إلى معارك تحكمها القواعد.

الحديث هنا عن أنه باستثناء الخلاف في وجهات النظر والتنافس، لدى الدولتين مصالح مشتركة حقيقية، على الأقل مع ذلك الجزء من النخبة الأميركية التي تحاول هي بنفسها الدخول في حوارٍ طبيعي مع بلادنا (روسيا). ويمثل هذا الجزء من النُخَب الأميركية كل من ترامب وتيليرسون، وتبادل الضربات معهم، وفق السيناريو الذي وضعه أوباما، هو الحماقة الأكبر التي يمكن أن نرتكبها.

اسم المقالة الأصلية Москва предлагает Вашингтону прекратить бои без правил كاتب المقالة بيتر أكوبوف مكان وتاريخ النشر  صحيفة فزغلياد. 25 آب 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/politics/2017/8/25/884216.htm ترجمة سمير رمان




المصدر