منع تعدد الزوجات في مناطق (الإدارة الذاتية) وأثره على ارتفاع معدلات العنوسة




زياد عدوان: المصدر

بعد قرارات منع تعدد الزوجات وإلغاء المهر وتساوي المرأة مع الرجل، والتي أصدرتها الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها شمال سوريا، ارتفعت معدلات العنوسة في مناطقها.

وأصدرت الإدارة الذاتية قانون منع تعدد الزوجات منذ أكثر من عامين ونصف العام، الأمر الذي تسبب بارتفاع نسبة العنوسة بدرجات كبيرة، ونتيجة هروب الشبان وزج المئات منهم في المعارك، حرمت العديد من الفتيات من الزواج حتى لو كان من رجل متزوج نتيجة هذا القانون، حيث ارتفعت نسبة العنوسة لأعلى مستوى لها منذ نهاية العام 2015، وظهر ذلك من خلال عدم تواجد الشبان في الشوارع إلا ممن يرتدون الزي العسكري الخاص بمليشيا وحدات حماية الشعب YPG أو الملابس العسكرية.

وبعد إقرار المادة 13 من المرسوم الذي أصدرته الإدارة الذاتية وينص على “منع تعدد الزوجات وعقوبة تعدد الزوجات هو اعتبار الزواج بثانية باطل ولا ينتج أثرا، كما يعاقب من يخالف القرار بالسجن مدة سنة كاملة بالإضافة لدفع غرامة مالية قدرها خمسمائة ألف ليرة سورية”، كما أن القرار يعاقب موظفي الإدارة الذاتية الذين يقومون بالزواج مرة ثانية بفصلهم من عملهم بالإضافة لإحالة الموظف للسجن.

واعتبر المحامي المعارض لسياسة الإدارة الذاتية “سيبان حمو”، أن هذا القرار من شأنه أن يرفع معدل العنوسة لدى الفتيات، وخصوصاً أن بعض الرجال قادرون على الزواج من ثلاث نساء أو أربع، مؤكداً أن هذا القرار غير صحيح وعلى الإدارة الذاتية أن تقوم بمراجعته ومناقشته مع المدنيين والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم، وخاصة أن الإدارة الذاتية تدعي أنها ديمقراطية، على حد قوله.

وأضاف المحامي “حمو” في تصريح لـ (المصدر)، أن الإدارة الذاتية دائماً تقوم بإشاعة القرار بين أوساط المجتمع لترى ردة الفعل عليه، وعلى ضوء ذلك تقوم بتعديله أو طرحه مثلما هو، ولأن نظرة الإدارة الذاتية للمجتمع على أنه ذكوري وتسلطي فهي تقوم بتمرير القرارات التي تعتبرها محافظة لحقوق المرأة ولإخراجها من ظل الهيمنة الذكورية. وضرب مثالاً قانون منع تعدد الزوجات، والذي تسبب بارتفاع نسبة العنوسة لدرجة كبيرة، مشيراً إلى أن هذا القانون أو القرار يبدو أنه تم اتخاذه بدون النظر لسلبياته التي بدأت بالظهور من خلال ارتفاع عدد الفتيات الغير متزوجات، ولذلك فيجب على الإدارة الذاتية أن تقوم بمراجعة المادة 13 التي بسببها حرمت العديد من الفتيات من الزواج.

وبعد إصدار العديد من القرارات والقوانين التي ساوت بين الرجل والمرأة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، أثارت تلك القرارات جدلاً واسعاً وخصوصاً أن معظم تلك القرارات والقوانين تخالف الشريعة الإسلامية، فمثلا إلغاء المهر وتقاسم الورثة وغيرها من تلك القرارات التي أصدرتها الإدارة الذاتية لم تستند إلى مراجع دينية، وذلك أن إلغاء المهر من الأمور التي ذكرت في القرآن الكريم من أجل الحفاظ على حقوق المرأة إذا تعرضت للطلاق، ولكن هذا القرار الذي اتخذته الإدارة الذاتية لم يتم تداوله حتى الآن بالرغم من إقراره، كما أن المجتمع وجميع المكونات في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ترفض هكذا قرار، اكتفت الأخيرة بجعله قراراً غير قابل للتطبيق بسبب المشاكل التي ستنتج عنه.

واستطلعت (المصدر) آراء عدد من الشابات وتحدثت العديد منهن عن الرفض القاطع لقرارات إلغاء المهر ومنع تعدد الزوجات، فبعض تلك الشابات لا تمانع من أن تتزوج من رجل متزوج وبعضهن امتنع عن الإجابة، فأما عن إلغاء المهر فكانت الإجابة أنه قرار جائر ويهدر حقوق المرأة.

وقالت “سمر” إحدى الشابات في حي الشيخ مقصود بحلب لـ (المصدر): “أغلب الشبان التحقوا بالجبهات وبعضهم هاجر والقسم الآخر قتل بسبب الحرب، ومن تبقى لا يستطيع الزواج، ولذلك فإن قانون منع تعدد الزوجات سيكون له تأثير سلبي كبير على البنات الغير متزوجات”.

وأضافت “بالنسبة لي لا أمانع من الزواج من رجل متزوج. حالياً أبلغ من العمر 28 عاما، إذا بقي الوضع هكذا وفي ظل هذه القرارات والقوانين فلن أتزوج وغيري الكثير من البنات، وهذه معاناة حقيقية تغفل عنها الإدارة الذاتية، أما بالنسبة لإلغاء المهر فأيضاً هذا القرار لا يخدم النساء، بالعكس تماماً هو لصالح الرجال، لا أرى في تلك القرارات إلا ظلماً كثيراً للمرأة، التي مازالت منبوذة حتى في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية”.

ونتيجة قرار إلغاء المهر اضطرت معظم الفتيات للعزوف عن الزواج، ولكن هذا القرار لم يتم تطبيقه في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في حلب، وبسبب الفقر والبطالة التي تعاني منها مناطق سيطرة الأخيرة يعزف الشبان المتبقين عن الزواج بالرغم من أن عدد الإناث يفوق عدد الذكور، فالفقر وتكاليف الزواج والمصاريف التي تبلغ قيمتها أكثر من 1500 دولار، جعلت العديد من الشبان والرجال يمتنعون عن الزواج، ونتيجة ما سبق فإن معدل العنوسة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ارتفع بشكل كبير وملحوظ خصوصاً في العام الجاري.

العنوسة في مناطق النظام

ولم يكن الحال بأفضل مما عليه في مناطق سيطرة النظام وميليشياته في مدينة حلب التي أصبحت فيها أعداد النساء والفتيات تفوق أعداد الرجال، فمعظم الرجال والشبان تم اعتقالهم وتجنيدهم وزجهم في جبهات القتال، وبين كل عشرة إناث ترى نحو ثلاثة رجال، وأغلبهم يرتدي ملابس عسكرية، أي أن عدد النساء والفتيات في مدينة حلب ارتفع بنحو 65% مقابل نقص عدد الذكور الذين لم يعد تتجاوز نسبتهم 20%، وأما ما تبقى فهم أطفال دون سن العاشرة من العمر.

وقال أحد المدنيين من حي الزبدية لـ (المصدر): “أصبح عدد النساء في مدينة حلب كبيراً جداً بالمقارنة مع السابق ومعظمهن غير متزوجات، هنا في الحي العديد من العائلات لديها بنات للزواج ولكن لا أحد يطرق بابهم”.

وأشار المدني الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى أن “الغلاء الفاحش وتردي الأوضاع المعيشية يلعبان دوراً هاماً في منع الزواج”.

وتابع باستهزاء قائلاً بلهجته العامية: “لازم النظام يجوز الشباب مشان يقضي على مشاكل العنوسة وارتفاع نسبتها، وكل من يقوم بالزواج من 2 أو 3 أو حتى 4 يأخذ راتب شهري من النظام من أجل أن يقوم المواطن بواجباته تجاه بلده”.

وتبقى مشكلة ارتفاع معدل العنوسة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية والنظام من الأمور المغيبة كليا، وذلك نتيجة إهمال الجانب الاجتماعي من قبل النظام والإدارة الذاتية، فالطرفان يسعيان لإحداث فارق سكاني من خلال جعل معدل العنوسة يرتفع بشكل مستمر، دون وضع حد من أجل الحفاظ على تركيبة المجتمع السوري الذي أصبح مجتمعاً نسائياً في ظل ارتفاع معدل العنوسة لأعلى مستوى له خلال فترة الثورة السورية.




المصدر