on
نساء في مهب الشعر
إبراهيم الزيدي
لم يعد الشعر “صعب وطويل سلمه”، كما قال جرول بن أوس الملقب بالحطيئة!! فسلالم الشّعر أصبحت كثيرة، بعضها قصير كالومضة، وبعضها الآخر طويل كالملل، وما بينهما ثمة أجيال ونظريات ومدارس. وحين جاءت الألفية الثالثة، وأردفت أعجازها الإلكترونية على فائض وقتنا، ذهب الكثير منّا لانتشال مقولات متناسخة، وملأ بها صفحات التواصل الاجتماعي! ولأن فكرة الاسترسال في الكتابة كما الحديث، هي صفة نسوية بأساسها (نشأت بسبب تطور مراكز الكلام في دماغ المرأة)، فإن الشاعرات، والمستشعرات، وما يكتبنه على صفحات (فيسبوك)، تحول إلى ظاهرة تستحق الدراسة، ومن يتابعهن أيضًا. فـ “الغواني” -على رأي أحمد شوقي- “يغرّهن الثناء”، وليس أبرع من الرجال العرب في الثناء المجاني! لدرجة أصبح لزامًا علينا أن نذكرهنّ بمقولة لوكا باتشولي: “لا فن دون رياضيات”؛ لعلهن يذقن مرارة الشك، وتنجرح رغبتهن بالكلام، قبل أن يسرفن في المجاز، فهذا التمدد في فضاء الرغبات لن يفضي إلى إشباعها، ولا خير في هذا الندى، ما لم يفتح باب الفجر. هذه الهواجس وضعناها بين يدي أكثر من شاعرة، لعل وجهات نظرهن تأخذ بيد الموضوع إلى مراحات لم تطأها معرفتنا.
محاسن سبع العرب: لماذا الشعر؟ لم أسعَ لاختياره، ربما هو فعل، كنت قارئة نهمة منذ طفولتي، لكني أنجذب للشعر. دخلت العالم الافتراضي منذ فترة بسيطة، المنتديات الثقافية والمدونات، ثم انتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ربما أصبحت هذه المواقع هي الأماكن الأكثر زيارة وقراءة من الجمهور.
سمر محفوظ: الشعر: لماذا الشعر تحديدًا؟ لا أعرف، هذا يأخذني إلى تساؤل: لماذا الرسم أو الكتابة الروائية أو النحت.. إلخ. باعتقادي النمط التعبيري هو من يختار لا نحن، غالبًا نحن نُكتَب، لا نَكتب. ربما اختارني النثر لسلاسته، أو لقلق داخلي لا يشبه هدوء واستقرار القص والرواية، وأنا على قناعة تامة بأن الشعر تجسيد لكافة الفنون السابقة واللاحقة، وهو المرحلة التعبيرية الجامعة لها. الشعر ابن الأزمات والنزوات والحالات النفسية الأشف، والأكثر قتامة وكثافة من المسكوت عنه، والمخفي والمعلن أيضًا. الميديا ساهمت في تصعيد الكثير من الحالات اللاإبداعية، وأيضا ساهمت في توصيل أصوات جادة ومهمة للمتلقي. الموضوع برمته ما زال خاضعا للتجريب. عن الاستمرارية خارج السوشل ميديا، لا أعرف حقيقة، ولا أهتم، الساحة تسع الجميع.
سوزان عبد الرحمن: لم أتعمد كتابة الشعر، كنت أكتب فيضي الداخلي، فكانت قصيدة الومضة، التي اكتشفت أن هذا هو اسمها بعد سنوات من كتابتها، استمريت على هذه الحال سنوات، إلى أن قمت بإنشاء صفحة على موقع (فيسبوك) فصارت منبري الخاص، أكتب فيها مكنونات نفسي، باسم مستعار، مدة عامين؛ فأصبح لصفحتي قراء ومتابعين، فأصدرت مجموعتي الأولى (كزائرة على عجل). فالعالم الواقعي مهم وضروري، على أهمية ما حققه لي منبري الافتراضي.
ربا نزار بطيخ: لماذا الشعر؟ سؤال يفتح في داخلي ألف باب وباب، وتداعيات لا نهاية لها، لطالما كانت اللغة عكازي الذي أستند إليه في لحظات وجعي واضطرابي المريرين، وغيمتي التي أهرب بها من قبح هذا العالم، أنا وأحلامي الصغيرة المؤجلة. القصيدة رفيقة لا تخون، وحبيب لا يناكف، مع الشعر تتخفف من أعباء روحك، تتكئ على مجاز، ربما يكون جميلًا، وربما لا، لكنه بالتأكيد -إن كان في لحظة صدق- سيكون فراش حرير لروحك المتعبة من وجع الحياة، وجنون هذا العالم. إن سألتني: لمَ الشعر؟ فأنا نفسي لا أعرف، وربما من غضب الدنيا عليّ أنها جعلت فيّ من كل فن القليل، فأنا أرسم، وأنحت على الخشب، وأغني، وأكتب القصة القصيرة، وأعزف على العود قليلا، لذلك لم أبرع في أكثرها، وربما لولا وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعرف الكثيرون عن اهتماماتي هذه. ولربما لم يسمع بشعري أحد، أو يخطر ببال دار نشر أن تطبع لي ديواني الأول (بنفسج). وعن سؤالك حول مكانتي خارج العالم الافتراضي، ربما يكون لي موطئ قدم لا أدري، ربما هو سؤال برسم المستقبل الذي أتمنى ألا يكون للعلاقات والمحسوبيات مكان فيه. في النهاية أنا أكتب لأتوازن قليلًا، الكتابة طريقي لمواجهة القبح، والتأكيد على أن الحب والفن سينقذان العالم.
هلال شربا: لماذا الشعر؟ أعتقد لأنه الناطق الأسمى باسم الوجدان والمشاعر وما يعتمل في الروح، إنه ثورة على الذات وبها، وربما هو أقرب الوسائل التعبيرية من الناس، أمّا عن موطئ قدمي خارج العالم الافتراضي، فهو محدود جدًا، لأسباب كثيرة، ليس أهمها النظرة غير الموضوعية لإبداع المرأة، والأثمان التي يجب أن تدفعها لتأخذ مكانتها، ثمة ظروف خاصة تمنعني من التواجد خارج العالم الافتراضي.
لجينة نبهان: لماذا الشعر؟ سؤال لم أطرحه على نفسي من قبل، وجدتني هكذا.. يقولني الشعر، لذلك أعتقد أن الأنواع الأدبية هي من تختار أقلامها، وليس العكس. أعيش تجربتي مع الشعر دون ادعاء، فالشعر بالنسبة إلي صرخة تقول فائض الألم، شهقة تزيد عن حب، وميض فكرة تبرق في ظلام، فيلتقطها الشعر متلبسة بالحضور. لماذا الشعر؟ لأنه ببساطة يشبهني، رغم امتناني للرواية التي عشت في كنفها، وسبرت أعماقي، وصقلتني، وضاعفت تجربتي وزمني، لكنني حين أحتاج أن أفيض، تسكبني قصيدة. أمّا هل سيكون لي مكان خارج العالم الافتراضي، سأقول إن هذا المكان ليس مكانًا للإقامة. قد يصلح لأن يكون منبرًا يعرف الناس بالشاعر، يعرف فقط ولا يدل على حقيقة شاعريته وجدارته إلا بنسبة ضئيلة جدًا، هذا العالم يبيعنا الوهم، ومصيبتنا كبيرة إن صدقناه. بالنسبة إلي أزعم أني أقدم ما يستحق حياة حقيقية، لأني حقيقية ومتماهية فيما أقدم، ولأنني أحترم المتلقي، لا يشغلني (الآن) كثيرًا، لأني أثق أن الزمن كفيل بالاصطفاء.
عبير سليمان: لماذا الشعر؟ لأنه يولد وحده دونما رحم ولا أبوين، عود ثقاب يشعل شمعة، تقع الشمعة على الورق فتشعل حريقًا، نحن لا نفتعل الحرائق. يحب الجميع تسمية منصات الأدب الجديدة بالافتراضية، وأنا أعتبرها شكلًا آخر من أشكال التطور التقني المواكب لعجلة الحياة. عندما يكون المشروع جيدًا وجديًا، سيفرض نفسه في كل مكان، على منبر واقعي، أو منبر افتراضي، فالقصيدة ذاتها هنا.. وهناك، لا تتغير. لا أشغل بالي بالفروقات الشكلية بين قنوات التواصل الأدبي، أنشر على النت لأنه مكان حر لا يحتاج إلى بروتوكولات أو علاقات عامة. أعتبره دفتر مسوداتي الذي يستوعب نزقي وأخطائي، وأنشر على الورق لأرتب الفوضى، وأوثق تجربتي وأصقلها. خلاصة القول البحر رحب، ويتسع لكل المراكب، وقد حجزت لنفسي زورقين: واحد خشبي، والآخر افتراضي، لا أدري أيهما يقلني الآن، لكنني أجزم أنني أقترب من الشاطئ.
نجاح علي سعيد: الشعر، وكتابة الشعر، بالنسبة إلي هي وسيلة التعبير الأجمل عن مشاعري وأحاسيسي. وجودي في عالم الأدب الواقعي كان قبل سنوات كثيرة من دخولي العالم الافتراضي الذي عرّف الناس علي، لأنه أكثر انفتاحًا، وعبورًا للحدود. أعتقد أن لي موطئ قدم في عالم الأدب، ومكانة أيضًا.
ريم كبة: لا أرغب في المشاركة، إنما لماذا الشعر، لأنني عشقته بكل بساطة، وكتبته منذ الصغر.
إيمان شربا: لماذا الشعر؟ أراه أشبه بهواء نتنفسه، لا نختاره اختيارًا. أمّا عن مكانتي خارج فضاء (فيسبوك)، صراحة أنا أحاول أن يكون لي مكانة واقعية، من خلال التواصل، ومراسلة الصحف والمواقع الإلكترونية، علمًا أن موضوع النشر في الصحف ليس مؤشرًا كافيًا، نحن بحاجة إلى مؤشرات أكثر دقة للحكم على نجاح الشاعر.
نسرين المكي: لماذا الشعر؟ لا أعلم حقيقة لماذا الشعر بالضبط، كل ما أعرفه أنني وجدته عالمًا رحبًا، وسكنًا لروحي الطافحة بالحب والحياة والخيال. هل تعتقدين أن لك موطئ قدم في هذا الحقل الأدبي خارج منصات العالم الافتراضي؟ الأمر في نظري يتجاوز الاعتقاد نحو أمر أهم، وهو مدى الأثر الذي تتركه كتابات الشاعرات، وهل يمكنهن فرض تجاربهن على المشهد الشعري، خارج منصات العالم الافتراضي الضيق.
قبل أن تعقد الدهشة عيونها فوق إجابات الشاعرات اللواتي استهدفتهن أسئلتي، كنت قد هيأت نفسي لاستقبال وجهات نظرهن أيًّا كانت، إلا أن مقتضيات الصحافة حالت دون نشر الاستطراد في إجاباتهن، فاقتضى التنويه.
المصدر