المجالس المحلية.. حتى لا نفقد نواة الثورة


عبد الإله فهد

بعد عقود من الاستبداد ومنع العمل المدني والاجتماعي من قبل نظام الأسد، وتشديد الخناق ومنع التجوال والتنقل ونقص الخدمات في المناطق الثائرة، عند اندلاع الثورة السورية؛ تشكلت بعض المجموعات المناطقية للعمل الاجتماعي والإغاثي، لتقديم المساعدات للأهالي المحتاجين، واستمر هذا الأمر إلى نهاية عام 2011 ضمن سرّية تامة، بسبب ملاحقة الأجهزة الأمنية للعاملين في هذا المجال واعتقالهم أو تصفيتهم، وأدرك القائمون على هذه الأعمال ضرورة مأسستها تحت مظلة جامعة؛ فتشكلت على إثرها المكاتب الإغاثية والطبية والخدمية الثورية كخطوة أولى، ومن ثم تم جمعها ضمن مشروع المجالس المحلية الثورية في عدة محافظات، وكان اعتماد القانون 107 لعام 2012 الخاص بالمجالس المحلية مع بعض التعديلات هو النواة الأساسية لمأسسة وتأطير العمل من جهة، والعمل على عدم انهيار مؤسسات الدولة من جهة ثانية؛ وبذلك تعتبر الجهة الوحيدة في ذلك الحين التي اعتمدت قانون للعمل.

كان من أهم الأهداف مأسسة وقوننة العمل، ومنع انهيار مؤسسات الدولة التي تخلّى عنها نظام الأسد في المناطق الثائرة على نحو مُمنهج، ضمن خطة الجوع أو الركوع من ناحية، وتقديم الخدمات للناس من ناحية ثانية.

شاركت المجالس المحلية في تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بخمس وعشرين بالمئة تقريبًا، وكان أول رئيس للائتلاف ممثل مجلس محافظة دمشق المحلي في حينذاك معاذ الخطيب.

كذلك كانت هي النواة لتشكيل الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف، ويزيد عددها في ذلك الحين عن خمسمئة مجلس محلي متوزعة على غالبية الأراضي السورية، تعمل على مشاريع المياه والكهرباء والطبابة والتعليم والزراعة والنظافة، بالإضافة إلى المشاريع التنموية وتنسيق الأعمال الإغاثية.

تدرّج العمل على الانتخابات المحلية حتى وصلت إلى عشر مجالس محافظات مُنتخبة ضمن معايير انتخابية وإشراف الحكومة السورية المؤقتة وبعض المنظمات الدولية، ووصل عدد المجالس الفرعية المنضوية تحتها إلى أكثر من أربعمئة مجلس منتشرة في غالبية المحافظات السورية.

جاء اعتراف المجتمع الدولي بالمجالس المحلية والعمل معها بشكل مباشر أو عبر وسطاء محليين أو دوليين، بعد إثبات وجودها الشرعي من خلال الانتخابات وتقديم الخدمات للمواطنين ضمن الإمكانيات المتاحة.

عند بدء العمل من قبل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا على الفريق الاستشاري والتقني، تم توجيه الدعوة للمجالس المحلية بشكل مباشر للمشاركة؛ فكان قرار ممثلي المجالس المحلية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أن يبقى هذا العمل تحت سقف الائتلاف، لعدم تشتيت المعارضة، لكن سرعان ما شارك أعضاء من الائتلاف والفصائل العسكرية ومنظمات المجتمع المدني -بصفتهم الشخصية- في هذه المشاورات، والتي لم تكن ذات صلة بالمفاوضات، وإنما هي ورشات تقنية غير معلومة الهدف أو الغاية منها سوى تعبئة الوقت ليس إلا.

الائتلاف في دورته الخامسة، وضمن أحد بنود خطة الرئاسة لتعزيز التواصل السوري-السوري، نشط بعض الشيء في التواصل مع مجالس المحافظات والمجالس الفرعية، وكان لهذا أثر إيجابي على العلاقة بين المجالس المحلية والائتلاف، وكان التواصل ينحصر في الملف السياسي، كون التنفيذي محصورًا بوزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة.

في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015، كانت هناك مشاركة للمجالس المحلية، لكن هذه المشاركة انحصرت في الهيئة العامة للمؤتمر، ولم يكن للمجالس المحلية مشاركة في الهيئة العليا للمفاوضات، لأن المقاعد لم تكن تتسع للمكون الثوري حينذاك، وقد أدركت الهيئة العليا للمفاوضات هذا الخلل، وحاولت تداركه بالتواصل مع المجالس المحلية، لكن ذلك لم يصل إلى المستوى المطلوب.

يجري الآن في الوقت الحالي الحديث عن مؤتمر الرياض 2، كون المدة التي حددت للهيئة العليا (سنة ميلادية) قد انتهت منذ أشهر من ناحية، وكذلك استقالة ما يقارب 20 بالمئة من الهيئة العليا، والبحث عن إعادة ترميم الهيئة وإضافة شخصيات جديدة لها من خلال المؤتمر العام من ناحية ثانية، وهنا من الأهمية بمكان تدارك الأخطاء السابقة، والنظر إلى تشكيلة المؤتمر والهيئة العليا للمفاوضات، ومشاركة قوى الثورة والمعارضة، بما يتناسب مع أهمية هذه المكونات أو الشخصيات، ولا بدّ من دور فاعل للمجالس المحلية التي أصبحت لها حاضنة شعبية في الداخل السوري على نحو كبير لا يقبل الشك، من أجل الوصول إلى سورية العدالة والكرامة، وتحويل من تلطخت أيديهم بدماء السوريين إلى المحاكم المختصة.




المصدر