ثأرها القديم لم توقظه ثورةٌ عمّت البلاد… كيف نجح النظام في كبح جماح السويداء؟
29 آب (أغسطس - أوت)، 2017
مضر الزعبي: المصدر
قد يكون محقاً من يقول إن محافظة السويداء لم تنخرط بالمجمل في الثورة السورية خلال السنوات الماضية، لكن في المقابل كان وقوف السواد الأعظم من أبنائها في وجه النظام ولم يشاركوا أو يوالوا بشار الأسد في حربه ضدّ الشعب السوريّ منذ سبعة أعوام.
عدد المنشقين عن نظام بشار الأسد والمتخلفين عن الخدمة في جيشه يصل إلى عشرات الآلاف في المحافظة الجنوبية التي عاشت المحافظة مرحلتين رئيستين خلال السنوات السبع الماضية.
تفقير ممهنج
“محمد الشعراني” أحد أبناء ريف السويداء الغربي قال لـ “المصدر” إن النظام ومنذ العام 1975 بدأ بسياسة التجويع بحق أبناء السويداء، من خلال التضيق على المزارعين في المحافظة، ومنع إقامة أي مشروع صناعي فيها، مبتغياً إجبار أبنائها على التطوع في جيش النظام.
وأدت سياسة النظام هذه إلى هجرة عشرات الآلاف من أبناء المحافظة، فيما تطوع القسم الآخر في جيش النظام وأجهزته الأمنية، وبيع مساحات واسعة من أراضي المحافظة المزارعين من محافظة درعا بتسهيلات من حكومة النظام، بحسب الشعراني.
وأشار ابن ريف السويداء إلى أن نظام حافظ الأسد وبعده الوريث بشار عمل في الفترة الممتدة بين عام 1975 وعام 2011 على تشجيع أهالي درعا على العمل بزراعة وتطوير المشاريع تجارية، بالمقابل عمل على تجويع السكان في السويداء، فهو لا يريد أن يتطوع أبناء محافظة درعا في الجيش والأجهزة الأمنية، فكانت حصتهم امتيازات أخرى.
هذه الامتيازات تحدث عنها “فهد الزعبي” وهو من أهالي ريف درعا الشرقي المتاخم للسويداء، الذي قال لـ “المصدر” إن الفلاحين في ريف درعا الشرقي كانوا يعملون على (القسم) في الماضي فهم من كانوا يزرعون معظم أراضي ريف السويداء الغربي مقابل نسبة، ولكن في الفترة ما قبل العام 2011 تغير الحال واشترى مزارعو درعا معظم أراضي ريف السويداء الغربي.
ومن أساليب النظام في تمييز أبناء درعا، والكلام هنا لفهد الزعبي، كانت منح مزارعي جرعا تراخيص لحفر آبارٍ ارتوازية بينما كان يمنع ذلك على أهالي السويداء، وهذا ما دفع معظم المزارعين إلى بيع أراضيهم، وهذا أيضا ما كان له دور كبير بحدوث (طفرة) اقتصادية في محافظة درعا بين الأعوام 2000 و2011 نتيجة زيادة نسبة الإنتاج.
سحب أبسط الامتيازات
الناشط سامي الأحمد قال لـ “المصدر” إن بداية حقبة (بشار الأسد) كانت مفصلية بالنسبة لعلاقة أهالي السويداء بالنظام، وذلك على إثر الخلافات بين أهالي المحافظة من (الدروز) و (البدو)، والتي أدت لمقتل العشرات بنيران قوات النظام من أهالي السويداء.
وأضاف أن النظام وقف مع (البدو) وقتها وقد بدأ بإشاعة الأخبار بباقي مناطق الجنوب أن أكثر المحافظة من (الدروز) تعمل على إقامة كنتون منفصل بدعم إسرائيلي، وعلى هذا الأساس سحبت حكومة النظام جميع الأسلحة الفردية من أبناء المحافظة من (الدروز) وحتى للعاملين في مؤسسات النظام.
في المقابل، سمح النظام في تلك الفترة بترخيص الاسلحة لأهالي محافظة درعا، وقد منح مئات الرخص لحمل السلاح لأهالي درعا، بحسب “قاسم الزعبي” الذي كان يقيم في ريف درعا الشرقي في ذلك الوقت، مضيفاً أن رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء وقتها كان يستدعي حملة السلاح من السويداء، في حين يختار شخصيات من درعا لمنحهم هذه الاسلحة بعد دفع مبلغ مالي رمزي للمالك علاوةً على مبلغ 10200 ليرة سورية تكاليف رخصة حمل السلاح.
بداية الثورة
ورغم أن السويداء كانت واحدة من أكثر المناطق السورية المؤهلة للثورة على نظام بشار الأسد نتيجة المظالم المتراكمة خلال نصف قرن على الأهالي؛ إلا أنّ النظام عمل على كبح جماحها باللعب على وتر الطائفية بين سنة درعا ودروز السويداء.
الناشط خالد القضماني قال لـ “المصدر” إن النظام جند منذ الأسبوع الأول للثورة أحد العاملين في مكتب اللواء رستم غزالة لزرع الفتنة بين أهالي درعا والسويداء، مشيراً أن هذا الشخص المدعو (عبد السلام الخليلي) ألقى خطبة صلاة (الجمعة) للمرة الأول والأخيرة يوم 25 آذار/مارس من العام 2011 في مدينة (الحراك) شرق درعا، وكان موضوع خطبته (التعري في السويداء وتأثيره على شباب درعا)، وبعد ساعات من الخطبة كانت الآلاف من نسخ الأقراص الليزرية التي تحوي تسجيلاً للخطبة المثيرة للفتنة تنتشر وتتوزع في الساحات العامة للمحافظة.
وذهب القضماني إلى أن النظام عمل من خلال هذه الحادثة على إيجاد شرخٍ على أساسٍ طائفيٍّ بين أهالي محافظتي درعا والسويداء، لإعطاء طابعٍ للأهالي أن الثورة قد قامت على أساس (طائفي).
وعن الشخص الذي ألقى هذه الخطبة (الخليلي) تحدث الناشط محمد الحريري لـ “المصدر” مؤكداً أنه كان من عناصر الأمن العسكري وبأنه غريب عن محافظة درعا، وعلاوةً على ذلك، لم يظهر له أي أثر عقب انتهاء صلاة الجمعة من ذلك اليوم.
وكشف الناشط الحريري أن وجهاء من درعا تمكنوا من الحصول على وثائق تؤكد عمل الخليلي في مكتب اللواء رستم غزالة، وقد تم إيصال هذه الوثائق للشيخ (أحمد الهجري) في السويداء، والذي قُتل بعد الحادثة بعام في ظروف ما تزال غامضة.
القتال إلى جانب قوات النظام
الناشط سعيد الشعراني قال لـ “المصدر” إن النظام في الأعوام 2011 ـ 2012 ـ 2013 تمكن من تطويع الآلاف من أبناء السويداء في جيشه، وقد بلغ عدد القتلى من أبناء المحافظة في هذه السنوات أكثر من ألف قتيل، فالجثث كانت ترد للمحافظة بشكل يومي.
وأَضاف أن نهاية العام 2014 كانت مرحلة تغيير جذري، فعدد المنشقين عن قوات النظام وأجهزته الأمنية من أبناء السويداء تجاوز سبعة آلاف مقاتل، عادوا لبيوتهم دون أي إعلان عن ذلك، فالنسبة الكبرى منهم انشقت عن النظام لأن “لا ناقة ولا جمل” لهم في هذه الحرب، فعادوا إلى منازلهم وقراهم في السويداء ليعملوا بتجارة وتهريب المحروقات التي كانت تدرّ مكاسب مالية مغرية.
وعن المتخلفين عن الالتحاق بالخدمة الإلزامية، قال الشعراني إن عددهم مع المنشقين في السويداء تجاوز 45 ألفاً وفق إحصائيات خاصة بالنظام تم تسريبها مؤخراً، وقد انعكس ذلك على عدد القتلى من أبناء محافظة السويداء في جيش النظام، فخلال الأعوام الثلاثة الماضية كانت تمر أشهر دون أن يتم توثيق اسم قتيل من السويداء في جيش النظام.
عروض مغرية
عمار وهو عنصر منشق عن جيش النظام من أبناء محافظة السويداء قال لـ “المصدر” إن النظام في العام 2015 وبعد تزايد عدد المنشقين بشكل غير معلن من السويداء، عرض عليهم العودة للخدمة ضمن الحدود الإدارية للمحافظة.
وأضاف أن النظام أعاد المنشقين الذين قاموا بعملية (المصالحة) للفرقة 15 قوات خاصة، وقد بلغت نسبة المقاتلين من أبناء السويداء في الفرقة 80 في المئة خلال الأشهر الماضية، ولكن بالمقابل امتنع الآلاف عن العودة للخدمة لدى قوات النظام، كونه فشل بإقناع الحاضنة الشعبية بأن هذه الحرب هي حرب وجودية بالنسبة لهم.
لماذا لم يستخدم النظام القوة؟
للإجابة على هذا السؤال تحدثت “المصدر” إلى ضابطٍ من السويداء، طلب أن نعرّفه باسم “حكمت”، فقال “إن النظام يمتنع عن استخدام القوة المفرطة بحق أهالي السويداء، ليس خوفا عليهم، ولكن كون استخدام هذا النوع من القوة في الوقت الحالي يشكل (انتحاراً سياسياً للنظام، فهو يسوّق نفسه للعالم أنه يواجه (ثورة إسلامية) تريد القضاء على الأقليات في سوريا”.
وأضاف الضابط أن النظام في حال استتب الأمر له سينتقم من أهالي السويداء “فهذا هو تاريخه، والجميع في السويداء يدركون ذلك بشكل جيدا، فأحداث العام 2000 مازالت في ذاكرة أبناء المحافظة”.
[sociallocker] [/sociallocker]