في درعا ..عودة المدنييّن إلى منازلهم “مغامرة”




شهدت الأيام الماضية بدء عودة سكّان الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في داخل مدينة درعا إلى منازلهم، وذلك عقب توقّف المعارك في المنطقة التي تعروف محلياً باسم “درعا البلد”، في حين يسيطر النظام على القسم الثاني من المدينة المعروف باسم “درعا المحطّة”.

وكانت فصائل المعارضة المنضوية ضمن “غرفة عمليات البُنيان المرصوص” أطلقت معركة “الموت ولا المذلّة” في السابع عشر من شهر شباط الماضي، واستمرّت المعارك الشرسة والقصف الجنوني على منطقة درعا البلد، ولا سيما أحياء: المنشية، وطريق السد، وانتهت بتحقيق المعارضة تقدّماً جعلها تسيطر على معظم حي المنشية، فيما خرج معظم المدنيين بسبب هذه المعارك.

وفي التاسع من شهر تموز الفائت، دخلت “هدنة المنطقة الجنوبية” حيّز التنفيذ، بعد الاتفاق عليها من قبل الطرفين الروسي والأمريكي.

على دفعات

انقسم العائدون بعد هدنة المنطقة الجنوبية إلى قسمين: الأول هم القادمون من الأردن، وهؤلاء نزحوا إليها خلال الفترة الواقعة بين بدء الثورة في سوريا، وإلى ما قبل عامٍ ونصف عندما أوقفت الأردن دخول النازحين تماماً، وفقاً لما يُشير الناشط الإعلامي “أحمد المسالمة” الذي يقيم في درعا ويوثّق يوميات المعارك هناك.

أما القسم الثاني بحسب المسالمة، فهم سكّان أحياء درعا البلد وبلدة النعيمة القريبة منها، وهؤلاء نزحوا خلال معركة “الموت ولا المذلّة” لكنهم لم يتمكّنوا من الدخول إلى الأردن وإنّما استقرّوا في العراء وفي المزارع القريبة من المناطق الحدودية طيلة هذه الفترة.

وقال المسالمة: “خلال المعركة بقي 10 عائلات فقط داخل أحياء درعا البلد، وتم إجلائها من قبل الجيش السوري الحر بسبب اشتداد المعارك، وباتت هذه الأحياء مع بلدة النعيمة خالية تماماً من المدنيين.

ولا يتوفر رقم دقيق لعدد نازحي درعا البلد الذين اتجهوا للمزارع سابقاً وبدؤوا اليوم بالعودة على دفعات بشكلٍ طوعي، في حين يُقدّر عدد الذين عادوا من الأردن إلى قرى وبلدات درعا الأخرى بأكثر من 100 مدني يومياً وجميعهم عادوا بشكلٍ طوعي.

ونشر ناشطون قبل أيام، صوراً توضّح عودة قسم كبير من المدنين إلى داخل الحدود السورية، بعضهم تعرّض لإصابات بالغة وقرّروا العودة بعد هدوء المعارك، ويأتي ذلك على خلفية ظروف اللجوء السيئة في الأردن وضعف موارد الحياة في المخيّمات الصحراوية وهو ما جعل المدنيين يقرّرون العودة.

الهدنة مستمرّة.. ولكن

وعلى الرغم من استمرار الهدنة منذ أكثر من شهرٍ ونصف، إلّا أن المدنيين وفصائل المعارضة لازالوا ينظرون إليها بحذر، ولا سيما مع انهم خبروا سلوك النظام في خرق الهدن سابقاً.

وفي هذا السياق يقول المسالمة: “إن الهدنة حتّى الآن هي وقف للتصعيد العسكري وإطلاق النار ولكنها غير واضحة المعالم ما يجعل القلق مستمرّاً بين المدنيين”، مضيقاً أن المعتقلين لم يخرجوا حتّى الآن، كما أن قوات النظام والميليشيات اللبنانية والإيرانية التي كانت تشنّ العمليات العسكرية الشرسة على أحياء درع البلد لا تزال متمركزة في مواقعها بمحيط هذه الأحياء ولم يُعرف مصيرها حتّى هذه اللحظة”، موضحاً أن الهدنة لا تزال قائمة ولكنّها غير كاملة.

وارتكبت قوات النظام والميليشيات المساندة لها عدّة خروقات بعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ، غير أن هذه الخروقات لم تُرقَ إلى عمل عسكري متكامل، وإنّما إطلاق نار عشوائي في بعض الأحيان أو رمي قذائف هاون.

وبحسب المعلومات التي جمعتها “صدى الشام” فإنه منذ دخول الهدنة، تعرّضت أحياء درعا البلد لسقوط قذائف ثلاث مرّات، ومحاولة تسلل من قوات النظام ثلاث مرّات، في حين تعرّضت بلدة الغارية الغربية للقصف عدّة مرات.

ويُقدّر المسالمة نسبة الخروقات من جانب النظام بـ 2%، مقارنةً مع العمليات العسكرية عندما كانت في أوجها قبل توقع اتفاق الهدنة بين روسيا والولايات المتحدة، لكنه تابع: “نحن ننظر إلى الهدنة على أنّها سرقت النصر من مدينة درعا لأنّها جاءت في أوج المعارك وكان النظام حينها في وضعية استسلام”.

يدويّاً وبأقلّ التكاليف

لم يكن الخوف من تصعيدٍ جديدٍ قد تشنّه قوات النظام والميليشيات المساندة لها هو العائق الوحيد الذي يجعل عودة المدنيين مغامرة، إذ أن الدمار الكبير في هذه الأحياء شكّل عائقاً جديداً.

وبحسب مقاطع فيديو نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الأحياء تعرضت للدمار بشكلٍ كامل تقريباً نتيجة المعارك العنيفة، وهي حقيقة يدعمها المسالمة بتقديره أن نسبة الدمار “لا تقلّ عن 90% من البُنى التحتية هناك”.

ويمثل حي “طريق السد” شاهداً على ما جرى خلال الفترة الماضية وخيارات السكان أمام التغييرات التي حصلت فيه. ومن بين هؤلاء هناك “أبو لؤي” الذي فضّل الخروج من الحي مع عائلته قبل بدء معركة “الموت ولا المذلّة”، وانتقل إلى الأراضي الزراعية التي تبعد عدّة كيلو مترات عن مركز المدينة.

يقول لـ “صدى الشام”: “إنه يملك بعض الأموال، ولذلك قرّر أن يحاول إعادة ترميم منزله ودكّانه الذين دُمّرا بشكلٍ شبه كامل” واكتفى بالقول إن هذا الخيار أفضل بكثير من البقاء في مناطق لا يعرف مستقبله ومستقبل عائلته داخلها”، مضيفاً “رأس المسقط غالي”.

وأضاف أن المدنيين الذين لا يملكون أموالاً لإعادة إعمار منازلهم بالشكل الأمثل شرعوا بتأهيلها بما يُتاح لهم من أداوت لتصبح قابلة للعيش بأبسط التكاليف، وعلى هذا الأساس تم وضع “قطع نايلون مكان الزجاج المُدمّر، وترحيل الأنقاض وإعادة بناء الجدران بشكلٍ يدوي”.

لكن وفضلاً عن غياب أي دور للخدمات بما في ذلك المياه والكهرباء والانترنت والخدمات الصحية، يُشير ناشطون داخل الحي إلى خطرٍ آخر ينبغي التنبّه له ألا وهو القنابل العنقودية التي تهدّد حياة المدنيين.




المصدر