جمْعُ المنصات لتقسيم القرار
29 آب (أغسطس - أوت)، 2017
لم تأتِ اجتماعات الرياض بأكثر مما كان مأمولاً منها، ولم تخيب ظنّ السوريين بإنتاج أي شيء إيجابي، فقد تأخرت منصة موسكو عن الحضور، ولم يكن ذلك مستغربا، فهي طريقة استخباراتية لإشعار باقي الأطراف بأن لموسكو رأياً يجب أن يُسمع، كما يجب أن يؤخذ به؛ فموسكو من تمسِك النظام كي لا يسقط، وهي التي تحتل الأرض، وتوزع شرطتها في مناطق خفض التصعيد، وهي التي تملك البوارج في البحر، والطيران والسلاح الثقيل على الأرض، وهي المفوضة أمريكياً، فلموسكو صوتٌ أعلى من جميع الأصوات، ولينتبه من لم ينتبه، وليعرف من لا يعرف.
بعد تأخرها حضرت منصة موسكو وعُقدت الاجتماعات التي لم يكن ينتظر السوريون منها شيئاً، لكنه الاجتماع مفروض من أمريكا ومن يمثلها في الرياض، ولا بد من عقده، مع الأخذ بعين الاعتبار مقرراته المفروضة سلفاً والتي سُربت قبل انعقاده بأيام ( الموافقة على دور لبشار في المرحلة الانتقالية)، فقد تراجع عادل الجبير وزير الخارجية السعودية عن تصريحه المكرور” لن يكون للأسد أي دور في مستقبل سوريا، وسيرحل سلماً أم حرباً”، حتى إن بعض السوريين الذين لم يكونوا على معرفة بالجبير تعرفوا عليه من خلال هذا التصريح الطنان الذي يولّدُ الثقة عند سامعيه، ويشعرهم بأن الجبير يملك مفاتيح الحل دون أي شريك، هذا ما كان، ولكن الواقع اليوم تغير؛ فالجبير لا يستطيع إلا التراجع إذا كانت هذه هي المشيئة الأمريكية المطبوخة بالاتفاق مع روسيا.
وعلى الرغم من أن التلفزة السعودية عادت وكذّبت خبر طلب الجبير من الهيئة العليا الموافقة على دور لبشار في المرحلة الانتقالية، إلا أن الجواب جاء لا يقبل تأويلاً من منصة موسكو التي تأخرت ليكون لطلبها صدى يسمع، ولا يعلم أحد بالضبط من تمثل منصة موسكو، ولا حتى منصة القاهرة غير عوائل أعضائها ومخابرات نظام بشار المتجانس كيماوياً! لكن يقول البعض إن منصة موسكو قوية، حيث انها تتلقى أوامرها من KGB مباشرةً وهذا ما يجعل خططها محبوكة أكثر ولها دور البطولة إذا اعتُبرت اللقاءات مسرحية!.
أما منصة القاهرة فجانبها أكثر ليونة، وطريقة تعاطيها في التفاوض أكثر سلاسة، بحيث تترك لنفسها مهرباً من كل الاتجاهات، فهي ما تزال في حضن النظام إلى اليوم وركابها يعيشون في دمشق إلى اليوم ويزورون الأفرع الأمنية المحددة لكل واحد منهم بانتظام ودون أي مشاكل، كما أنهم يعتبرون “وجه السحارة” من المعارضة القديمة التقليدية، ومع ذلك فهي تحافظ على “شبابها المتجدد”، فأصغر أعضائها تجاوز الستين منذ عقد تقريباً.
كل ذلك ليس دليلاً على “المراهقة السياسية” بقدر ما هو دليل على الانتهازية، والمطلوب منهم اليوم أن يحافظوا على صمتهم ويتركوا الساحة لصراع بين منصة موسكو مع رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للتفاوض، وليضطلعوا بمهمة الإصلاح بين الطرفين باقتراح حلول وسط ، تجعل الهيئة العليا لا تستطيع الحفاظ على مواقفها من صياغة دستور للبلاد وآلية صياغته والعملية الانتقالية ورفض أي دور للمجرم بشار الكيماوي خلالها، كما وتُخفِّضُ من غلواء قدري جميل في تمسكه بسيده وولي نعمته في المرحلة الانتقالية، وهذا ما يسمى تمييع المقدمات وصولاً لتمييع النتائج، حيث ستنزاح هيئة المفاوضات عن موقفها باقتراحات الحلول الوسط، وهذا مكسب للمنصات، أو تؤدي إلى استقالة رياض حجاب ومن معه، وهذا مكسب أيضاً، تاركين منصة أستانا لصاحبتها رنده قسيس لاعباً احتياطياً يستدعى في الظروف القادمة، والمنتظر أن تكون أصعب، لأن لمَقدَمِها بريقأً ومن خلفها استقطاب.
ويخطر ببال المواطن السوري المتابع للأخبار سؤال يستفسر فيه عن ماهية “المنصة” أية منصة، وعن شخصية رئيسها، وما هي مؤهلاته، وكم عدد أتباعه، وأي جهاز مخابرات دولي يتبع، وهل هي متاحة للجميع، أم أنها حكر على أشخاص دون غيرهم؟
وكلها أسئلة مشروعة، فكثيرون هم الذين لديهم معجبون وقد يتجاوزون المئة، في حين أن أوسع منصة لا تضم عشرة أشخاص، ولا يعرف على وجه الدقة من فوضهم عن الشعب السوري، ولماذا هم دون غيرهم؟
فلم يكن أحد قد سمع بقدري جميل قبل أن يعلن عن وجوده بموسكو ويرغب بأن يكون له رأي، وهذه متاحة حيث يستطيع كثيرون الذهاب الى موسكو والإعلان من هناك ولكن هل تتبناهم موسكو؟ وهل يستطيعون التأخر عن الاجتماعات والحضور بثقل موسكو؟
لكن الإجابات جميعها جاءت سلباً إذ أن هناك شرطاً مسبقاً لا بد من توفره، وهو أن يكون خائناً للشعب والثورة، عميلاً قديما للروس، يعرفون طباعه السيئة وأخلاقه الدنيئة منذ زمن، ولا تتوفر هذه الشروط إلا عند فئة قليلة جداً تكون قد رضعت الخيانة بطفولتها واستمرأت الذل والعبودية في كبرها، لتبقى هذه النوعية خميرة يستعملها كل “بشار” على مر العصور .
كان هذا حالنا خلال السنوات السبع الماضية، وسنبقى على هذا الحال طالما يمثلنا من نصّبَ نفسه ولم نكلفه برضانا ورغبتنا، سيبقى حالنا ما دامت الكلمة العليا للعملاء القادرين على تخريب عمل المصلحين. سيبقى حالنا ما دام الناس يساقون بالمال لا بالكرامة والوطنية.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]