دراسة لـ “حرمون”… واقع الطواقم الطبية في سورية


آلاء عوض

توصّلت دراسة قانونية مُختصّة صادرة عن (مركز حرمون للدراسات المعاصرة)، إلى أن القوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين، بما فيهم الطواقم الطبية، لم تأخذ مجراها في النزاع السوري، وفشل المجتمع الدولي في حمل الدول الأطراف على تنفيذ التزاماتهم الدولية؛ ما أدى إلى وقوع كوارث إنسانية بحق العاملين في السلك الطبي، ومن ثمّ بحق المدنيين المتضررين من الحرب الذين يحتاجون إلى أنواع مختلفة من الرعاية الطبية.

أضاءت الدراسة الصادرة في 28 آب/ أغسطس 2017 عن وحدة المقاربات القانونية لـ (حرمون)، بعنوان (الطواقم الطبية السورية بين اتفاقات الحماية والانتهاكات العملية) على الانتهاكات التي تطال الطواقم والمرافق الطبية، في ظل عدم نفاذ قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحمايتهما، وفصلّت: “أرسى اتفاق جنيف الرابع الذي يُعنى بحماية المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة، والبروتوكول الأول الملحق باتفاق جنيف، عددًا من المبادئ التي تحمي المدنيين، وبما أن أفراد الطواقم الطبية ليس لهم دور إيجابي في العمليات العدائية، فوضعهم لا يختلف عن المدنيين”.

“نصت المادة 48 من البروتوكول الأول لعام 1977، على وجوب تمييز الأطراف المتصارعة في نزاعاتها بين المقاتلين وغير المقاتلين، وبين المرافق المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجيه عملياتها ضد الأهداف العسكرية من دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام السكان المدنيين وحمايتهم، ومنهم أفراد الطواقم الطبية والأعيان المدنية”.

وانطلاقًا من الآثار المباشرة للنزاعات المسلحة التي تلحق الأذى بأفراد الطواقم الطبية وبوحدات النقل الطبي ووسائله؛ أكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن “التعمد في توجيه الهجمات ضد موظفي الخدمات الإنسانية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شرط ألّا تكون أهدافًا عسكرية، وضد الوحدات الطبية من مستعملي الشارات المميزة المبينة في اتفاقات جنيف، يُعدّ وفقًا للقانون الدولي (جريمة حرب) في النزاعات المسلحة الدولية، وغير ذات الطابع الدولي”.

عدّت الدراسة أن القوانين الدولية آنفة الذكر لم تُطبّق في النزاع السوري، ولم تستطع أي جهة مُتدخلة إرغام الأطراف المتحاربة على تطبيقها “على الرغم مما بلغه القانون الدولي من تقدم تتجلى فيه أهمية التفرقة، إلا أن النزاع السوري الذي نشهده اليوم يقدم أشكالًا مختلفة من انتهاك ذلك المبدأ، بل إنكاره أيضًا؛ ما أدى إلى عواقب وخيمة لا تدرك نتائجها، فقد أصبحت الهجمات التي تستهدف البعثات الطبية المدنية من أبرز ملامح النزاع السوري، واستهداف المستشفيات والنقاط الطبية الذي يجري بصورة ممنهجة ومنظّمة لإلحاق أكبر أذى ممكن بالمصابين”.

في السياق ذاته، نبّهت الدراسة إلى وجوب النظر إلى الطواقم الطبية والمنشآت التابعة لها، على أساس أنهما كيانٌ واحد لا يمكن التفريق بينهما، وحماية المورد البشري دون المادي منقوصة ونظرية “يُستخدم العنف الموجه في النزاع السوري ضد المرافق الطبية لتحقيق مكاسب عسكرية، بغض النظر عن الدوافع، فقد بات تدمير الخدمات الطبية سلاحًا وتكتيكًا حربيًا في الوقت نفسه، فالقتال نادرًا ما يتوقف عند أبواب المرافق الطبية، وغالبًا ما تكون المستشفيات امتدادًا لساحة المعركة، ويجري استهدافها بالصورة نفسها التي يجري فيها استهداف المرافق العسكرية”.

في جانب آخر، تطرّقت الدراسة إلى الأسلحة المحرمة دوليًا (الذخائر العنقودية، الأسلحة الحارقة والمواد الكيماوية السامة) التي استخدمها النظام وحليفته روسيا مرارًا، في النزاع السوري، ووجوب تقييد حق أطراف النزاع في اختيار أساليب القتال ووسائله “يجب النظر إلى مفهوم الحماية المقررة لأفراد الطواقم الطبية على أساس التأويل الواسع، وداخل الإطار العام لهذه الحماية، وإمعانًا في الحماية، خصص القانون الدولي الإنساني مزيدًا من العناية (حماية خاصة) لأفراد الطواقم الطبية، لما ينالهم من أعمال وتجاوزات في أثناء الحروب، وأقوى دليل ما أفرزه النزاع السوري من فظاعات وانتهاكات جعلتهم من أكبر ضحاياه”.

ركّز المحور الثاني من الدراسة على الحماية الخاصة بالطواقم الطبية من خلال (الشارة) المميزة، إذ اعتبرت الدراسة أن هذا النوع من الحماية فشل في الحالة السورية في تقديم المُبتغى منه، فـ “رصاص أطراف النزاع السوري لم يميّز بين من يحمل الشارة الواضحة والمميزة لهؤلاء الأشخاص ولسياراتهم، بل على العكس تسبب في وقوعهم ضحايا في كثير من أماكن المواجهات، وأدى إلى إصابات مباشرة في طواقم سيارات الإسعاف من أطباء ومسعفين وممرضين، وهم في ميادين المواجهات. حيث أكد التقرير الذي نشرته منظمة العفو الدولية في العام 2017 أن الرعاية الصحية تعطلت في مناطق النزاع السوري أغلبها، بسبب التدمير الممنهج لها، وأعلنت من خلال تقريرها مسؤولية القوات الحكومية عن تدمير ما يزيد على 90 في المئة خلال 400 هجوم نفذته على المرافق الطبية، وعن مقتل 768 من العاملين في المجال الطبي، منذ 2011”.

خلُصت الدراسة إلى أن القوانين والاتفاقات الدولية الخاصة بحماية المدنيين في أثناء النزاعات المسلحة، بما فيهم الطواقم الطبية في حالة النزاع السوري، لم تُطبق وبقيت حبرًا على ورق “تعد القضية المأسوية المتعلقة بوضع أفراد الطواقم الطبية في مناطق النزاع السوري من كبريات التحديات التي لم يوفّق المجتمع الدولي في كسب رهانها، على الرغم من الجهد الذي بُذل وما زال يبذل لحماية أفراد الطواقم الطبية، إلّا أن النتيجة النهائية لمعاناتهم ما زالت كارثية، فعلى الرغم من الشأن البعيد الذي بلغه هذا القانون الدولي الإنساني، في بسط حمايته على أفراد الطواقم الطبية المعرضين لأضرار الحروب، إلّا أنَّ احترام الالتزامات القانونية التي قبلت بها الأطراف المتعاقدة جميعها، والمتحاربة منها بخاصة، تبقى حبيسة الاتفاقات ولا ترقى إلى التنفيذ، ويتطلب تنفيذها ضرورة وجود آليات فاعلة تُرغم الأطراف على تنفيذها”.

من بين التوصيات التي قدمتها الدراسة “وجوب الحثّ من مجلس الأمن على ضرورة تأمين الوصول الآمن لأفراد الطواقم الطبية إلى السكان المدنيين المحتاجين، وبمشاركة الأطراف المتصارعة، من خلال حوار فاعل يرمي إلى تحقيق الوصول الآمن لهم أو إثبات استعدادها (الدول الأطراف في النزاع) للعمل، إذ يفرض هذا الوصول وجوب تضافر الجهد من الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية التي تعد أهم آليات تنفيذ القواعد الخاصة بحماية الطواقم الطبية، لتصويب مسارها من الانحراف عن الأهداف التي أقرّت لأجلها، وعدم تسييس نشاطها وإبعادها عن سياسة الكيل بمكيالين، حتى لا تصاب بالأمراض ذاتها التي أصابت الأمم المتحدة بالسيطرة عليها من الدول الكبرى”.

رابط الدراسة: https://harmoon.org/archives/6600#_ftn3




المصدر