“الجيش الوطني السوري”: الاستجابة وعقبات التشكيل




تشير الاستجابات الواسعة والسريعة للدعوة التي أطلقها المجلس الإسلامي السوري لتشكيل جيش وطني ووزارة دفاع للمعارضة السورية، إلى مدى تعطش ساحة المعارضة إلى خطوة من هذا القبيل، بعد سلسلة من الفشل وخيبات الأمل من أداء الفصائل المسلحة بمختلف تلاوينها، وفي ضوء الحملات المتواصلة التي تستهدف التشكيك بقدرة المعارضة على إدارة البلاد والإمساك بزمام الأمور في حال رحيل نظام بشار الأسد الذي تحاول قوى دولية إعادة تعويمه كأمر واقع لا مناص من التعامل معه. إلا أن تشكيل جيش وطني يواجه تحديات عدة، يبقى أبرزها ارتباط الفصائل بدول تدعمها، وتؤثر على قراراتها.

وأعلن فصيلا “جيش أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو” دعمهما مبادرة المجلس الإسلامي السوري بتشكيل جيش وطني موحد، والتي تبنّتها الحكومة السورية المؤقتة من خلال الدعوة إلى تأسيس وزارة دفاع للثورة السورية. وأصدر الفصيلان المقاتلان في البادية بيانين مستقلين، باركا فيهما هذه المبادرة. وكانت كبار فصائل المعارضة في الشمال السوري قد أعلنت موافقتها على هذه المبادرة، ومنها “الجبهة الشامية”، حركة “أحرار الشام الإسلامية”، “فيلق الشام”، “كتلة النصر”، “حركة نور الدين الزنكي”، “جيش إدلب الحر”، “الفرقة الوسطى”، “السلطان مراد”، “الفرقة 23″، “الفرقة الساحلية الأولى”، و”لواء أنصار السنّة”. وأكدت “أحرار الشام” في بيان لها استعدادها لاتخاذ كل الخطوات اللازمة لإنجاح المبادرة، وإنهاء حالة الفصائلية الحالية، ودعت كوادر الثورة ومفكريها لبناء تصوّر شامل لتوحيد الثورة سياسياً وعسكرياً ومدنياً لتحويل مبادرة المجلس الإسلامي إلى واقع ملموس.

كذلك أعلن المكتب السياسي التابع للجيش السوري الحر، في بيان، موافقته على مبادرة المجلس الإسلامي والحكومة المؤقتة. وأبدى استعداده لتبنّي المبادرة وتقديم كل أشكال الدعم لإنجاحها وتأطيرها وهيكلتها ضمن تشكيلات عسكرية مقاتلة بقيادة ضباط اختصاصيين محترفين كما هي عليه جيوش العالم. من جهته، طالب “جيش النصر” بأن يضم الجيش المقترح “جميع الفصائل الثورية السورية التي تهدف إلى إسقاط النظام وطرد المليشيات الطائفية وصولاً إلى تحقيق أهداف الثورة”. فيما لم يصدر أي تعليق عن “هيئة تحرير الشام” التي سبق أن أطلقت دعوة مشابهة، وأكدت استعدادها لحل نفسها في حال قامت بالشيء نفسه بقية الفصائل.

وكان المجلس الإسلامي السوري ورئيس الحكومة السورية المؤقتة جواد أبو حطب قد أطلقا في الأيام الماضية دعوة لوحدة “صف الثوار جميعاً في كل أرجاء سورية، انطلاقاً من أن مواجهة المكر المحيط بالثورة السورية لا يمكن أن تتحقق إلا بهذه الوحدة، من خلال نبذ الفصائلية المقيتة عبر مؤسسة تحملها وترعاها، كوزارة دفاع تشكلها الحكومة المؤقتة وترعاها”.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي حسان الصفدي، في تصريحات صحافية، أن الدعوة التي صدرت عن المجلس كانت بعد مشاورات مع القوى الفاعلة على الأرض والحكومة المؤقتة، وهي وليدة الإدراك العميق عند الأطراف جميعاً أن الثورة تمر بمأزق كبير نتيجة وجود نوع من التواطؤ الدولي لإعادة تأهيل النظام واقتسام مناطق النفوذ. وحول آليات التنفيذ، قال الصفدي “إن المجلس سوف يشكّل لجنة فورية مؤلفة من الفصائل الموافقة على المبادرة والحكومة السورية المؤقتة من أجل متابعة الموضوع، لكن ليس للمجلس دور في قيادة هذه الأعمال، وإنما الرعاية وتأمين المرجعية باعتبار المصداقية التي يتمتع بها لدى كافة الأطراف”.
من جهته، قال أبو حطب “إن تشكيل الجيش يأتي للدفاع عن أبناء شعب سورية وكل شبر من الأرض وإسقاط النظام وكل رموزه لتحقيق الحرية والكرامة”.

وتتشابه المبادرة مع مشروع “الجيش السوري الموحد”، والذي أطلقه ضباط منشقون من مختلف المناطق السورية، في يوليو/ تموز الماضي، ودعمته فصائل عدة، بهدف “توحيد القوى البشرية والوسائط القتالية، ودعوة الضباط المنشقين من جميع الرتب والاختصاصات من الداخل السوري والدول المجاورة وفي المهجر للعمل ضمن هذا التشكيل الوطني”. وقال العقيد المنشق عبد الرحمن حلاق، أحد مطلقي المبادرة، إنها لا تهدف لتشكيل فصيل جديد وإنما للتعاون مع فصائل الجيش الحر وتقديم خبرات الضباط لتشكيل جيش وطني موحّد.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي، أطلق “المجلس العسكري في دمشق وريفها”، مبادرة مماثلة، أعلن عن تأييدها فصيل “جيش الإسلام” العامل في الغوطة الشرقية، مبدياً استعداده لحل نفسه والاندماج في جيش سوري وطني موحد. كذلك أعلنت فصائل سورية معارضة في الجنوب السوري نهاية يوليو/ تموز الماضي، تشكيل تكتل واحد تحت اسم “الجبهة الوطنية لتحرير سورية”، وذلك بتشجيع من أطراف إقليمية لضبط الأوضاع وفوضى السلاح في الجنوب، وإعادة الحياة إلى طبيعتها.

وقال أمين سر الجيش السوري الحر، النقيب المنشق عمار الواوي، في تصريحات صحافية، إن ثمة جهوداً منذ ما يقارب العام لجمع جميع الضباط في الداخل والخارج، والتنسيق مع كل الفصائل لتشكيل جيش وطني موحد، مشيراً إلى أنه تم اختيار اللواء المنشق محمد الحاج علي، قائداً للجيش الموحد، لقيادة العمل عسكرياً وفق تراتبية عسكرية، ومؤسسة تحوي كل هيئات وأصناف الأسلحة، كما قال.

من جهته، أكد اللواء الحاج علي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن فكرة تأسيس جيش وطني سوري ممكنة التحقق “إذا توفرت الإرادة والخبرة والإمكانات”. وحول تبعية هذا الجيش، قال إن ذلك مرتبط بالجهة الداعية لتشكيله، ومدى تبعيته للخارج، وطبيعة علاقته مع الفصائل الموجودة واستعدادها للخضوع له.

وعما إذا كان هناك مزاج دولي وإقليمي يمكن أن يشجّع مثل هذه الخطوة، قال الحاج علي: “مشكلتنا منذ بداية الثورة هي كثرة الفصائلية وتوجّهاتها المرتبطة بالدول التي تدعمها وتوجّهها، ومن الضروري أن يتم التوحد وتشكيل قيادة عسكرية واحدة تحت سلطة الحكومة المؤقتة، لكن وفق الأسس والأصول العسكرية والتراتبية المعهودة في كل جيوش العالم”. ورأى أن الأهم هو “تحديد عقيدة هذا الجيش وأهدافه، والعمل على تحقيقها بغض النظر عن المصاعب والمشاكل القائمة”، مؤكداً أن “التوحيد شيء مهم سواء كان هناك حل سياسي أم مواجهات عسكرية”.
ولخّص الحاج علي العقبات التي واجهت هذه الجهود التي كان هو في صلبها خلال الأشهر الماضية بقوله: “إرادة الدول الداعمة وإرادة بعض الأيديولوجيات وإرادة بعض النكرات ممن أصبحوا ذوات”. وما إذا كان هذا الأمر يعني فشلاً متوقعاً للجهود الحالية، قال: “ليس لنا خيار سوى الاعتماد على أنفسنا والشرفاء من سورية”.
وبحسب مصادر عسكري، فإن هناك أكثر من 1500 ضابط منشق عن النظام أبدوا استعدادهم للانخراط في جيش وطني جديد، ويتم التواصل مع باقي الضباط للانخراط في العمل، كون الدول في البداية عملت على تهميش الضباط.

الحديث عن ضرورة تشكيل جيش وطني لقوى المعارضة السياسية والعسكرية، يتصاعد عقب كل خسارة تُمنى بها المعارضة السورية، وارتفعت أسهمه بشكل خاص بعد سقوط مدينة حلب العام الماضي، والتي شكّلت بداية لسلسلة من الانهيارات لقوى المعارضة المسلحة بعد التفاهمات التركية الروسية، والتي دشنت دينامية جديدة في أستانة.
وطالب الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية، في مؤتمر صحافي مطلع الشهر الماضي، الدول الداعمة والصديقة بدعم تشكيل جيش وطني موحّد مكوّن من فصائل الثورة. وقدّمت تركيا زخماً للفكرة بعد توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة، إذ قامت تركيا بتشكيل قوات “درع الفرات” في أغسطس/ آب 2016، وفي خضم عملياتها تواترت الدعوات لتشكيل الجيش الوطني وباتت أكثر وضوحاً عقب خروج المعارضة من حلب.

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت أنقرة عن خطة لتشكيل جيش سوري جديد في الشمال السوري، تحت مسمى “الجيش الوطني”، يجمع تشكيلات مختلفة تنشط في سورية، وتتحد في هدف محاربة النظام والفصائل التي تطمح لفرض مشاريع انفصالية. وتداولت صحف تركية أنباءً عن تشكيل هذا الجيش، وقالت إنه من المفترض أن يطلق عليه اسم “الفيلق السوري الأول”، بقوام نحو عشرة آلاف مقاتل مدرب، ومجهز بكافة الأسلحة والمعدات اللازمة، ممن خضعوا لتدريبات مكثفة من قبل الوحدات الخاصة في الجيش التركي، وأغلب عناصره من الفصائل التي شاركت في عملية “درع الفرات”.

لكن “الفيلق السوري الأول” واجه مصاعب كثيرة، مثل غياب حس المسؤولية لدى بعض العناصر، ممن قاموا بالاستحواذ على السلاح الذي سُلّم لهم وبيعه لاحقاً، أو انشقوا بعد التدريب مفضّلين الالتحاق بفصائل أخرى لاعتبارات مختلفة، أهمها المكافآت المالية. وتسبّب ذلك في أزمة أثناء الأشهر الأولى من تأسيس “الفيلق”، وهو ما دفع تركيا لاتخاذ تدابير احترازية لمنع تكرار ذلك في برنامج التدريب الجديد. ويرى مراقبون ان أكبر المعضلات التي يواجهها “الفيلق” هي مشكلة تأسيسية، تتعلق بفكرة إنشاء “جيش وطني” تشرف عليه دولة إقليمية كتركيا، لها أيضاً في سورية أهداف تخص أمنها القومي.
كذلك ذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” مطلع الشهر الماضي، أن لقاءات جرت بين قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية و”جيش مغاوير الثورة” المدعوم من التحالف الدولي، لتشكيل “جيش وطني” في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة.




المصدر