“جيرون” تفتح ملف المفاوضات بريف حمص الشمالي


مؤيد اسكيف

شماس: “أدعو لمحاكمة المجرمين من جميع أطراف النزاع”.

غليون:”التحلي بالصبر والبراغماتية وعدم القبول بالتهجير القسري”.

السيد: “استدامة الاتفاق تكون على أسس عادلة”.

كيلو: “المفاوضات يجب أن تحظى بتأييد السكان والفصائل”.

الخياط:”المعارضة لم تعد تملك أيًا من أوراق القوة”.

ضابط منشق: “المدنيون هم الخاسر الأكبر وصوتهم ضعيف”.

أبو ريان: “نتفاوض، وقصف النظام لا يتوقف”.

لعبت البيانات والتسريبات المتجددة الصادرة عن الفصائل المقاتلة، في ريف حمص الشمالي،دورًامهمًا في تأزيم العلاقة وإثارة الشكوك فيما بينها، وساهم انعدام الثقة المتبادل في تعميق الهوة،بينمعطيات “اتفاقات” خفض التصعيد وخلافات الداعمين؛ مادفع بعض الفصائلإلى تأييد الاتفاق، بينما اتُّهمت أخرى بتعطيله، يأتي ذلك وسط نداءات أهلية وسياسية لوحدة صف الفصائل، والاستثمار في أوراق الربح وتعزيزها وإنقاذ المنطقة من مصير حلب أوداريّا. من الممكن أن تشهد الأيام القليلة المقبلة توقيعًا للاتفاق؛ما يجعل المرحلةَ التالية للتنفيذ امتحانًا حقيقيًا لكل الموقعين والفاعلين في الملف السوري، واختبارًا مجهريًا لنيّاتهم ولمسارات سنوات الدم السابقة، في ظل خفوت صوت المدنيين الذين دفعوا الفاتورة الأكبر.

تسريبات بالجملة

(جيرون)،في إطار فتحها لملف المفاوضات في ريف حمص الشمالي،حصلت على تسريبات صوتية لـ (أحرار الشام) وأخرى لأحد قادة (جيش التوحيد)، تتضمن حديثًا عن (الأحرار)، أبرز ما جاء فيها حديث “ناصر نهار” مع “فراس غالي” عضو لجنة التفاوض السداسية وشرعي (أحرار الشام) وعضو المحكمة العليا بريف حمص الذي تبين -بحسب التسريبات- سعيه لتقوية أحد الفصائل، بعد “الخلاص” من (هيئة تحرير الشام)، وحديث “فراس غالي” مع “أبو عزام الأنصاري”، عن مساعي الأخير لنقل ملف التفاوض إلى جهاز الاستخبارات التركية، وفي التسريبات الأخرىالتي حصلت عليه (جيرون)،حديث لأحد قادة (جيش التحرير)وجّه فيه وابلًا منالاتهامات لـ (أحرار الشام)بريف حمص الشمالي،وفضح فيه قيامهم باتصالات سرية مع الروس عن طريق تركيا، وقارنهم بـ (داعش) و(النصرة)، من حيث ظاهرة الأمراء مجهولي الهوية،ومحاولة نقلهم لملف التفاوض إلى الاستخبارات التركية،وتسجيلات اتهمهم بها (جيش التوحيد) بمحاولة بيع تلبيسة والتآمر عليها؛ ما دفع الأخير إلى رفض الاعتراف بلجنة العشرين؛لتسيطر حالة التراشق بالبيانات الاتهامية بين الفصيلين،وفي ظل هذا الوضع، التقى وفد من (جيش التوحيد) مع الوفد الروسي،على نحو منفرد،من دون تغطية إعلامية، ومن دون حضور كامل الفصائل؛ما دفع بغرفة عمليات الريف الشمالي التي تضم كافة الفصائل إلى عزل (جيش التوحيد) من غرفة العمليات،بحسب بيان اعتبر فيه أنه تجاوزٌ للخطوط الحمر، وتلاه انسحاب لعدة مجالس محلية من هذه المفاوضات.

ضمانات!

تقول مصادر -كما تفيد بعض التسريبات أيضًا-إن (جيش التوحيد)، في الأيام التالية للعزل من غرفة العمليات،حاول عقد جلسة مع الروس، ولكن الطرف الأخير عندما وصلإلى المعبر بالقرب من “الدار الكبيرة”، لم يجدوا كامل ممثلي الريف الشمالي، ولاسيما وفد الرستن؛فرفضوا الاستمرار في الاجتماعات وتم التواصل مع لجنة الرستن، ويجري التحضير حاليًا لعقد اجتماع شامل لكامل الريف، وتقديم بنود اتفاق مكتوبة في الأيام القادمة.

لجنة التفاوض كانت قد أكدت على أن السلاح هو ضمانة الكتائب والفصائل في المنطقة، بينما الضامن لنظام الأسد هم الروس، وسيكون التصديق على الاتفاق من قبل الأمم المتحدة، وبضمانة الموقعين على اتفاق خفض التصعيد.

أما المعلومات فتفيدأن عملية التوصل للاتفاقما تزال قائمة منذ مدة،ويجري الآن وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، ضمن لجنة لكامل ريف حمص الشمالي، دون استثناء القوى الموجودة فيها، ودون وجود أي رافض للاتفاق من كافة ريف حمص الشمالي مدنيين وعسكريين،بما فيهم (أحرار الشام).واعتبرت أغلب الفصائل أن اتفاق القاهرة صار قديمًا،ولكنه مدخل لاتفاق جديد يتم صياغته في الداخل، بحيث يكون فيه المعتقلون شرطًاأساسًا.

جلسة جديدة

في سياق المعلومات الواردة،من المتوقع عقد جلسة جديدة مع الروس خلال أيام قليلة،بعد هيكلة (لجنة العشرين) التي تضم كافة ريف حمص الشمالي من مدنيين وعسكريين،من دون استثناء أحد،وعدم السماح لفصيل أو جهة بالتفرد بالقرار أو تحويل القرار لأي حزب أودولة أوجهة، وبحسب التسريبات، فإن المقصود بذلك (أحرار الشام)، حيث يتهمهم(جيش التوحيد) بأنهم مارسوا ضغوطات على أعضاء اللجنة؛ لثنيهم عن موافقتهم الأولية على كل بنود الاتفاق. بينما تنفي حركة (أحرار الشام)تلك التهم، ولم نتمكن، خلال فترة إعداد الملف،من التحدث إلى قادة الحركة، على الرغم من محاولات التواصل مع بعض قادتها.

حلول ثلاثة

يضيف المتحدث في التسريب: في أثناء الاجتماع الأول من عمل اللجنة، وقَع أناس من اللجنة، وعلى رأسهم المدعو “فراس غالي”، في خطأ كارثي، وذلك قبل التسريبات الصادرة عنهم،إذ قاموا بنسف الاتفاق الموقع في القاهرة وبناء اتفاق جديد، وفي الجلسة الأولى لم يناقشوا أي بند سوى ضرورة نسف الاتفاق، وعند عودتهم،أصدروا بيانًا ببدء مشروع جديد. أخبرناهمبأن الاتفاق الدولي هو اتفاق بضمانات دول في الخارج،وإذانُسفالاتفاقفإننا نخشى مصير منطقتي (قدسيّا والهامة)،يعني أنه سيكون لدينا اتفاق مصالحة داخلية.هناك ثلاثة حلول:إما الحرب أو مصالحة مع مركز “حميميم” الذي يعني “الرافض يخرج والنظام يسيطر”، والحل الثالث هو اتفاقمنطقة خطّ التصعيد الذي يؤمن حياة كريمة للناس.

يكمل المتحدث بالتسريب قوله: عندما تم الذهابإلى الاجتماع الثاني، تبين لهم الخطأ الكارثي؛فعندما سألوا عن المعتقلين، تمت إجابتهم: لايوجد معتقلون، ولم يتمكنوا من الرد عليه، لعدم وجود أي اتفاق بحوزتهم، واتفاق القاهرة يؤكد على قضية المعتقلين. كان هناك اجتماع ثالث وبدأت التسريبات الخطيرة جدًا، ولم نكن نتخيل أنهاتصدر من (أحرار الشام)، وهي الصادرة عن رئيس ما يسمى المكتب الشرعي لـ (أحرار الشام)”فراس غالي”، وأمير الحركة المبهم ومجهول النسب والاسم -وهذا ماكنا نعيبه على (داعش) و(النصرة) و(أحرار الشام)-أميرهم العام،واسمه “أبو عمر غوطة”، ولا أحدَ يعرفه.

الأمير المجهول

يشتكي المتحدث في التسريب الصوتي من مشكلة الأمراء والمسؤولين مجهولي الهوية والنسب. ويضيف: إنهم يمارسون الخبث، خصوصًا في هذه المرحلة الحرجة من زرع للفتنةفي تلبيسة،ودعمهم لإحدى الفصائل، لتكون حصان طروادة في قلب (جيش التوحيد) لخلق فتنة واقتتال داخلي دامٍ في مدينة تلبيسة؛ وهكذا يمكن لهم السيطرة عليها.ويضيف المتحدث: جميعنا سمع بتسريبات صوتية صادرة عن (أحرار الشام) بصوت”أبو عزام”، يقول فيها لفراس غالي: “سوف نشكل لجنة خارجية تجتمع مع الجهاز”، يقصد(جهاز الاستخبارات التركي).وجاء في التسريب: “لا نريد أن يكون مندوب مدينة تلبيسة أو(جيش التوحيد) في هذا الاجتماع؛كي لا يتم فتح ملفات قديمة مع (الجهاز)حول محادثات مع الطرف الروسي”. بمعنى أن قيادة (أحرار الشام) في حمص كانت تتواصل مع الطرف الروسي؛ ولذلك كان “ناصر نهار” قائد فيلق حمص والمنضم مؤخرًا إلى حركة (أحرار الشام) يريد لقاء الضابط الروسي، إن (أحرار الشام) على تواصل مع الجانب الروسي بالخفاء، ولا أحد يعلم ما الذي حصل، فلا يريدون من مندوب (جيش التوحيد)أو أي مندوب معرفةَ ما حصل معهم في الاجتماع الأول. هم يقولون: لا يجب أن تفتح الملفات!كي لايعرف مندوب (جيش التوحيد) ما حصل.

لهون وبس..

يضيف المتحدث في التسريب الصوتي: “بعد حصولنا على التسريبات عن (أحرار الشام)،عقدنا اجتماعًا،وأردنا مواجهتهم بها، قلنا لهم هذه هي التسريبات التي بحوزتنا، وقلنا لهم سكتنا عن البيان الأول،والبيان رقم 2 من اللجنة؛ لأننا كنا نظن بكم خيرًا، أماالآن،فمن الواضح أنكم تريدون أخذنا إلى المجهول، وإلى مصير التهجير، وقلنا لهم بالعامية البسيطة: “نقول لكم لهون وبس.. وماراح نسمحلكم أن تلعبوا بمصيرنا ومصير منطقتنا”. ويضيف: قلنا لهم نحن نتابع بعمل اللجنة شرط خروج هؤلاء الأشخاص منها، والعودة إلى اتفاق خفض التصعيد الموقع في القاهرة على مبدأ المفاوضات، نحن مستعدون للرجوع أو سنتابع مع المناطق التي تؤيدنا في هذا المشروع عن حق وفهم، وليس عن باطل، لأن اتفاقنا هو الوحيد في كل سورية الذي أخرجناه إلى العلن بالتفاصيل المملة، كي لا يبقى حجة لأي جهة من الجهات، وليعرف حتى المواطن العاديتفاصيل ما يحصل.

وفي أحد التسجيلات يقول:سيكون هناك فعل جدي من قبل الروس، من أجل إخراج المعتقلين على أن تكون الدفعة كبيرة، واشترطنا عليهم إذا لم يكن هناك إخراج للمعتقلين؛فسوف يتم إغلاق المعبر الجديد في الرستن.

(جيرون)،من باب حرصها على سماع رواية حركة (أحرار الشام)، حاولت مرارًا التواصل مع أحد قادتهابريف حمص الشمالي، ولكن إلى هذه اللحظة لم تلق أي استجابة، مع التنويه إلى أن حق الرد والتوضيح على مختلف النقاط الواردة متاح لهم، لوضع الرأي السوري العام أمام حقيقة الأمور وتفاصيلها.

توصيات أربعة

المعارض السوري ميشيل كيلو يرى أنّ من الضروري أن تحظى هذه الاتفاقية بتأييد السكان، وأن تنضوي ضمن إطار دولي كخطوة نحو الحل، فيقول كيلو عضو الائتلاف المستقيل ورئيس اتحاد الديمقراطيين السوريينفي ملاحظات أربعة: أولًا يجب أن تكون الاتفاقية منضوية في إطار دولي، ويكون مكتوبًا في بدايتها أنها جزء من السعي السلمي، لتطبيق قرارات وثيقة جنيف والقرار 20218 والقرار 2254. ثانيًا يجب أن تعدّ الاتفاقية جزءًا من محاولة لإيجاد حل وطني لمشكلات الشعب السوري وللصراع ضد النظام، وبالتالي هي خطوة نحو الحل، وليست مسألة نهائية.

أما ثالثًا -يضيف كيلو-فيجب أن تكون جماعية، تحظى بتأييد السكان وجميع الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المدنية الموجودة في المنطقة، دون إثارة أي مشكلات ولا حتى مشكلة داخلية، وإذا أثيرت أي مشكلة داخلية فلابد أن تُحل ضمن إطار الإخاء والتعاون والقضية المشتركة.إنأخطر ما في هذه الاتفاقات إثارتها لصراعات داخلية،ويكون القصد منها فعليًا إثارة الصراعات الداخلية تمهيدًا للاقتتال، وأخذ المنطقة من دون تعب.رابعًا وأخيرًا -يقول كيلو- يجب انتخاب مجالس مدنية في مناطق ريف حمص الشمالي، يكون معظم ممثليها من المجتمع المدني، ومن التيار الديمقراطي، لأنهم إذا كانوا من التيار الإسلامي؛ فهذه الاتفاقات لن تثمر شيئًا، وستفشل، وستكون نهاية سورية والثورة السورية، ثم يجب أن تتوحد هذه المجالس، ويكون لها تمثيل مشترك وتتصل مع بقية المناطق؛ ليكون بينها موقف وطني واحد من القضية السورية ومن الروس وغيرهم.

جني أرباح!

من جانب آخر، يشخص طريف الخياط المعارضةَ،كخطوة في تشريح الصعوبات التي تواجه إنجاح المفاوضات،فيراها قد تجاوزت مرحلة جني المكتسبات،في حينوقف النظام السوري ضد أي حل سياسي، مستقويًا بدعم حلفائه، وقد فوّتت الكثير من فرص تغيير شكل الدعم الذي حصلت عليه من حلفائها، مشكلاتها وتشرذمها وفشلها في بناء مؤسسات وهياكل إدارية-بحسب الخياط المحلل السياسي- أدتإلى عدم قدرتها على فرض نفسها، كبديل للنظام، أمام المجتمع الدولي الذي لم يُقِم لها بدوره وزنًا حقيقيًا،فيقول: فضلًا عن فشلها في التوافق على مشروع وطني واضح المعالم لبناء سورية المستقبل، فقد فشلت في الدفاع عن المصالح الوطنية تحت وطأة تضارب مصالح داعميها الإقليميين والدوليين، ليس في ذلك قطعًا ما يعفيها من المسؤولية.

تغول الإرهاب

أما الطامة الكبرى -بحسب الخياط- فكانت بروز الفصائل الجهادية كقوة ضاربة في المعارضة؛ ما مهد لتغول الإرهاب، فيقول: حذرنا كثيرًا، في مقالات عمرها من عمر الثورة،من أن السكوت عن الإرهاب واستباحته الساحة السورية سيجلب تحالفات دولية إلى البلاد، ليس نصرة للثورة، بل لتحقيق مصالحها بذريعة “الإرهاب”. أما المشهد العسكري فهو كنظيره السياسي، فهو تارة ما ينقسم على أسس أيديولوجية، وتارة ما يبرز فيه دور أمراء الحرب الذين لا تعنيهم سوى مصالحهم الشخصية، على حساب المصالح الوطنية التي لا يلقون لها بالًا، وإلا فكيف يمكن تفسير أن أصحاب المشروع الأيديولوجي الواحد هم من فصائل جهادية قد انخرطت في صراعات دموية عنيفة ومدمرة؟

المعارضة التي لم تعد تملك أيًّا من أوراق القوة، حتى لو تمكنت من تقديم مشروع أو خطة سياسية؛ فلن تجد من يستمع إليها الآن -كما يقول الخياط- لأنها فقدت كل أوراق قوتها بما فيها أوراق قوتها على الأرض.

ويضيف: أتفق مع الآراء التي تقول إن المعارضة لا تملك رؤية سياسية سليمة، البديهي أن ميزان القوى على الأرض في أي معركة ترجمته على طاولة المفاوضات لصالح الأقوى عسكريًا، وكان واضحًا، منذ استعادة النظام للزخم العسكري على الأرض، بعد التدخل الروسي، أن الرياح تسير بما لا تشتهي الثورة؛ وبالتالي كان يتوجب على المعارضة أن تعي حجم الكارثة وتتوافق في ذلك الحين على خطة تحشد لها التأييد والدعم في مواجهة النظام، وليس الآن، بعد أن سبق السيف العزل. ينهي الخياط حديثه معلقًا على المفاوضات وإمكاناتها الضائعة، وفي أي سياق تأتي.

بدايات الثورة

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عماد غليون يؤكد على أهمية المنطقة استراتيجيًا، بالنسبة إلى النظام، لوقوعها على الطريق الدولي بين حمص وحماة، ويرى أن النظام لن يقبل من دون الحصول على هذه المنطقة في نهاية المطاف، ويستشهد غليون بالضربات القاسية التي تلقتها المنطقة من قبل النظام في بدايات الثورة، عندما تم قطع طريق حماة، وبما أعلنه حينها وليد المعلم من أن السيطرة على الطريق الدولي، من الجنوب باتجاه حلب، هدف أساسي للنظام. غليون الذي استشهد ببدايات الثورة السورية والتحديات التي واجهتها يقول: “لذلك، لن يستطيع الريف الشمالي الصمود دون إنجاز مصالحة ترضي النظام، وهي بحدها الأدنى فتح الطريق الدولي، وتقليم أظافر الكتائب المتبقية المحاصرة والعاجزة عن المقاومة والصمود طويلًا”.

سندان ومطرقة

وعن رأيه بالمفاوضات الجارية،يؤكد غليون أن على المتفاوضين التحلي بالصبر والبراغماتية للحفاظ على بقائهم، وعدم القبول بالتهجير القسري، كما حصل في مناطق أخرى. يقول غليون: لا بد من حصول مناوشات وخلافات بين الكتائب، خلال عملية التفاوض، بسبب عدم التوافق الفكري الأيديولوجي، وللعلم إن أي اتفاق لا يكون في صالحالفصائل الإسلامية المتشددة أو القريبة من القاعدة؛يعني التصفية.

تقع فصائل الريف الشمالي بين سندان النظام ومطرقة التنظيمات الجهادية، ومطلوب منها أن تنجز اتفاقًا مع النظام، يكفل بقاءها على أقل تقدير،وفي ضوء ضعفها يتوقع أن تقدم المزيد من التنازلات، وهي تدفع الآن ثمن تقوقعها، وعدم تقدمها لنصرة حمص المحاصرة.

مطالب تقنية

الصحفي مصطفى السيد-وهو من أبناء المنطقة- يقدم تفاصيل تقنية لهذا الاتفاق على شكل مطالب، يرى أن من الضروري تضمينها في أي اتفاق، ويؤكد على الموقعين على الاتفاق تبني هذه المطالب، ومطالبة الفريق الآخر والضامن بتنفيذها؛ حرصًا على استدامة الاتفاق على أسس عادلة، وتنفيذًا لمقررات الأممالمتحدة ذات الصلة. ومن هذه المطالب، بحسب ما يقول السيد: أولًا، لضمان تثبيت الاتفاق على أسس سليمة وعادلة، لا بد من إقرار إجراء انتخابات حرة،مراقبة دوليًا، يضمن الأمن والسلامة فيها الجيش السوري الحر، من أبناء تلدو في مدينةتلدو، وقوات الضامن الروسي للاتفاق، وبإشراف الأمم المتحدة خلال 120 يومًا، من توقيع الاتفاق.

ثانيًا: الكشف عن مصير المغيبين قسريًا والمعتقلين كبداية، وإطلاق سراح عدد منهم فورًا كبادرة حسن نية، والاتفاق على إطلاق سراحهم جميعًا خلال شهر، والعمل على إنشاء محكمة خاصة، بإشراف الأمم المتحدة،للتحقيق في مجزرة الحولة، وتعويض الضحايا.

التفاصيل من حقنا

ثالثًا:إعادة انتشار قوات الجيش العربي السوري خارج أراضي تلدو، وإعادة ممتلكات وأراضي الفلاحين، بموجب قراراتمجلس الأمن ذات الصلة. ودفع أجور المثل للأراضي الزراعية لأصحابها في تلدو التي شغلها الجيش العربي السوري، خلال السنوات السابقة. وعقد مؤتمرللسلم الأهليلممثلي البلدات والقرى المجاورة لمدينة تلدو، للإعداد لبناء أسس السلام لمستقبل المنطقة. ورابعًا: إدخال مواد البناء والتشييدوترميم المؤسسات العامة؛تمهيدًا لإعادة تفعيلها. هذا جزء من النقاط التي يطالب بها السيد.

الصوت الضعيف

ضابط منشق،يعيش بين الأهالي، يعرّف عن نفسه كمواطن سوري عادي، ويؤكد على عدم ذكر اسمه، يقول إن هناك مايشبه الإجماع بين المدنيين مع اتفاق تخفيض التوتر ووقف الأعمال القتالية، وحتى مع فتح الطرقات وإيجاد آلية حل شامل تنهي معاناتهم؛ لأنهم الخاسر الأكبر،ولكن صوتهم ضعيف:”إن صوتنا ضعيف، لا أحد يسمع للناس أو يلتفت إلى معاناتهم”، ويضيف: بالتأكيد يفضلون هذا الخيار على التهجير، إنه أفضل المتاح حاليًا، بعد تخلي العالم عن الشعب السوري وتركه ليواجه قدره وحيدًا. من يعرقل الاتفاق هم المتنفعون من هذه الفوضى التي تعيشها المناطق المحررة، فصائل تأتمر بخارج يبحث عن مصالحه.

لكن على مستوى الفصائل، فالكفة تقريبًا متساوية، بين من يحاول التعطيل ومن يدفع نحوالاتفاق، وهذا الأمر مخيف من وجهين:الأول لن يستطيع إفشال الاتفاق للانفراد بالقرار، والثاني ينذر بالفتنة التي يمكن أن تتطور إلى نزاع مسلح.

الخلاف بين الفصائل في المنطقة محوره(الأحرار) وحركة (تحرير الوطن)، وهذان الفصيلان يريدان إدخال تركيا على خط التفاوض، و(جيش التوحيد) و(فيلق الشام)وهذان يعتمدان اتفاق القاهرة مع التعديل.

مصالح الناس!

ولكن غاب عن الفصائل جميعًا أن الأولوية لمصالح الناس، وفي هذه المرحلة هذا الاتفاقهو أفضل المتاح، ولكنّ هناك بندًا لايذكر صراحة ملف المعتقلين، كما يتم الترويج له، وهو المأخذالذي يستند إليه من يحاول تعطيل الاتفاق. لكن حول باقي النقاط التي يتضمنها الاتفاق فهي نوعًا ما جيدة، بل تعدّ انتصارًا للمعارضة في ظل الوضع الراهن وميزان القوى،فتخوف سكان المنطقة من التهجير وقطع الدعم المادي عن المعارضة بقرار دولي، وتغيير اللهجة العامة للدول التي تدّعي مساندة الشعب السوري، وتغير لهجتها من رأس النظام؛ هذاما خلق المخاوف على مصير المنطقة. ينهي النقيب المنشق حديثه بالقول: الاتفاق ينص على بقاء السكان مع المقاتلين مع أسلحتهم، وتبقى إدارة المنطقة بيد المعارضة، وإدخال مساعدات الإغاثة والمحروقات والأغذية ومواد البناء ورفع الإتاوات التي كانت تفرضها حواجز النظام، وغير ذلك.

القصف.. يستمر ويستمر..

الناشط الإعلامي وائل أبو ريان-وهو من أهالي ريف حمص الشمالي، ومن المتابعين لتطورات المفاوضات- يقول:إن الرستن،وهي أكبر خزان بشري في المنطقة، رفضت اتفاق القاهرة، وأن بند المعتقلين كان أساسيًا لذلك، كما رفضوا إرسال ممثليهم إلى القاهرة،مقر التوقيع، وذلك بحضور ممثلين اثنين عن كل فصيل، وشخص يمثل اسمه، وأحمد الجربا كشاهد، والروس كضامن. يضيف أبو ريان: تم نقل الاتفاقإلى الداخل، وتشكلت لجنة التقت مع الروس في جلسة تمهيدية، وتم اعتبار اتفاق القاهرة اتفاقًا قديمًا، واعتماد اتفاق جديد بين الروس وريف حمص الشمالي، وفي الجلسة الثانية تمت مناقشة بنود الاتفاق ووضع نقاط أساسية، وأهمها ملف المعتقلين وإيقاف القصف من تاريخ الجلسة الثانية، يضيف أبو ريان: طبعًا النظام لم يلتزم، واستمر بالقصف، وتم أيضًا الاتفاق على تقديم اتفاق جديد مكتوب، يشمل كافة البنود عن كامل ريف حمص الشمالي، لكن وبعد الجلسة الثانية، انتشرت تسريبات لفراس غالي،عقّدت من طبيعة الأمر، وبدأ التصاعد الدراماتيكي بخطاب الفصائل فيما بينها.

يختم الإعلامي أبو ريان حديثه: الروس مصرين على مدينة الرستن بالمفاوضات، بسبب الأوتوستراد الدولي وجسر الرستن الذي يصل الشمال السوري بالجنوب.

دمى؟!

من جهته شنّميشيل شماس المحامي والناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان،والمتخصص في الدفاع عن قضايا الرأي والضمير، شنّ هجومًا عنيفًا على جميع المتفاوضين، وقال:إنهم عار على سورية،مثلما النظام عار على سورية، واتهمهم بأنهم مجرد “دكاكين” و “زواريب”،كلّ يغني على ليلاه، أما ما يسمى بالمعارضة السياسية -بحسب قوله- فلا وجودلها. هذه ليست معارضة،بل هي مجرد دمى وصدى للتدخل الدولي في سورية، يقول شماس.

وعن رأيه بكل الاتفاقات والمصالحات التي عقدوها مع النظام؟! أجاب: ماجرى حتى الآن هو عبثبعبث، وهي ليست بمفاوضات، إنما فرض للأمر الواقع،تمارسه روسيامنذ أن بدأت تدخلها في سورية، وتحكمها بمسار الأمور، ما يسمى بالمعارضة السورية لا تفقه أي شيء من المفاوضات التي تحتاج إلى حنكةٍ سياسية،وقدرةٍتمكنها من الاستفادة من الظروف، وعدم تفويتها للفرص المتاحة.وهذا أمر غير متوفر في تلك المعارضات.

وعند سؤال جيرون له: هلكان ممن اطلع على وقائع المفاوضات الخاصة بريف حمص الشمالي، وما رأيه بالانقسام الحاصل بين الفصائل، يقول شماس: للأسفلم أطّلععليها، ولا تهمني ولا أعيرها أي اهتمام.عندما تلقي بكل أوراقك في يد الممول، يعني أنك رهنت نفسك له؛ولن تستطيع الفكاك من ذلك. إن الخروج عن مفهوم الوطنية السورية والارتهان لمشاريعمشبوهةلا تنتميإلينا هو الذي قاد إلى هذا الخراب الذي نحن فيه.

إلى محكمة الجنايات!

عن قانونية تلك المفاوضات، يقول المحامي الذي عرّف عن نفسه كمواطن يطرح رأيًا ولا علاقة له بالشأن السياسي: أعتقد أن كل ما جرى ويجريمن مفاوضاتبين النظام وروسيا وحلفائهم من جهةوالمعارضة العسكرية، وما نتج عنها من عمليات تهجير، مخالف لأبسط القواعد القانونية التي نصت عليها شرعة حقوق الإنسان. لم يحدث في التاريخأن تم تهجير السكان من مناطق سكناهم باتفاقات أو مفاوضاتكما جرى في سورية. إنها جريمة حرب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. قوات المعارضة أيضًا اشتركت في هذه الجريمة مع النظام، وبرأيييجب العمل على إحالة تلك الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية أو العمل على إنشاء محكمة خاصة في سوريةلمحاكمة المجرمين، من جميع أطراف النزاع في سورية، للجميع من دون استثناء، كل من ساهم، إنها جرائم حرب وإبادة وتهجير، المشكلة معقدةفي سورية،وزادها تعقيدًا تسليم المجتمع الدولي سورية إلى روسيا، وربما سنحتاج إلى وقت طويل للنهوض مجددًا، وإعادة الأمور الى نصابها.

الأسد = لا مستقبل

يتحدث شماس عن واقع السوريين القادم، فيقول: ربما يتوقف القتال إلى حين، لكن سيبقى الجمر تحت الرماد، وسيشتعل مجددًا عندما تسنح الفرصة له،كما سنحتللشعب السوري أن ينفجر في وجه النظام الذي لا يستطيع أن يعيش إلا على الاعتقالات وكم الأفواه. إن المسألة معقدة جدًا.. أولًا لعدم وجود حامل سياسي في سوريةبمواجهة هذا النظام المجرم.وثانيًالكثرة التدخلات الدولية وتحكم روسيابالقرار السوري. ولعدم توفر الإرادة الدولية لحل فعلي في سورية، ينهي الاستبداد ويساعد الشعب السوري على إعادة بناء وطنه من جديد، على أسس جديدة؛ لذلكلا حلَّ في المستقبل القريب، وفي ظل بقاء هذه العوامل على حالها،ولاسيّمابقاء الأسد في سدة الحكم، باختصار لا مستقبلَ للسوريين، طالما استمر هذا النظام.

ينهي شماس حديثه بكلمة أخيرة، فيقول: إنها كلمة أخيرة تتعلق بملف المعتقلين والمغيبين قسريًا، أرجو أن يتم تسليط الضوء عليها دومًا؛لكونها من المآسي الكبرى، ليس في تاريخ سورية فحسب، بل في تاريخ العالم الحديث، إذ لم يشهد التاريخ مثيلًا لها نظرًا إلى حجم المعاناة الهائلة التي يعانيها المعتقلون في جحيم المعتقلات،وكذلك معاناة أهاليهم الدائمة في البحث عنهم، والأعداد الهائلة التي ترزح في ذلك الجحيم. هذه تحتاج إلى تحرك دولي عاجللإنقاذهم من الموت البطيء.

مرفقات

كلام التسريبات لم يطغَ على نقاش المفاوضات المحتدم في ريف حمص الشمالي، الكثير من المجالس والفعاليات والجهات قدمت مبادراتها لتحصيل مايضمن حقوقهم، بعد سنوات من الحصار والقصف، وفي الصور المرفقة بنود للمجلس المحلي والثوري الموحد في الحولة تتضمن رؤيته للاتفاق مع “الروس” في الريف الشمالي، وملفًا لبنود اتفاقية بشأن الخطوات، لإيجاد حل شامل للقضية السورية بالوسائل السلمية، في منطقة تخفيف التصعيد بمحافظة حمص.

الجدير بالذكر أن (جيرون) تواصلت مع عدد من المعارضين، في الهيئة العليا للتفاوض وغيرها من مؤسسات المعارضة،بما فيها العسكرية، ومَن تم الاتصال به اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح، لعدم علمه أو لعدم إحاطته بتفاصيل المفاوضات الجارية، منذ مدة في ريف حمص الشمالي، والتي قد يتم التوصل إلى نهاياتها، في الأيام القليلة المقبلة.




المصدر