هل يخير آدم مرة أخرى ليعود للجنة ؟...

د.عزة عبد القادر هل يمكن أن يتخيل إنسان بأن تسير عجلة الزمان إلى الخلف ليعود الكون إلى بداية الخليقة ليخير مرة أخرى بين الجنة والحياة ؟ أو يمكن أن يخير الشيطان بين طاعة الله عز وجل بالسجود لآدم عليه السلام أو الخروج من رحمة الله العزيز الكريم ؟ بالتأكيد لا يمكن أن يخطر ذلك على عقل أحد إلا من قبيل رواية الأساطير وأفلام الخيال العلمي أو التفلسف والجدل العقيم ، لكن ما لا نعرفه ولا ندركه بحق ، إن الله عز وجل واسع المغفرة ، كريم العطاء ، فهو الغفار الرحيم ، والغفار تعني هنا بأن السماح والغفران عنده تبارك وتعالى ليس له حدود وليس قاصراً على فئة أو مجموعة أفراد ، ولا يختص به جنس معين أو نوع بذاته ، بل إن رحمته وغفرانه وسعت كل شيء ، فقد شملت الإنس والجن ، كذلك الذكر والأنثى ، وشملت الأحياء والأموات،قال تعالى( : إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ( آية 32سورة النجم ولهذا فإن الله الكريم الحليم أعطى لنا كثير من المنح لحصد الحسنات وأعمال الخير ورغم كل ذلك ، فقد بلغ الإنسان درجة كبيرة في العند والمكابرة متكئاً على الطمع في حلم الخالق العظيم وكثرة صبره على المعاصي والآثام ،إن حلم الله سبحانه عن عباده، وتركه المعاجلة لهم بالعقوبة، من صفات كماله سبحانه وتعالى، فحلمه ليس لعجزه عنهم، وإنما هو صفح وعفو عنهم، أو إمهال لهم مع القدرة، فإن الله لا يعجزه شيء. قال تعالى:أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ) رواه الترمذي ( 2396 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ولم يقف ظلم الإنسان لنفسه وغيره عند حد طول الأمل وارتكاب الذنوب، بل استكمل في غيه وجبروته فاجترأ على الكبائر والفواحش وفي ذات الوقت هو طامع في رضا الله ومغفرته . فقد يركن المسلمين إلى القول بشفاعة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ، أما المسيحيين فإنهم يعتمدون على تطهير أنفسهم بصفة دورية بأن يعترفوا للأب الروحي (القسيس) باقتراف المعاصي والذنوب مما يساعدهم على تخفيف وطأة الإحساس بالذنب والخطيئة. إن يوم القيامة كان بمثابة السر الأعظم بالنسبة للإنسان وقد يغتر في طول الزمن على حد اعتقاده فيتمادى في طول الأمل والطمع في المغفرة ، فالعالم بأكمله يتحدث في مشارق الأرض ومغاربها عن ذلك اليوم الموعود الذي يعد بعيداً بالنسبة للبعض، قريبا عند آخرين( ،قال تعالى :(إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما .الآية (6-10)سورة المعارج. ، وهو مصدر إيمان عند البعض ، وأساس للكفر عند البعض الآخر ، إنه الغيب ، واليقين بالغيب هو يقين بالله رب العالمين . إن المؤمنين يوقنون بأن الآخرة هي الدار الأبدية ، وفي الآخرة سيغفر الله لكل إنسان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، إنها بشرى وأمل كبير لكل الحالمين برضا الله الطامحين في جنته ، إنها المنحة الكبيرة ، سيغفر الله للمتواضعين والمنفقين في سبيل الله والمجاهدين ، سيغفر الله للرحماء ، الراحمون يرحمهم الله ، أليس هناك قصص كثيرة من السيرة النبوية ومن الشرائع التي سبقت الإسلام تروي لنا كيف غفر الله لامرأة عاهرة من بني إسرائيل لأن قلبها كانت تملأه الرحمة ، فقد تأثرت بشدة لرؤيتها كلباً يأكل الثرى من العطش فسقته حتى ارتوى فشكر الله لها وغفر لها . ألا تروي لنا كتب سيرة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كيف غفر الله لماعز والغا مدية الذين اعترفوا للرسول الكريم بارتكابهم لجريمة الزنا وكيف كان الرسول يتحاشاهما حتى يهربا من وجهه حتى يكتم ما قالوه عن الناس فيحفظ سرهما لأنه يعلم ان الله غفور رحيم ولكنهما عندما أصرا على الاعتراف المرة تلو الأخرى مع رغبتهما في تطبيق حد الزنا أجابهما الرسول إلى ما أرادوه وذلك بغرض تطمينهم وإشعارهم برضا الرحمن الرحيم ، فإن العقاب الرادع هذا كان جزاؤه مغفرة الله ورضوانه . إن الله ينظر إلى قلوبنا ولا ينظر إلى أشكالنا وصورنا، والله يعطي الإنسان بقدر الأفعال ولكن تبقى النوايا والقلوب لا يعلمها إلا هو ، فالأفعال لا تنبع دائما عن نوايا طيبة . يوم القيامة يدخل الصالحين والمؤمنين الجنة ، ويدخل الكفار والمنافقين والعصاة النار ولكن يبقى أهل النار على أمل في رحمة الله وغفرانه ، أمل في شفاعة الرسول الكريم ، أمل من العاصي انه لم يجهر بمعصيته ، أمل لكل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، انه يسأل بشكل متكرر ومستمر عن رحمة الله ، يسأل عن شفاعة سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، يسأل عن شفاعة الصالحين من أهل بيته وعصبته ، فهو دائم الطمع في رحمة الله حتى وهو في النار يتلوى فيها ويتألم ، حتى وهو يأكل النار ويحترق هو لا ييأس من رحمة الله العزيز الحكيم حتى يصل الأمر بأن يتعشم الشيطان نفسه في رضا الله ومغفرته، وبالفعل يخرج من النار كل من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، يأمر الله الملائكة بأن تخرجهم من النار وتدخلهم الجنة ( إنهم الناجين من جهنم) ، وهنا تأتي لحظات الندم والحسرة ، هنا فقط سيعترف الشيطان كم كان مغرورا متكبرا ، وكم كان جاهلاً ومتجرئا على الذات الإلهية ، سيعترف الشيطان لأول مرة ويتبرأ من أصدقاؤه وتابعيه ، سيعلن عن مدى قصر نظره ،كذلك أصدقاؤه الذين يتحججون بغوايته فإنهم يعترفون ويندمون ، ولكن الندم اليوم لم يعد له جدوى فقد انتهى الأجل وفنيت الحياة ، ولم يعد هناك أي وقت لفعل الحسنات ،إن اليوم هو يوم القيامة (إنها الساعة ) ( إنها الواقعة) (وَلَوْ تَرَى إِذ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ المُؤْمِنينَ ، بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُو عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وقالوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) سورة الأنعام-الآية 27-30 .