سينما الصيف الأمريكي… عنف ودماء ومضامين فارغة




في الكثير من الأحيان يعمل الناقد السينمائي على اختيار أفلامه، ولكن في الكثير من الحالات نجد أنفسنا أمام أفلام تقدمها المجلات السينمائية والمتابعات الإخبارية، بأنها أفلام جيدة لتكتشف أنها أفلام لا تحمل أي رسالة، وهي أفلام ذات أبعاد تجارية تفتقد لمضامين عميقة. نقدم هنا عينة من أفلام أمريكية عُرضت في صيف 2017، وهي أفلام مشبعة بالحب والعنف والدم وأيديولوجيات الرجل الأمريكي الأبيض القادر على فعل التضحية في كل مكان.

ألوان الغباء

على شاكلة أفلامه السابقة «لقاءات خطيرة» الجزء الأول والثاني، و كائنات فضائية»، يغوص المخرج الكندي كولين مينيهان في أجواء السينما الزومبية بفيلمه الجديد «إنها تلطخ الرمال بالأحمر». It Stains the Sands Red الذي يحكي عن امرأة من لاس فيغاس تعطلت سيارتها رفقة زوجها في طريق صحراوية، وهي امرأة مدمنة على تناول الكوكايين، لتجد نفسها أمام حادث غريب، شخص زومبي يستهويه امتصاص الدماء، هائم في الطريق يهاجمهما ويعمل على قتل زوجها ويطاردها داخل السيارة، أو في الطريق لمسافات طويلة وفي الصحراء، وفي أحد البيوت المهجورة. وفجأة تتعرض المرأة لمحاولة إنقاذ من طرف شابين، وفي اللحظة ذاتها يقومان باغتصابها، ويعمل الشخص الزومبي المجهول على إنقاذها، وتحاول بدورها انقاذه من نيران الجيش الأمريكي.
ينتهي الفيلم بالوصول إلى مدينتها والبحث عن ابنتها الصغيرة ومحاولة إنقاذها من لدن الكائنات الزومبية. والفيلم لا يليق إلا بهواة أفلام الزومبي، بدون حتى أي مضامين أو تفسيرات تحتمل التأويل، ما يجعله غاية في السطحية.

تبرير الخطأ

يقدم المخرج ريك رومان ووغ في فيلمه «مُطلِق الرصاص» Shot Caller عالما من الجريمة والمطاردات، حيث يتحول بطل الفيلم من إنسان يعيش ظروفا عائلية جيدة، حيث الاستقرار الأسري والمهني، إلى سجين بعد أن تسبب في قتل صديقه في حادث سير غير مقصود، ليقضي سبع سنوات في السجن. داخل السجن يجد نفسه فريسة للتحرش وعليه أن ينضم إلى إحدى العصابات التي تتاجر في المخدرات من داخل أسوار السجن، ويتم اختباره بقتل الأشخاص وتزداد خطورته، ويصبح قريبا ويحظى بثقة زعيم العصابة. فيلم عنيف وقاس، حاول المخرج مزج دراما الحكاية بتوابل الجريمة بسرد غير منتظم وسرد غير أفقي، حيث بطل الفيلم هو السارد في الفيلم، مبرزا اللحظات الفارقة في حياته داخل السجن وخارجه وطلاقه من زوجته وتحوله إلى وحش ودفاعه عن ابنه. يحاول الفيلم تبرير عمليات القتل التي يرتكبها بدعوى أنه أقحم في السجن عنوة، وأن دخوله للسجن حوله إلى مجرم. تبرير لا يستند إلى أي أساس سوى منح الفيلم شحنة عنف كبيرة، قادرة على جذب المشاهدين. ورغم التوظيف الدرامي الجيد لحالة هذا السجين وعزلته وتحوله في النهاية، إضافة تقنيات التصوير والمونتاج الجيدة، إلا أن الفيلم يدافع عن فكرة أن السجن مدرسة يخرج منها القتلة وتجار المخدرات، عوضاً عنه كفرصة لإعادة التفكير والتأمل في الأعمال التي قادته نحو السجن ومحاولة التأهل للحياة من جديد.

كوميديا الصور النمطية

ويقدم المخرج جوناثان ليفين فيلمه الكوميدي «خطف» Snachted، الذي يعالج في قالب كوميدي الكثير من مشاهد العنف، رحلة سفر شابة رفقة والدتها إلى كولومبيا، مع فكرة مسبقة لديهما عن كولومبيا كبلد للمخدرات والنزاعات المسلحة والاختطاف. تصل الشابة وهي في الثلاثينيات من عمرها، بعد أن طردت من العمل وافتراقها عن خطيبها إلى كولمبيا وتعيش أياما رائعة صحبة والدتها قبل أن تجد نفسها وأمها محبوستين من طرف أفراد عصابة. وتسعى الشابة للهرب والإفلات من قبضة العصابة، بينما والدتها تظل محتجزة.
فيلم بغطاء كوميدي يبرز الآخر الكولمبي ساذجا، محبا للمال، متعطشا للقتل، حفنة من المرتزقة والقتلة. في نهاية الفيلم نجد الشابة قد انتقلت مجددا إلى آسيا وإلى كولالمبور في رحلة جديدة ومغامرة جديدة.

الأمريكي الطيب

بميزانية تقدر بثلاثة ملايين دولار ونجمين استعراضيين هما جون سينا وأرون تايلور جونسون يضعنا المخرج دوغ ليمان في قلب فيلم «الجدار» the wall، الذي يدور حول جنديين من القوات الخاصة الأمريكية يحرسان أنبوبا للبترول في العراق، يتعرض للتخريب من قناص مجهول الهوية. وعلى مدار الفيلم تظهر الشخصيات الثلاث .. قناصان أمريكيان وقناص عراقي لا يظهر، فقط يحاصرهم ويعمل على قتل جون سينا وإصابة الجندي الآخر. الفيلم يقدم المخاطر التي يتعرض لها الجنود الأمريكيون في العراق، وحالات التضحية التي تصل حد الموت منقذين ومنفذين مهمات صعبة. خطاب أيديولوجي ساذج ومكرر في السينما الهوليوودية. فيلم ينضاف إلى لائحة تصوير العربي/المسلم/العراقي على أنه كائن محب للقتل والدماء، في حين أن مهمة الجنود الأمريكيين كما في أفلام هوليوودية هم المنقذون من ويلات الحرب التي يعيشها الإنسان العراقي.

طعم الخيانات

ويأتي المخرج توني جيليو، المتخصص في أفلام الحركة والعنف بفيلمه «سوات تحت الحصار»، حيث يخوض فريق من الوحدات الخاصة الأمريكية صراعا مريرا في مجابهة عصابة مكسيكية للمخدرات، مجهزة تقنيا وبتعداد بشري مدرب يقتحم الوكالة ويحاصرها ويعمل على أخذ شريحة كمبيوتر فيها الكثير من المعلومات المهمة. فيلم فيه الكثير من مهارات استخدام المسدسات وشراء الذمم، حيث نكتشف في نهاية الفيلم العديد من موظفي الوكالة «سوات» يعملون في خدمة العصابة ويمدونها بالمعلومات، بل إن رئيسة الوكالة هي بدورها تعمل لصالحهم. في الفيلم الكثير من المبالغات والاستعراضات العضلية والحقائق المغلوطة وتصوير أفراد العصابة، إنهم فوق القانون غير قابلين للردع. وهو بذلك موجه للجماهير التي تبحث عن الدم والقتال.

حب على الطريقة البوذية

في فيلمها الدرامي والرومانسي «كل شيء كل شيء» سعت المخرجة الكندية ستيلا ماغي إلى تقديم حكاية فتاة في الـ 17 من عمرها، بوذية وهي حبيسة منزل شفاف لم تخرج منه منذ مولدها. فقط تتواصل مع العالم الخارجي بالوسائل التكنولوجية الحديثة وتسهر عليها والدتها الطبيبة، إلى أن تسكن بالقرب منها عائلة جديدة قادمة من نيويورك، عبارة عن عائلة لها شاب في ريعان الشباب، تقع الشابة في غرامه. تقاوم الشابة السمراء إغراءات الشاب الأبيض، وتسقط صريعة في هواه وتخرج من المنزل في أول خطوة بوذية لاكتشاف أسرار الحياة. وعقد المقارنات مع ما يقع في منزلها والعالم الخارجي ورحلتها إلى إحدى الجزر، حيث تعيش علاقة حب بكل أطوارها محمومة بدفء الأجساد والبحر ونشوة الشباب. نقطة التحول في البناء الفيلمي لحظة خروجها من المنزل وعصيان أوامر والدتها. فكرة بوذية جميلة انبنى عليها الشكل الفيلمي وسردياته. الفيلم غني بالدلالات وبالايحاءات ويستحضر بقوة الحياة الشخصية لبوذا ولحكمته بدون أن يذكرها. من خلالها تعيش الشابة الهادئة البال والمرتاحة الخاطر في حضن والدتها والأجواء الجيدة المتوفرة لها من مأكل وتدريس عن بعد وحياة باذخة، لكنها تعيش فراغا عاطفيا ومراهقة حادة لا تعرف الكثير، رغم الكتب الكثيرة التي طالعتها عن معاني الحياة، لذا تخوض تجربة هجر المنزل واكتشاف الحياة بحثا عن حبيبها واللقاء به .. وتلك حكمة الحب.




المصدر