اتلانتيك كاونسل: جبهة النصرة.. اختطاف الثورة السورية


مروان زكريا

مقاتلو جبهة النصرة، المرتبطة بالقاعدة، وهم يحملون أسلحتهم في مؤخرة سيارة بيك أب، أثناء إطلاق سراح جنود لبنانيين ورجال شرطة في عرسال، شرقي وادي البقاع، في لبنان

هددت المعارك، بين فصائل المعارضة في شمال سورية، الثورةَ السورية، وتُركت (جبهة النصرة) التي أصبحت الآن جزءًا من (هيئة تحرير الشام) مسيطرة على حلب وإدلب. كيف حدث ذلك؟

عندما تحولت الثورة السورية إلى صراع مسلح؛ اندلعت المعارك بين النظام والجماعات المسلحة التي تقاتل تحت راية الجيش السوري الحر، لكن ذلك تغيّر مع ظهور جماعات مسلحة على الساحة، بما فيها الجماعات الإسلامية، وبدأت فترة جديدة من التحزب مع ظهور منافسات سياسية، وأخذت كل واحدة من هذه المجموعات تقاتل للسيطرة على الأراضي، وتنافست على حكم المناطق المحررة، من أجل تعزيز مطالبها وبناء مكانة لنفسها. وقد راوحت حدة هذه المعارك من اشتباكات بسيطة، سرعان ما كانت تُحل بواسطة طرق اجتماعية تقليدية أو بتدخلات من شيوخ وشخصيات دينية، إلى حملات تستهدف إزالة مجموعة مسلحة بعينها، والاستيلاء على أراضيها وقواعدها وترساناتها ومخازنها.

بدأت (جبهة النصرة)، بمسمياتها المختلفة، هجماتها على فصائل الجيش السوري الحر بالاعتداء على جبهة الثوار السورية، في أواخر عام 2014. وتابعت لتدمر عشر فصائل أخرى على الأقل، وأخيرًا التخلص من جماعة (أحرار الشام)، في شهر تموز/ يوليو من هذا العام. واعتمدت (جبهة النصرة) استراتيجيات رئيسية عدة، في هجماتها ضد الفصائل المعارضة:

أولًا: ضَمِن نجاح (جبهة النصرة)، بعملياتها العسكرية الاستراتيجية ضد النظام، دعمًا محليًا، على الرغم من تكتيكاتها التي لا ترحم. وقد علمت (جبهة النصرة) أن السوريين كانوا متعطشين لانتصارات ضد قوات النظام ومتأملين بأن يُهزم النظام عسكريًا، أو أن تُحرر قراهم ومدنهم، لتمهد لهم طريق العودة إلى وطنهم.

ولذلك تجاهل العامة الجوانبَ السلبية للنصرة في أحيان عدة؛ فقد استخدمت الجبهة تكتيكات كالسيارات المفخخة ضد قوات النظام، وأثبتت فاعليتها عبر فوزها بمعارك عديدة، عندما كانت خطوط دفاع النظام محصنة، وحين لم تعد الأسلحة الخفيفة أو المتوسطة لدى المعارضة السورية فعالة. واستغلت الجبهة أيضًا الخبرةَ العسكرية للمقاتلين الأجانب في صفوفها، والذين سبق لهم أن شاركوا في مئات من المعارك، في أجزاء أخرى من العالم؛ ما أعطى الجبهة أحقية في قيادة المعارك. كما أن تحالفها مع (جيش الفتح) الذي تم إنشاؤه لاحقًا، أدى إلى انتصارات مدوية ضد النظام. وقد ألح زعيم (جبهة النصرة)، أبو محمد الجولاني، على أن تتولى جماعته رئاسة ذلك التحالف؛ الأمر الذي يعطي الشعب السوري انطباعًا بأن إنجازاته تُنسب إلى النصرة، على الرغم من أن العديد من الفصائل قدّم مقاتلين ومعدات وذخائر ثقيلة محددة لا تمتلكها النصرة. كان لهذه الأسلحة تأثير كبير على نتائج المعارك، كالسيارات المفخخة. وأتبعت النصرة كلَّ هجوم تقوم به ضد فصيل من المعارضة السورية، بحملةٍ عسكرية ضد قوات النظام؛ لتشتيت الانتباه عن أعمالها.

ثانيًا: عززت الفاعلية العسكرية للنصرة، إلى جانب نظام قيادتها المركزي، موقفَها القوي، وكان الجولاني أكثر تصميمًا من فصائل أخرى في استمرارية حركته، وهو أكثر وعيًا وفاعلية وقدرة على استغلال الوضع لمصالحه الشخصية، فضلًا عن أنه أكثر سرعة من غيره في اتخاذ قرارات صعبة. وقد كان يعلم أن مبادرته لن تستمر وتبقى فاعلة، ما لم تكن مركزية، على الرغم من قلة التماسك في النصرة ومن صراعات الفصائل المتعددة داخلها. غير أنه تمكن من تحديد خطابه الرسمي وفرض سيطرته، عبر إنشاء ما يسمى بـ (جيش النصرة)، كقوة ضرب مركزية تتألف من مقاتلين مختارين بعناية، ومدربين تدريبًا عالي المستوى، ومثبتين ولاءهم للجولاني.

ثالثًا: يُعدّ نجاح الخطاب الجهادي وطريقة مساعدته لـ (جبهة النصرة) بجذب المقاتلين النخبة مفتاحًا لاستراتيجيتها. وعندما تأسست (جبهة النصرة)، سعت جاهدة إلى ضم المقاتلين النخبة من فصائل أخرى، وكان سعيها ناجحًا. فبعض انتصاراتها العسكرية الرئيسة كان بفضل هؤلاء المقاتلين، وقد غذت مقاتليها بالخطابات السلفية الجهادية، عبر شبكة من قواعد الشريعة، وعززت أيضًا هذا الخطاب داخل المجتمع السوري المحلي. وتعد هذه الدعاية المنظمة والهيكلية فعالة للغاية، بحيث يتم قبول حكم إسلامي من أمير النصرة، من دون سؤال أو تشكيك من هؤلاء المقاتلين، حتى لو دعاهم لشن حرب على فصائل أخرى.

رابعًا: ساهمت قلة التنظيم في الفصائل الأخرى والصراعات بينها في نجاح النصرة، بوضعها كبديل فعال، واستغل الجولاني التنظيمَ الضعيف لفصائل المعارضة والتنافس بينها، وبخاصة بين الفصائل التي تشترك بالسيطرة على مناطق معينة. ففي مثل هذه الحالات، كان يوقّع اتفاقًا مع أحد هذين الفصيلين للهجوم على الآخر، أو يضمن على الأقل أن يبقى أحد الفصيلين محايدًا، بينما يهاجم الجولاني منافسه ويتخلص منه. ثم يقوم بالهجوم على الفصيل الذي بقي محايدًا أو الذي ساعده بتحقيق مبتغاه؛ الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى السيطرة المنفردة للنصرة على المنطقة. كما أنه استغل وجود ما أسماهم “فاسدين” في صفوف فصائل المعارضة. حيث إن بعض الفصائل تحتوي على أفراد سيئي السمعة في صفوفها، لم تتمكن من تأديبهم، لضعف التنظيم الداخلي. وقد أدت هذه الأمور إلى مرارة في المجتمع المحيط. وكان الجولاني يبرر الكثير من هجماته على فصائل المعارضة بالقول إنها نُفذت من أجل احتجاز “الفاسدين”.

خامسًا: تقوم النصرة بتخطيط شامل واستراتيجي لهجماتها، ولم تكن هجمات النصرة على فصائل أخرى ردة فعل على حادثة معينة، بل كانت مبنية على شهور من التخطيط العسكري المفصل، وخلال تلك الفترة، كانت النصرة تدرس ضحيتها وتستخدم جهاز الاستخبارات الخاص بها؛ لجمع معلومات مفصلة عن قواعد الفصيل ومخازنه وخطوط إمداده وانتشاره، فضلًا عن مستوى شعبيته. تحاول (جبهة النصرة) العثور على أي فجوة قد تساعدها في استراتيجيتها. ولم يتمكن عدد كبير من الفصائل الثائرة، من صد هجوم الجبهة التي تسيطر اليوم على معظم المناطق.

سادسًا: إن البراغماتية واستخدام الرسائل الثورية، من قبل النصرة، تبقيها وثيقة الصلة بالسكان المحليين، وعندما أدرك الشعب السوري الخطر الذي تشكله (جبهة النصرة) وحقيقة أن بإمكانها إنهاء الثورة؛ قطع الجولاني علاقاته بتنظيم القاعدة، وأعلن في سلسلة من التصريحات أنه لا يعترض على الاندماج مع فصائل ثورية أخرى، في كيان عسكري أو سياسي واحد، مستخدمًا عبارات ثورية ووطنية لم تستخدمها جماعته من قبل، أو حظرتها على أساس الردة.

سابعًا: إن استخدام (جبهة النصرة) وسائل الإعلام الاجتماعية، على نحو موجه واحترافي، وإنشاء جيش إلكتروني كان كفيلًا بانتشار رسائلها، بالإضافة إلى انتصاراتها العسكرية. وتدرك (جبهة النصرة) جيدًا الدور الذي لعبته وسائط الإعلام الاجتماعية، في تعزيز الثورة السورية على الجماهير؛ فاستخدمت منصات كهذه، لنشر الفكر الجهادي بين أوساط الشعب السوري، وكذلك بين أفراد خارج سورية أبدوا اهتمامهم في الثورة. وأصبحت هذه الأدوات مصدرًا للأخبار المحلية المتاحة للجميع. إن انهيار شبكات التواصل يعني أن الكثيرين لن يكونوا على دراية بما يحصل في مناطق مجاورة لهم، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام الاجتماعية، فلـ (جبهة النصرة) جيش إلكتروني يتألف من مستخدمين، على موقعي (تويتر) و(فيسبوك)، قادرين على بث رسائلها، بالإضافة إلى نشر إشاعاتها، والتغطية على أحداث حقيقية، ونشر أخبار عن انتصارات للنصرة، وبثها عبر الوسائط المتعددة المتطورة.

أما كيف تعاملت (جبهة النصرة) مع (أحرار الشام)، فقد قام الجولاني باستخدام تكتيكات جديدة للتخلص من الحركة المنافسة؛ إذ قامت الجبهة بعمل شاق لجذب قادة الأحرار من الصفين الأول والثاني، عبر استغلال التشابهات بين أيديولوجيتيهما واستخدام سياسة إبقاء مناطق معينة خارج المعركة. وأرسل الجولاني ممثلين عنه للضغط على المجموعة، بقبول هدنة لوقف إطلاق النار، واختار مناطق كان لـ (أحرار الشام) اليد العليا فيها، من حيث سيطرتها وأعداد مقاتليها. وبعد المعارك، خرَق وقف إطلاق النار، وسيطر على المناطق التي كانت تحت سيطرة (أحرار الشام).

لا تؤكد استراتيجية الجولاني التي لا ترحم على سيطرة النصرة على إدلب فحسب، بل على فكرة أن إزالته لن تكون مهمة صغيرة؛ فقد طردت النصرة بقيةَ المعارضة، وجعلت نفسها البديل الوحيد للنظام في هذه المناطق؛ ما أعطاها مستوى من الدعم الشعبي لا يتمتع به تنظيم (داعش) في الشرق.

عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية How Jabhat al-Nusra Hijacked the Syrian Revolution اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية ABDULLAH ALMOUSAعبد الله الموسى مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي Atlantic council مكان النشر الثاني Syria source تاريخ النشر  31 آب/ أغسطس 2017 رابط المادة http://www.atlanticcouncil.org/blogs/syriasource/how-jabhat-al-nusra-hijacked-the-syrian-revolution/


المصدر