غضب من الثورة


جيرون

لماذا كلّ هذا الغضب والسخط الشعبي على الهيئات المعارضة؟ هل قامت تلك الهيئات بما يجب، ولم تستطع الانتصار لمطالب الثورة؟ وهل كان عملها يُلبّي طموح الشعب الثائر، ولو بالحدود الدنيا؟ وما هي العوائق الحقيقية لتوحيد صفوف المعارضة؟ وهل المعارضة منتمية حقًا إلى الثورة؟ أو مُنجبة لها؟

أسئلة كثيرة بدأ المواطن السوري بطرحها انطلاقًا من واقع مأسوي يعيشه، سواء في الداخل أم في الشتات، نتيجةً للمعاناة، حيث تشتتت عشرات الآلاف من الأسر، وبعض أفراد هذه الأسر لم يلتقوا ببعضهم، منذ سبع سنوات، بسبب قوانين اللجوء و(الفيزا)، أو عدم الحصول على جواز سفر، وقد أصبح بدوره أغلى وثيقة حكومية شخصية، تمنحها حكومة على مستوى العالم قاطبةً.

من خلال مناقشة سريعة وموضوعية لهذا الواقع، في محاولة لفهم أوسع لأسباب هذا الغضب نجد ما يلي:

– بقيت المعارضة السياسية، على مدار السنوات السابقة، مفصولةً بشكل من الأشكال عن الشارع السوري، بالرغم من توفر الإمكانية المادية لقيام تواصل حقيقي وحثيث ومُثمر، حيث كان التواصل بين أشخاص هذه المعارضة والشارع تواصلًا شخصيًا، بين بعض أعضاء المعارضة وبين أصدقاء شخصيين لهم، ولم تأخذ العلاقة بين الشارع والمعارضة طابع العلاقة المؤسسية المنتظمة، فالعلاقة بين المجالس المحلية المنتخبة في الداخل والمعارضة المقيمة في إسطنبول لم تتجاوز الحديث عن بعض المعونات بين الحين والآخر، وهنا لم تتجاوز المعارضة دور جمعية خيرية، ولم تصل إلى مستوى أن تكون هيئة سياسية، تُمثّل الشارع وتُعبّر عنه.

– انعدام الشفافية في عمل الهيئات المعارضة، والحديث المستمر عن حالات فساد علني في صفوفها، وهي الأمور التي كانت تنتهي دومًا بلا نتيجة، ولا يجري فيها أي تحقيق شفاف ومحايد؛ ما زعزع ثقة المواطن في هذه الهيئات، وبالتالي فقدت صدقيتها حتى في المسائل التي كانت فيها صادقة.

– عدم وجود مقاييس ومعايير محددة لضم أو توسعة أي كيان أو هيئة معارضة، والإبقاء على حالة الغموض والمحسوبيات؛ مما أدى إلى تعميق الفجوة الموجودة أصلًا، لكون هذه الهيئات ليست منتخبة في الأصل من الشارع.

– لم يستطع الائتلاف السوري المعارض، على مدار سبع سنوات، أن يُبادر أو يصنع مركزًا إعلاميًا، يكون مرجعًا محترفًا لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، ولم يقم حتى بإصدار نشرة أسبوعية باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، تتناول أحداث الأسبوع ورأي الثورة بهذه فيها، وبقي الأمر منوطًا بعدة أشخاص، بلا برنامج، نراهم على الشاشات يُعلّقون على بعض الأحداث وبشكل متناقض أحيانًا، إضافة إلى تعدد صفة الناطق الرسمي، حيث يصل الرقم أحيانًا إلى خمسة أشخاص.

– أما إن كانت المعارضة قد قدمت ما يكفي من جهود؛ فالجواب هو قطعًا: لا. فمن غير الممكن لمعارضة سياسية في أي بلد في العالم أن تُنتِج أو تُثمِر، وهي تعمل بمنطق المحاصصة والشللية والأيديولوجيات المتنافرة (وهم يعترفون بذلك)، وحيث كان منذ البداية تشكيل هذه الهيئات مبنيًا على أسس أيديولوجية، وتمت توسعتها على الأساس ذاته، فهم يهدرون وقتًا أكبر، على الاتفاق والتوافق بينهم، من الوقت الذي ينفقونه على مواجهة النظام، واندرجت هذه المحاصصات حتى على صغار الموظفين والتقنيين في تلك الهيئات، حتى تحولت، خلال فترة قياسية، إلى أجهزة مترهلة إداريًا، تعادل في ترهلها أي جهاز حكومي عمره عشرات السنوات، فلم يكن هناك معايير مهنية للتوظيف، وغاب غيابًا مطلقًا مبدأ تكافؤ الفرص، وبدا الأمر وكأنه اغتنام للفرص في لحظة ضياع.

– أما بالنسبة إلى المعوقات، فبالإضافة إلى ما سبق من معوقات داخلية بينية، تحكم أطراف المعارضة، هناك المعوقات الخارجية، وأهمها أن المعارضة وقعت في فخ الدول الصديقة، وربما كانت هذه الدول صديقه فعلًا، لكنها غير مؤثرة في القرار الدولي؛ فعجزت عن تقديم أي دعم سياسي أو عسكري، وأبقت على بعض المعونات وعلى خجل، وجُلّ هذه المعونات كان يُنفق بلا شروط أو برامج واضحة ومحددة، وأغلبها يذهب في نفقات إدارية ورواتب، والمعوق الآخر هو عدم وجود إرادة دولية حقيقية لإنهاء الكارثة السورية، بل على العكس؛ توافقت الإرادة الدولية على تقاسم المنافع في سورية، وتم تحويل البلد إلى ساحة للصراع الدولي وتبادل الرسائل الدموية بين الدول على التراب السوري، حيث استطاع النظام البائس أن يستورد كل مشكلات العالم إلى سورية، من مشكلة روسيا مع أوكرانيا إلى مشكلات الخليج مع إيران، وحتى مشكلات روسيا وأميركا والغرب في ليبيا، وغيرها من الملفات الدولية العالقة، ويُضاف إلى ذلك كله المال السياسي، إذ كانت بعض الدول المانحة أو الداعمة تُحاول توجيه الأحداث على الأرض، بما يتوافق مع رؤيتها وهدفها، وليس بما يتوافق مع طموح الشعب السوري.

– فيما إذا كانت المعارضة السياسية منتميةً إلى الثورة أو منجبةً لها، ففي حالتنا السورية، وحسب واقع الحال، يكون الجواب إن المعارضة السورية ليست مُنجبة للثورة بشكل قطعي، أما بالنسبة إلى انتمائها إلى الثورة، فذلك مرهون بما قدمت لهذه الثورة، ففي حديث سابق للرئيس “المتجانس”، قال: لا يوجد في سورية معارضة سياسية حقيقية وإنما أشخاص معارضون. وأظنه كان يلامس الحقيقة في قوله ذلك، من ناحية المعارضة السياسية على أشكالها المعروفة، حسب تصرفات المعارضة القائمة على الفردية والتفرد والشخصنة، ولكنه لم يتطرق إلى المعارضة الأخلاقية، فالثورة أتت كمعارضة أخلاقية للنظام وإجرامه، وليست كمعارضة سياسية، بل بدأت هذه المعارضة الثورية الأخلاقية لتشمل في معارضتها المعارضةَ السياسية إلى جانب نظام الطغمة الحاكمة، بسبب فساد هذه المعارضة وعدم شفافيتها وعجزها عن قياد الحراك الثوري، فبدت وكأنها كائن طفيلي نما على هامش الثورة، وأخذ يتغذى عليها.

الشعب -في سواده الأعظم- لا يتبنى أيديولوجيا محددة، وإنما يتبنى ويطالب بنظام أخلاقي، يحقق له الحرية والأمن والكرامة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وبالتالي هو غير معني بالنظام القائم ولا ببرامج المعارضة الأيديولوجية والسياسية التي تقدم، منذ سنوات سبع وحتى الآن، برامج مهزوزة وغير متزنة ولا تحوز على توافق عليها، بين أطراف المعارضة التي شرعت منذ اليوم الأول للثورة في الاقتتال على اقتسام جلد الدب، ونست أنها لم تصطده بعد.




المصدر