هل يتعافى سوق الدواء بإدلب من أمراضِه؟




تميّزت سوريا بصناعة الدواء حتى تجاوز عدد المعامل المنتجة بحسب إحصائيات سابقة لوزارة الصحة التابعة لحكومة النظام 93 معملاً، توزعت في حلب ودمشق و حمص وإدلب. لكن العمليات العسكرية للنظام وحلفائه عقب انلاع الثورة أدت لإغلاق قسم كبير من هذه المعامل لاحقاً وهو ما تسبّب بانتشار الفوضى في سوق الأدوية، وفقدان أنواع كثيرة منها، وارتفاع أسعارها.

ونتيجة لهذا الواقع وفي ظل الحاجة لسد النقص انتشرت في مناطق المعارضة السورية شمال البلاد أدوية أجنبية المنشأ، وجاء بعضها على شكل مساعدات من منظمات انسانية، بينما دخلت أدوية أخرى من قبل مهربين وتجار مستفيدين، دون أي رقابة لمدى صلاحيتها وجودتها.

نقص وبدائل

لكن وفي كل الحالات يشكو نسبة كبيرة من المرضى في الداخل السوري المحرر -لاسيما المصابون بأمراض مزمنة- تغييرالدواء بين فترة وأخرى، وعدم الإفادة من الخدمة الصحية التي تُقدم لهم، حيث يسبب هذا التغيير المستمرعدم تجاوب أجسادهم مع العلاج، وبالتالي استمرار الحالة المرضية التي يعانونها.

مشكلة الشاب علاء نعنوع، من سكان بلدة احسم بريف إدلب، واحدة من حالات يومية يعيشها المرضى، حيث يضطر الشاب الثلاثيني لقطع مسافات طويلة بداية كل شهر للبحث عن خليط من الأنسولين السريع والمتوسط المفعول لوالدته المصابة بالسكري، ووفق نعنوع فإنّ “معظم الصيدليات تحتوي على أحد الأنواع فقط، ومن الصعب ايجاد المزيج بسبب اختلاف وتبدل الأنواع”.

ويضيف نعنوع لـ “صدى الشام” أنّ مشكلة الدواء في المناطق المحررة تكمن ” في الفوضى ولامبالاة البعض لخطورة استخدامه”، موضحاً أن بعض الأدوية “تباع في محلات المواد الغذائية دون مراعاة لدرجة الحرارة، ودون معرفة البائع للآثار الجانبية للدواء كإجهاض الحوامل، أو حدوث اختلاجات، أو ضيق تنفس”.

من جهته عزا الصيدلي يونس عبد العال، المقيم في مدينة خان شيخون، فقدان بعض الأدوية وتبدل أنواعها باستمرار إلى “العامل الخارجي”. وأوضح عبد العال أن معظم الأدوية الداخلة إلى إدلب كانت تصل إلى المشافي والصيدليات عبر هِبات خارجية لاسيما المرتبطة منها بالإسعاف والأمراض المزمنة. وبسبب تغيّر المنظمات المستوردة للدواء فإنّ هذا الأمر أدى لاختلاف الأنواع باستمرار في ظل عدم وجود مصدر انتاج ذاتي في المحافظة.

ورغم تفضيل المرضى- وفق تأكيد عبد العال- للدواء الوطني إلا أن الأوضاع الأمنية، وانخفاض فعالية الأدوية التي تنتجها المعامل الموجودة بمناطق النظام، وارتفاع أسعار بعضها إلى أضعاف قلّل من وجودها في صيدليات إدلب.

ويطرح انعدام بعض الأدوية من الأسواق وعدم وجود بديل لها بين الفترة والأخرى تساؤلات حول مستقبل الوضع الصحي في ادلب، ومدى قدرة المحافظة على إعادة انتاج هذه الأدوية، وإدارتها من جديد.

ضبط السوق

في بداية نيسان من العام الماضي أسست مديرية صحة إدلب دائرة الرقابة الدوائية، وتم تجهيزها بالمخابر الاختصاصية بتحليل ومراقبة الأدوية، حيث شملت هذه الدائرة أقساماً ومهاماً عديدة منها:”وحدة الرقابة الصيدلانية”، و”وحدة الرقابة الجرثومية”، و”وحدة ضبط الجودة”.

وفي تصريح لـ “صدى الشام” أوضح الدكتور علاء أحمدو رئيس دائرة الرقابة الدوائية أنّ الهدف من إنشاء هذه الدائرة كان “معالجة الفوضى المنتشرة في الأسواق، وملاحقة الأدوية الفاسدة، ومراقبة السوق الدوائية المحلية، ومعامل تصنيع الأدوية التي أنشأ بعضها دون الحصول على أي ترخيص، بالإضافة إلى التعاون مع المعابر الحدودية لمراقبة صلاحية الدواء الداخل”.

ووفق أحمدو فإنّ قسم الرقابة الدوائية تمكن من ضبط شحنات غير مطابقة للمواصفات وأتلفها في معبر باب الهوى قبل دخولها السوق، منها شحنة من أدوية الروبامايسين، أو السبيرامايسين، وتحوي 100 ألف عبوة، بقيمة 200 ألف دولار أمريكي، كما تم إغلاق معملي أدوية في المحافظة لعدم حصولهم على تراخيص.

وحول آلية مراقبة الأدوية وقدرة الدائرة على متابعة الأصناف الموجودة وضبطها قال الطبيب المختص إنّ “الفترة الماضية شهدت توسيع المخابر، وإضافة العديد من الأجهزة المتطورة بما يؤمن زيادة عدد وحساسية ونوعية الاختبارات”، مضيفاً أنّ “خمسة أصناف من الأدوية والمستحضرات جرى سحبها من الأسواق خلال العام الجاري، وتم توجيه الإنذار إلى إحدى المعامل المحلية المنتجة”.

وأكد أحمدو في الوقت ذاته أن الدائرة اعتمدت خطة عمل كاملة وفق جدول زمني يشمل كامل محافظة ادلب مدينة وريفا لتنظيم عمل الصيدليات، وضبط تدوال الدواء، ومنع الاتجار بالأدوية المخدرة. موضحاً أن الفترة السابقة شهدت إنذار الصيدليات المخالفة وإعطائها 15 يوماً.

نحو الاكتفاء

تسعى دائرة الرقابة خلال الفترة المقبلة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواء خلال الفترة المقبلة، وذلك من خلال منح تراخيص لإنشاء معامل جديدة.

ويلفت أحمدو إلى أنّ المشروع الأبرز هو إعادة تأهيل معامل الدواء في منطقة المنصورة غرب حلب، والتي بإمكانها في حال إعادة تشغيلها “تأمين ما يصل إلى 90% من احتياجات سكان المناطق المحررة”.

وأكد أحمدو أنّ وزارة الصحة في إدلب “أعطت تراخيص لـ3 معامل جديدة أحدها يجري إنشاءه بين منطقتي سرمدا والدانة، كما افتتحت مكتب مراقبة في معبري السلامة وباب الهوى لفحص أي دواء يتم استيراده والتحقق من صلاحيته”.

وكانت دراسة طبية سابقة أجراها عميد كلية الطب في جامعة حلب جواد أبو حطب، كشفت أنّ 39,4% من المرضى في المناطق الشمالية المحررة يستفيدون من العلاج، في حين 66.7% منهم لا يستفيدون منه.

واستهدف أبو حطب في دراسته التي استمرت منذ أيلول حتى نهاية كانون الأول من 2015 عينة من”مرضى الضغط الشرياني” في مناطق جبل التركمان وجبل الأكراد وريفي إدلب وحماة الغربي.




المصدر