روسيا تقيّد يد إسرائيل وإيران في سورية


الحياة

على خلاف دول الجوار، لم تعوّل اسرائيل فعلاً على مساعي اطاحة نظام الأسد، ورجحت كفة إستراتيجية انتهازية ترمي الى حمايتها من الأضرار على إستراتيجية مبادئ. ولكن تحديات سورية ما بعد الحرب قد تكون أصعب. وعلى اسرائيل اليوم ردع عرب سورية والإيرانيين عن نشر قوات عسكرية في سورية ضدها. وترى اسرائيل ان سيناريو ما بعد الحرب النموذجي والأمثل قريب من حال سورية ما قبل الحرب- نظام غير شعبي يحكم بلداً خالياً من قوات اجنبية، وتحديداً من تلك التي تقودها روسيا وإيران و «محور الممانعة». وفي السيناريو هذا، النظام السوري، على رغم هشاشته، يحكم دمشق من دون تهديد حرية اسرائيل في شن عمل عسكري ضد أخطار تهدد مصالحها.
ولكن ما تواجهه اسرائيل في سورية اليوم لا يشبه السيناريو المتخيل، بل هو أقرب الى كابوس: حرية العمل العسكري الإسرائيلي مقيدة بقيود سلاح الجو الروسي في سورية والدفاعات المضادة للصواريخ، والتحديات المترتبة على مرابطة قوى «محور الممانعة» مرابطةً ثابتة في سورية.
ولا شك في ان واشنطن تتعاطف مع قلق اسرائيل، ولكنها أخرجت نفسها من المعادلة السورية، واستساغت بذل الوقت والمال على حلف مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي. وكانت روسيا بعيدة البصيرة في تحالفاتها فخرجت في سورية ما بعد الحرب اللاعب أو المفاوض الأبرز. وقمة بوتين – نتانياهو الأخيرة – وهي التاسعة منذ التدخل الروسي في سورية في 2015- كانت فرصة اسرائيل وروسيا لتناول احتمالات النزاع وإدارتها في وقت يتجه محور الأسد – حزب الله – ايران تحت المظلة الروسية الى الفوز العسكري.
ولطالما نظرت اسرائيل بعين القلق الى تدخل روسيا في سورية. فإلى وقت قريب، كانت تل أبيب لتعتبر ان نشر روسيا مقاتلات جوية في الأجواء السورية في مثابة «تصعيد أو اعلان حرب». ولكن منذ التدخل الروسي في 2015، سعت من طريق التشاور مع موسكو الى رسم سبل تدخلها لتوجيه ضربات الى القوى المعادية في سورية، على رغم ان تل أبيب اضطرت الى التقيد بضوابط جديدة. وقلق اسرائيل مشروع من نوايا ايران و «حزب الله». والحق يقال ان قلقها فعلي شأن الأواليات التي ارستها كل من اسرائيل وروسيا منذ 2015 لتخفيف مسوغاته. وفاز نتانياهو بتفهم موسكو وربما دعمها الضمني لردع أعمال- مثل نشر قوات موالية لإيران في جبهة الجولان- قد ينجم عنها تقدم استراتيجي (إيراني) في معادلة صفرية هناك. ويقول قائد سلاح الجو الإسرائيلي ان اسرائيل استهدفت شحنات سلاح «حزب اللهية» في سورية 100 مرة. وأثناء هذه الضربات، جلّ ما فعلته موسكو هو افساح المجال وعدم التدخل. وتوقيت قمة سوتشي الأخيرة يظهر مصلحة اسرائيل في تحديد وجهة سياسة المجتمع الدولي في مرحلة ما بعد الحرب في وقت يتعاظم احتمال مرابطة قوات إيرانية الولاء في سورية.
ودارت المفاوضات على سعي ايران الى الإمساك بمقاليد مناطق هزم فيها داعش. ولا يستخف بقلق اسرائيل من نوايا ايران ولا بوسائل تقويض هذه الاحتمالات. وإلى اليوم، أدت دوراً بارزاً في تحديد – وهي عملية معقدة وسرية- «شروط اللعبة» مع نظام الأسد وقيادات «حزب الله» وإيران، وكلّ منها امتنع عن اعمال استفزازية أو تكبد ثمن باهظ جزاء انتهاكه الشروط هذه. وأدت الحرب الأهلية الى خسارة الأسد السيادة على ارضه امام حلفائه وأعدائه. ولكن في سورية ما بعد الحرب، لا يرغب نظام الأسد ولا بوتين في افساح المجال امام ايران و «حزب الله» لتحويل الجولان الى جبهة «ساخنة» مع اسرائيل. وأبرز اهداف روسيا في الحرب السورية هو تعزيز سلطة الدولة في سورية وبسط سيادة دمشق في البلد المقطع الأوصال. ولم يتناول بوتين في كلمته العلنية تحذير نتانياهو ايران ولكنه سلَّم بنجاعة آليات التعاون مع اسرائيل.
وآل الأسد هم اعداء عوّلوا على اسرائيل طوال نحو نصف قرن. والأسد الى اليوم لم يخطء الحساب ولم يشك في عزم اسرائيل على الحؤول دون فتح «حزب الله» جبهة في الجولان. وفي خطابه الأخير في 20 آب (اغسطس)، لم يتغيّر موقفه من هذه المسألة. والحق يقال ان اسرائيل لا تنظر بعين الرضى الى إحجام روسيا وأميركا عن التزام معاييرها في التعامل مع اعدائها. ولكن الإجراءات التي أجمع عليها نتانياهو وبوتين في أيلول (سبتمبر) 2015 ساهمت في رسم وجه الفصل الأخير من اللعبة السورية، وهذا الرسم يمنح اسرائيل وخصومها أقل مما يستسيغون. وإذ تراقب اسرائيل التتافس على النفوذ في سورية، لن تكون اللاعب اليتيم المضطر الى التزام قيود الواقع الجديد المنبثق من الحرب.

(*) كاتب أميركي




المصدر