صحيفة فزغلياد: الاشتباه بتورط النُخَب في واشنطن بالإعداد للقيام بانقلاب وعزل ترامب


سمير رمان

الصورة: سوزان وولش /AP/ТАСС

تسري إشاعاتٌ في الولايات المتحدة الأميركية بأن الرئيس دونالد ترامب قد أُقصي فعليًا عن السلطة عن طريق “تمرد هادئ”، ويعيش حاليًا في عزلة، إذ لا يمكن حتى لأصدقائه الاتصال به. أما الجزء المرئي من نشاطات الرئيس، فيُعرض عبر الإنترنت. ووصل الأمر بالبعض إلى درجةٍ أنه راح يعلن أسماء منظمي “انقلاب القصر” الذي أشرفت عليه “النُخبة القديمة”. فهل من الممكن أن تحدُث مثل هذه الأمور حقًا؟

بدأت القصة، عندما حاول “الصقر” الجمهوري العجوز جون بولتون أنْ يقدم لرئيس الولايات المتحدة الأميركية مخططه الخاص، للتخلص من الصفقة النووية مع إيران. وكان دونالد ترامب قد وعد بمراجعة هذا الاتفاق، قبل فترةٍ طويلة من انتخابه رئيسًا، ولكنه لم يحدد تسلسل خطوات المراجعة التنفيذية. من جانبه، يقترح بولتون أولًا، اتهام طهران بعدم التقيد بشروط الاتفاق، ومن ثم إدانتها، بسبب “سوء التصرف على الساحة الدولية”، وثالثًا الإعلان عن رفض الصفقة.

تم إعداد وثيقة بولتون، وفق القوالب التقليدية للدبلوماسية الأميركية الحديثة. أولًا تضخيم الأمر دون الاستناد إلى حقائق موثقة، ومن ثم خرق الاتفاقات التي سبق التوصل إليها. سياسة القوة، هي ما ينتظره أنصار دونالد ترامب منه في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن عند تقديم الوثيقة، ظهرت تعقيداتٌ غير متوقعة؛ إذ حاول بولتون طويلًا الاتصال مع ترامب، ولكنه لم يستطع القيام بذلك. طلب بولتون خلوةً مع الرئيس، ولكن حال بينه وبين الرئيس رئيسُ جهاز البيت الأبيض الجنرال جون كيللي.

في الوقت نفسه، يحسب بولتون نفسَه مقربًا بما فيه الكفاية من الرئيس، فقد طُرح في الشتاء موضوع ترشيحه لتقلد منصب وزير الخارجية، ولاحقًا مستشارًا للأمن القومي. في الأوقات الجميلة الماضية، كتب الدبلوماسي في مقالٍ له، قال لي الرئيس: “تستطيع الدخول في أي وقت”. ولكن اتضح، فيما بعد، أن الدخول ليس بهذه البساطة، ويرى بولتون أن الذنب في ذلك يقع على “التغييرات التي طالت كوادر البيت الأبيض”. بعد أن تملكه اليأس، قام الدبلوماسي العتيق بنشر مشروعه، في مجلة National Review، وطلب من معارفه إعادة نشر مقالته على (تويتر)، على أمل أن تصبح مشهورةً؛ فيراها ترامب على (تويتر).

أصبحت الحكاية التي اعتادتها الكواليس، بمثابة زناد المسدس، بالنسبة إلى أتباع أقصى اليمين، الذين أصابهم الذعر. وبالاعتماد على مصادرها في واشنطن، قامت طبعة Breitbart بإجراء بحثٍ كامل. ومن خلال حديثٍ مع الصحفي الشهير مايك تشيرنوفيتش، اتضحت تفاصيل مثيرة عن حياة رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

بحسب مصادر الصحفي تشيرنوفيتش من البيت الأبيض، تم تقييد التواصل جسديًا مع الرئيس إلى أقصى الحدود. وقال: “تواصلت مع أناس كثر، وجميعهم أكد أن ترامب تحت الإقامة الجبرية في منزله، كما سمعت أن جون كيللي سحب الهاتف من ترامب، ولم يعد بمقدوره الحصول على الأخبار التي كانت ترسل إليه عادةً. وأنا أعتقد أن هذه وحشية من نوعٍ ما.. قلت لهؤلاء: “ليس من المعقول سحب الهاتف من رئيس الولايات المتحدة الأميركية”. قصة بولتون الآن تؤكد كل هذا؛ فهي تثبت أن ما يشبه التمرد قد وقع هناك”.

يتمتع تشيرنوفيتش بسمعةٍ راسخة بأنه خبير مؤامراتٍ وثرثار؛ ولكن الأقاويل عن “احتجاز ترامب في المنزل” تسري في صفوف اليمين المتطرِف منذ فترة، ولا تعكس هذه الأقاويل الوضعَ الحقيقي في البيت الأبيض، بقدر ما تعكس خيبة الأمل العميقة التي يشعر بها الناخب المحافظ، تجاه الرئيس.

بعد انتصارهم المثير للجدل في الانتخابات على المؤسسة الديمقراطية، وصل أنصار ترامب إلى قناعةٍ بأن المنتصر لا يحصل على شيءٍ عمليًا. فحتى الآن، لم يتحقق أي من الوعود الانتخابية، التي آمن بها بحقٍّ ملايينُ الأميركيين.

فالمهاجرون من كل الأعراق والمشارب ما يزالون يتدفقون إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية ويعيشون فيها. والجدار على الحدود مع المكسيك ما يزال في طور مشروعٍ في الهواء، ولم يتمكن ترامب -حتى الآن- لا من إغلاق برنامج أوباما للرعاية الصحية، ولا من القيام بإصلاحٍ ضريبي، ولا من تحسين العلاقات مع روسيا. أما القطيعة مع برنامج إيران النووي الذي وعد به ترامب، فلم تحدث، وما زال الرئيس الجديد يتبع ممرات سلفه أوباما، وبدأ أنصاره يتساءلون، خطابيًا، ولكن بقوة: بم يختلف إذًا عن هيلاري كلينتون؟

تلقّى اليمين المتطرف ضربةً قوية، في نيسان/ أبريل، عندما وقع الهجوم بـ 59 صاروخ توماهوك على إحدى القواعد الجوية السورية. وبعد الضربة؛ أطلق أنصار ترامب عليها تسميةً مثيرة (59 خنجرًا في الظهر). واعتبر المحافظون أن الهجوم هو انتهاكٌ للوعود الانتخابية بعدم بدء أي حربٍ جديدة. بطبيعة الحال، ليس من السهل على الناخبين الذين خاطروا بإيصال ترامب إلى الرئاسة، الاعتراف بأنهم خُدعوا. فمن وجهة نظرٍ سيكولوجية، يكون مفهومًا لماذا يقومون بتأليف حكاياتٍ عن وضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية، وعن التمرد داخل البيت الأبيض. وهذا مثالٌ عن النسخة الأميركية من نظرية “الملك جيد، لكن الفتيان سيئون”.

يسمي البعض الجناةَ الحقيقيين المسؤولين عن عدم تنفيذ برنامج ترامب المسمى MAGA Make America Great Again، وفي أكثر الأحيان، يذكرون مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي هيربرت ماكماستر. وهم يفترضون أنه مرتبطٌ بمستشار أوباما بن رودس، ولهذا يغمض عينيه عن قيام مساعدي رودس الذين بقوا في البيت الأبيض، بتزويد الصحفيين بسيلٍ من المعلومات الحساسة. يؤكد مايك تشيرنوفيتش أن “هذا جزءٌ من المؤامرة”، وفي ما يتعلق بإغلاق أقنية المعلومات في وجه ترامب، فإن اللوم ينصب، في غالب الأحيان، على “جافانكا” الزوجين: إيفانكا ترامب وغاريد كوشنير. أما الأكثر غضبًا في صفوف اليمين المتطرف، فيؤكدون أن ترامب قد أصيب بـ “الخرف” ببساطة.

من المؤلم للغاية، أن ترامب قد نأى بنفسه بمثل هذه السرعة عن القاعدة التي انتخبته. كان ذلك قابلًا للشرح في الأسابيع الأولى من حكمه، عندما كان الرئيس يحاول جاهدًا الظهور بمظهر القائد لجميع الأميركيين، وليس للمجموعة التي دعمته. غير أن الأسابيع امتدت لتصبح شهورًا، ولم يبد ترامب أي نوعٍ من العرفان بالجميل لأكثر مناصريه حماسةً. وكان كل ترشيحٍ يقترحه لشغل منصبٍ رفيعٍ ما، يسبب لأصدقائه وحلفائه مشكلات مباشرة، مع وسائل الإعلام ومع القانون.

كل دعمٍ علني، يبديه أنصاره العاديون، ربما أصبح يكلفهم مهنتهم أو سمعتهم. وحتى إن مذكرةً خاصة تحمل تسمية “الضريبة على ترامب”، قد ظهرت، وهي تعني أنه سيكون من المحتم على كل شخص، يعلن دعم الرئيس، أن يدفع ضريبة تدهور وضعه في العمل أو في الصحافة، وقد تصل الضريبة إلى حد الملاحقات القضائية في المحاكم، والنبذ الاجتماعي. كما أن الشعور بالإهانة بدأت تشعر به وسائل الإعلام الداعمة لترامب. لقد تمكنت محطات الراديو، التلفاز والإصدارات الإلكترونية هذه والداعمة لترامب من هزيمة وسائل الإعلام الأميركية الليبرالية العملاقة. ولكن الرئيس الذي صنعته، لم يشكرها، حتى عند إجرائه لقاءاتٍ صحفية معها.

ولكن ترامب تحدث بعد الانتخابات مع الصحفية ماغي هابيرمان من صحيفة (نيويورك تايمز)، على الرغم من أن الصحيفة كانت تنتقده، بلا أدنى رحمةٍ، طوال الحملة الانتخابية. والأسوأ من كل ذلك، نأى ترامب، خلال المقابلة، بنفسه عن رفاقه وابتعد عمليًا عن الزعيم غير الرسمي لليمين المتطرف، ستيف بانون، الذي غادر الإدارة الرئاسية، قبل فترة.

منذ فترة، والأحاديث عن “انقلابٍ ناعم” أو “تمردٍ هادئ”، تدور في أوساط اليمين المتطرف. وهذا ليس انقلابًا لحظيًا، بقدر ما هو عملية طويلة لتثبيط كل مبادرات ترامب. “مستنقع واشنطن” الذي وعد الرئيس بتجفيفه أصبح يجر الرئيسَ نفسَه ببطءٍ إلى أوحاله. مقدم برامج الراديو الشهير، باش ليمبو الذي قام بدعايةٍ كبيرة لترامب، في أثناء الحملة الانتخابية، يقول: “تورّط في هذا (الانقلاب الهادئ) الديمقراطيون والجمهوريون”. وتابع ليمبو قائلًا: “لن يسمح نادي النُخبة أبدًا لأحدٍ من الخارج [من خارج النادي] أنْ يفي بوعوده. إنهم ببساطة يحاولون إزاحة الرئيس”.

كل ما يستطيع اليمين المتطرف فعله الآن، هو التحدث من خلال Breitbart، وإحصاء عدد خيبات أملهم والبحث عن آمالٍ جديدة. وقد قرر الأيديولوجي البارز في تيار اليمين المتشدد، ريتشارد سبنسر، الترشح بالفعل للرئاسة. وقد صرح سبنسر أن “سياسة ترامب الداخلية عبارةٌ عن فطائر (بورغر) محشوة بالقذارة. لقد أصبح رئيسًا متواضعًا، ونحن لم نعد نثق به”.

اسم المقالة الأصلية Вашингтонскую элиту заподозрили в дворцовом перевороте и изоляции Трампа كاتب المقالة  فيكتوريا  نيكيفوروفا مكان وتاريخ النشر  صحيفة فزغلياد. 4 أيلول 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/world/2017/9/4/885490.html ترجمة سمير رمان


المصدر