لجنة اعلان دمشق في اللاذقية: هيئة الأمم المتحدة والثورة السورية




لجنة إعلان دمشق في اللاذقية-

لم تكن الأمم متحدة في قديم الزمان, بل كانت متفرقة وموزعة بين امبراطوريات, كل إمبراطورية كانت تتقلص أو تتوسع تبعا لسلاح ومدافع جيش الأمبراطور. ربما ظهر أول نزوع انساني- يريد للقانون أن يأخذ دوره الى جانب القوة – في اتفاق وستفاليا, تلاه تشكيل عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى بمبادرة من الدول المنتصرة, ومن ثم هيئة الأمم الحالية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية. عملت الهيئة أول انطلاقتها في كثير من المجالات لصالح الجنس البشري , وكان أهم منجزاتها هو الاعلان العالمي لحقوق الانسان, حيث حشدت له ممثلون من مختلف البلدان وكلّفتهم بصياغته وقدّمته الى جمعيتها العامة وصدر قرار عنها بتاريخ العاشر من كانون الأول عام 1948 والذي ترجم الى خمسمائة لغة في العالم . لكنها بالنهاية تعثّرت مثل سابقتها عصبة الأمم ولنفس السبب أيضا وهو صياغة ميثاقها بما يتناسب مع مصلحة الدول المنتصرة . كان حق الفيتو وما يزال لخمس دول (اعتبرت كبرى) في مجلس الأمن يسمح لتك الدول الاعتراض على القرارات الدولية عندما تراه غير مناسب لها , في حين بقيت قرارات كل الدول الأخرى التي تنتج عن الجمعية العامة غير ملزمة . الأمثلة عديدة حول طريقة استعمال حق النقض في مجلس الأمن فقد استعملته أمريكا مرات متعددة لإفشال أي حل للقضايا الدولية من قبل غالبية الدول الموقعة على الميثاق إن لم يكن متوافقا مع الإرادة الأمريكية , كما جرى بالنسبة للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا حيث كانت وما زالت امريكا تقف الى جانب المحتل الاسرائيلي بالقوة لأراضي الغير وتحميه في اقامة المستوطنات الاسرائيلية على الأراضي الفلسطينية . والآن جاء دور الدولة الروسية الجديدة لتستعمل حق الفيتو في دعم الديكتاتوريين في كل مكان بعد أن كانت مناصرة لقضايا الشعوب قبل انهيار الاتحاد السوفياتي, حيث استعملت روسيا حق النقض ست مرات لحماية النظام السوري – بعد انتفاضة شعبه عليه واصراره على طلب حريته – من أي اجراء دولي بحقه على الضد من ارادة كل دول المنظمة تقريبا. الفشل الأكبر للمنظمة هو عجزها عن جعل الدول القوية تكف عن استعمال المعايير المزدوجة لحقوق الانسان والتلاعب به بما يخدم مصالحها, اكبر مثال على ذلك هو نشوء الدولة الدينية الجديدة في ايران والتي استوحت دستورها من القرون الوسطى الذي ظننا أن حضارة الجنس البشري وثقافته تجاوزتها. ومع ذلك لم تضغط تلك الدول المسماة كبرى مجتمعة من اجل ان تحترم دولة مثل ايران تعهدها بالتوقيع على الميثاق , بل انطلقت من مصالحها الاقتصادية وليس من المنطلقات الانسانية التي اتفقت عليها تلك الدول .

ورغم كل ماجرى من تطور بعد الحرب العالمية وظهور دول جديدة أصبحت كبرى ايضا بكل المقاييس الدولية مثل الدول الخمس, لكن الدول صاحبة الفيتو في مجلس الأمن وقفت حجر عثرة ضد أي تطور قد يحرمها هذا الحق ويجعله من صلاحيات الجمعية العامة .

تفاءل العالم بعد انهيار النظام العالمي السابق, ودخولنا في نظام عالمي جديد أصبحنا فيه قرية كونية واحدة, ذادت جرعة التفاؤل على أساس الاعتقاد بان البلدان الاشتراكية سابقا ستحكم من جديد عبر لبرالية ديمقراطية استفادت من تجربة الاشتراكية وأصبحت تربط بين العدالة والديمقراطية , وهي بهذا المعنى تسند اللبرالية الغربية ذات البعد الانساني ويصبح العالم أكثر توحدا ضد الظلم والفقر والديكتاتوريات ,هذه الأجواء بداية العولمة أوحت بإصلاح هيئة الأمم المتحدة لتتقدم خطوة إضافية باتجاه سيادة القانون الدولي بين الدول على حساب القوة ولتجري اصلاحا في بنيتها يتناسب مع حضارة وثقافة الجنس البشري الآن .

من الانصاف القول ان القرن الواحد والعشرين بدأ بداية واعدة بهذا الاتجاه.

– على المستوى السياسي طرح الأمين العام كوفي عنان عام 2001 التساؤل التالي على هيئته . «إذا كان التدخل العسكري لحماية حقوق الإنسان تعدياً على السيادة الوطنية للدولة ذات العلاقة، كيف يمكن لنا أن نتعامل مع إمكانات وجود راوندا جديدة أو سريبربنتسا أخرى، حيث يجري انتهاك منظّم ومنهجي لحقوق الإنسان في شكلٍ يتناقض مع كل مبدأ من مبادئ بشريتنا المشتركة؟». بناء على هذا التساؤل تشكلت لجنة لدراسة الموضوع والتعامل معه, نتج عنها ما سمي مبادرة «مسؤولية الحماية»، اقترحت جملة مبادئ بُنيت على قاعدة أن السيادة الوطنية ليست حقاً، وإنما هي مسؤولية بالدرجة الأولى وعرضت على الجمعية العامة في عام 2005ووافق عليها 191 دولة .

– على المستوى الاقتصادي : وقّعت 191 دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة على اعلان الأمم المتحدة للألفية عام 2002 عرف باسم الأهداف الانمائية للألفية (MDG ) ربطت بين الارهاب والفقر وحددتها بثمانية أهداف منها

– تخفيض الفقر بنسبة النصف بحلول عام 2015 مقارنة بخط أساس عام 1990 .

انهاء الفقر المدقع بحلول عام 2025 .

مساعدة الدول الغنية للدول الفقيرة كي تستطيع أن تحقق تقدما على سلم التنمية الاقتصادية قبل عام 2025 .

تشكلت لجنة من خبراء اقتصاديين لرئاسة مشروع الأمم المتحدة للألفية بإدارة مارك مالون براون وعضوية جوزيف شامي والأمريكي جيفري ساكس الذي قال في مشروعه المقدم للخطة عام 2004 ما يلي : علينا استخدام ثروتنا بصورة عاقلة لشفاء كوكب منقسم على نفسه , ولإنهاء معاناة الذين مازالوا مكبلين بالفقر , واقامة رباط مشترك للبشرية , والوصول الى الأمان , وبناء هدف مشترك عبر الثقافات والأقاليم المشتركة .

ج – على المستوى الانساني تشكيل محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة من يرتكب جرائم بحق الانسانية .

تلك الأجواء ساهمت في تحريك ما يعرف برياح التغيير في العالم والتي وصلت الى منطقتنا حيث نزلت جماهيرها الى الشوارع علّ وعسى يساعدها العالم الجديد على الظفر ببعض حرياتها المصادرة من حكامها الفاسدين والمستبدين , لكن الرياج جرت فيما بعد بما لاتشتهي السفن .انعكس اتجاه الريح مع وصول رجل المخابرات الروسية الى ىسدة الحكم وتمكنه من خلق شعبوية قومية روسية همّها إعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية على حساب المناداة بالانسان وحقوقه في العالم. وهكذا تكون الدولة الروسية بإعلائها الطبقي على الانساني قد عاكست حركة التاريخ مرتين. في المرة الأولى عندما تبّنت النهج الماركسي القائم على ديكتاتورية البروليتاريا , وفي المرة الثانية عندما أخذت على عاتقها حماية الديكتاتوريين في العالم من غضب شعوبهم بالتعاون مع مافيا السلاح والطاقة ومع كل من يقف بوجه الثورات التي تسميها القيادة الروسية ملونة .

في سوريا بلدنا الحبيب خرج الشعب السوري يطالب بحريته في آذار عام 2011 بعد معاناة فظيعة مع أجهزة امن تحصي عليه أنفاسه وقد توّهم ان العالم الجديد لن يسمح بتدمير مدنه كما حدث لحماه في القرن المنصرم, ولكن ما الذي جرى منذ تلك الأيام وحتى الآن , لقد استطاعوا تشويه ثورته وحرفها عن سكتها ولم يساعد الشعب السوري أحدا في تخفيف ويلاته وكان وما يزال يعاني من استعمال كل أنواع الأسلحة بما فيها الحصار والتجويع العائد للقرون الوسطى, والمجتمع الدولي عاجز عن حماية مدنييه. والآن وقد سلّم العالم الملف للقيادة الروسية بعد احتلال جيشها سوريا , وبعد أن نجحت تلك القيادة نجاحا كبيرا منذ ان استعملت حق الفيتو أول مرة ضد إرادة كل شعوب الأرض ودافعت عن النظام في كل المحافل الدولية واصّرت وما تزال تصر على ان ما يجري في سوريا ليس ثورة بل حرب أهلية يراد بها ولها إسقاط نظام شرعي بالقوة !؟ وقد كانت وما زالت تعمل بخبث وذكاء لاجهاض أي معارضة تعمل بالتوازي مع حركة شعبها المصرة على الظفر بالحرية. وهاهو العالم يجاريها الآن في الضغط على المعارضة بدلا من الضغط على النظام . لم يكن ليحصل ذلك لولا تنكر العالم وفي مقدمته الغرب وامريكا لمبادئهم التي تحض على الحرية وبدلا من ذلك ارتفع الصوت داخل تلك البلدان عن المجتمعات المتجانسة علنا كما فعل زعيم الادارة الأمريكية الذي يتحدث علنا عن عنصريته ويرفع شعار أمريكا أولا , وهو ما قاده الى الانسحاب من اتفاقية المناخ العالمية بحجة ان الانبعاث الحراري بدعة اخترعتها الصين والعالم هي من أجل اضعاف أمريكا , لم يجد الرئيس الأمريكي بالرئيس الروسي سوى زعيم زكي يجب احترامه, اما محاولته لتركيع العالم بالقوة وخرقه لحقوق الانسان والديمقراطية التي تعهد الدستور الأمريكي بالدفاع عنها فذلك من الماضي .

هذه الأجواء العنصرية في العالم الحديث شجعت رئيسنا للحديث علنا. عن المجتمع المتجانس في بلده, المجتمع المتجانس التي عملت له كل الأنظمة الشمولية وعلى رأسهم ستالين وهتلر , المجتمع المتجانس الذي يريد لمواطنيه أن يستكينوا لبناء جمهورية يرثها الآباء عن الابناء وتكون نتيجة أي استفتاء او تصويت لاتقل عن 99% لصالح الزعيم , اما المجتمع الديمقراطي القائم الحرية , حرية الاختلاف وتداول السلطة فيجب ان نحارب ظهوره باي شكل في سوريا وغير سوريا كما تفعل القيادة الروسية ومن خلفها االقيادة الأمريكية لأنه يؤثر على مصالح الدولتين الكبيرتين .

لقد قالت لجنتنا في اللاذقية منذ ان تشكّلت وحتى الآن في كل ندواتها ووثائقها وتقاريرها ودراساتها : ان العامل الخارجي وليس الداخلي هو الحاسم في انتصار الثورات حاليا , والشعب السوري يعّول على مساعدة العالم له للانتقال من فضاء الاستبداد الى فضاء الديمقراطية,ونبهت مرارا من معالجة الارهاب بالأسلحة فقط من دون التوازي مع العمل لتجفيف أسبابه. وهذه الكلمات التي قلناها في تقريرنا السنوي الصادر في شباط 206 خير دليل على ذلك ( ان هذا النهج خطير جدا واذا لم يعاد النظر فيه بحيث ينتج المجتمع الدولي مجلس امن جديد يكون فيه القانون سيدا بدلا من القوة , وتقوم في ظله الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة ويتوازى فيه القول مع العمل من اجل الانسان وحقوقه – ستكون آثاره كارثية مستقبلا على الجنس البشري ) .

من يدري فقد تتغير اتجاه الريح ويصحو الضمير العالمي بعد طول معاناة – سواء جاءت الصحوة نتيجة مظاهرات سلمية ام نتيجة حرب بين الكبار على تقاسم النفوذ – ويعود الى بداية انطلاق العولمة , الى روح ثقافة وحضارة البشرية التي تلح على مساعدة الشعوب الجادة في طلب حريتها كما هو الحال بالنسبة لثورتنا وليس الى دعم حكامها المستبدين .المؤشرات على ذلك ولو كانت خافتة حتى الآن تبعث الأمل للشعب السوري المصر على طلب حريته والتي تعترض على سلوك القيادة الروسية المصرة على حماية النظام السوري من أي محاسبة . استقالت مسؤولة الملف الانساني في هيئة الأمم المتحدة بسبب سلوك الروس الذي يستعمل الفيتو من اجل منع تحويل الملف السوري الى محكمة الجنايات الدولية, وهاهو ستيفين أوبراين وكيل الأمين العام للشؤون الانسانية يفكر بنفس الطريقة على مايبدو . لقد قال حرفيا في جلسة مجلس الأمن المنعقدة بتاريخ 30/8/2017 حرفيا ( اننا جميعا شهود على تدمير دولة ومواطنيها وأطفالها ومستقبلها , شهدنا أطفالا يموتون جوعا وطفلا غريقا على الشاطئ بعد محاولة اسرته اليائسة للفرار من الويلات المخزية في سوريا والمستمرة حتى يومنا هذا . … ان ما يتسبب في الانقسام بننا في هذا المجلس ليس اهم ما يجب ان يوحدنا جميعا وهو انسانيتنا المشتركة لتخفيف معاناة الأشد ضعفا , منح الأمل والمستقبل للنساء والرجال وكبار السن والمرضى والأطفال العالقين في الأزمات … ) . كلام يذكرنا ببداية العولمة وحديثها عن انسانيتنا المشتركة وهو ما يغيظ القيادة الروسية والايرانية وحزب الله والنظام السوري من دون شك .

لا يستحق الشعب السوري كل ذلك العبث بقضيته وعلى أرضه وفي سمائه , بل يجب مساعدته على الظفر بحريته بدلا من المتاجرة بدمائه ونتمني أن يبدأ من خلال صوت مرتفع لممثلي الدول في اجتماع الجمعية العامة هذا العام والذي يحض على مساعدته .

لجنة اعلان دمشق في اللاذقية . ايلول 2017

………………………….

هذه هي الوثيقة الرابعة التي تصدر عن اللجنة وقد سبقها ثلاثة وثائق هي

من أجل لاذقية يتكامل فيه الريف مع المدينة . تشرين الثاني 2011.

التوظيف السياسي للعلويين واي مستقبل ينتظرهم ؟ كانون اول 2015.

رؤية لجنة اعلان دمشق في اللاذقية لسوريا الجديدة . تشرين ثاني 2016




المصدر