لماذا لا يزور (بشار الأسد) مدينة حلب؟




زياد عدوان: المصدر

بعد سيطرة النظام وميليشياته على مدينة حلب وأجزاء من ريفها، أجرى بشار الأسد العديد من الزيارات شملت محافظتي حماة وطرطوس، بالإضافة لقاعدة حميميم العسكرية الروسية، ولعل بشار الأسد قد تناسى محافظة حلب ولم يبدي أي رغبة بزيارتها أو حتى أداء صلاة العيد فيها.

وقد كرر بشار الأسد زياراته لطرطوس من أجل متابعة المشاريع التي تقدَّم بشكل خاص لمناطق سيطرة النظام وخاصة في الساحل السوري، وخلال الزيارة التي كانت في الرابع والعشرين من شهر آب الماضي تفقد الأسد مجمع المشروع الإنتاجي في منطقة عين البيضة بريف طرطوس، ويعتبر هذا المجمع الأضخم من حيث تصنيع الألبان والأجبان وعصر الزيتون وإنتاج نحو 150 طن من الأعلاف.

ولم ينسَ الأسد زيارة قاعدة حميميم العسكرية لتأدية فروض الولاء والطاعة للاحتلال الروسي والذي اقتطع عشرات الآلاف من الأراضي الزراعية وحولها لقواعد عسكرية تابعة له، وبعد مرور نحو شهر أدى الأسد صلاة عيد الفطر في جامع النوري في مدينة حماة، وخلال فترة العيد زار الأسد وزوجته في السادس والعشرين من شهر يونيو بعض الجرحى من عناصره في ريف حماة، متناسياً زيارة الجرحى من عناصره في مدينة حلب، والذين ملأوا المستشفيات.

وظن أهل مدينة حلب قبيل حلول عيد الأضحى المبارك أن بشار الأسد سيزور المدينة ويؤدي صلاة العيد فيها، ولكنهم تفاجأوا بتأديته الصلاة في منطقة القلمون الغربي، ونسيان مدينة حلب بل وإزالتها من خارطة برامجه المستقبلية وزياراته المكوكية التي يخصصها لزيارة طرطوس واللاذقية والقيام بجولات داخلية في دمشق، فلماذا يتخوف الأسد من زيارة حلب بالرغم سيطرة ميليشياته عليها؟

ولعل بشار الأسد يتخوف من القدوم إلى مدينة حلب لسببين، وهما أن المدينة لازالت تعاني من انفلات زمام الأمور وعدم تمكن أجهزته الأمنية من ضبط المدينة في ظل تنامي هيمنة وسطوة عناصر الشبيحة والميليشيات على المدينة لدرجة أن معظم عناصر الشبيحة والميليشيات يقومون بإيقاف السيارات المدنية والتجارية على الحواجز العسكرية بعد سلبهم مبالغ مالية كبيرة، وقد تكررت الحادثة عدة مرات في مدينة حلب حتى أن بعض عناصر الشبيحة في إحدى الأحياء الغربية لمدينة حلب قاموا بإيقاف سيارة وطلبوا منه إعطاءهم مبلغاً مالياً قائلين له “إذ بشار الأسد بدو يمر من هاد الحاجز لازم يدفع”، وهذا ما يبرر انجرار المدينة إلى حالة من الفوضى والفلتان الأمني، الأمر الذي يسهم باختراق صفوف عناصر الشبيحة والميليشيات بكل سهولة من خلال تقديم الإغراءات المالية لهم، بالإضافة لتمكن سرية “أبو عمارة للمهام الخاصة” التابعة لكتائب الثوار بالوصول إلى عدة أهداف حساسة داخل المدينة وتفخيخها والقيام بعمليات نوعية استهدفت قوات النظام وميليشياته.

وقد ترددت خلال الفترة الماضية، وخاصة بعد إعلان النظام وميليشياته السيطرة على المدينة، أنباء أن بشار الأسد ينوي زيارة مدينة حلب، ولكن الروس منعوا الأسد من القدوم لمدينة حلب، وهنا نرى أن الصدفة قد تكررت مع الأسد الأب والأسد الابن الذي لم يستطع القدوم لمدينة حلب منذ إعلان السيطرة عليها. ففي عام 1980 أثناء مراسم توديع رئيس نيجيريا، قام أحد عناصر الحماية التابعين لحافظ الأسد بإلقاء قنبلتين عليه، فما كان من عناصر الحماية إلا التصدي للقنبلتين ونجاة الأسد من الاغتيال، وكانت مصادر إعلامية متطابقة تحدثت عن أحداث الثمانينيات بأن الشخص الذي حاول اغتيال الأسد الأب هو من عائلة درويش من مدينة حلب، وقد تعرضت العائلة لحملة إبادة واعتقال، ومنذ ذلك الحين لم يقم الأسد الأب بزيارة مدينة حلب، وقد غضب حافظ الأسد على أهالي مدينة حلب معتبراً أن جميع سكانها “إخونجية”، حتى أن الأسد الأب منع تقديم الخدمات للمدينة حتى ما كان يسمح بتزفيت شوارعها لمدة تجاوزت العشر سنوات، بالإضافة لإهمال بناء القصر البلدي أكثر من 25 عاما.

كما قام الأسد الأب بهدم العديد من الأحياء التي تعرضت لمجازر على يد سرايا الصراع وسرايا الدفاع التي كانت بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، وأبرز تلك الأحياء والحارات هي حي المشارقة القديم والذي ارتكبت فيه سرايا الصراع إحدى أكبر المجازر التي نفذها نظام الأسد الأب على يد رفعت الأسد، وبُني على أنقاض الحي المهدم كراج للبولمانات ومكتبة الأسد والقصر البلدي، بالإضافة لافتتاح مكاتب شحن وتصدير، بينما تحدثت مصادر إعلامية أن من نفذ محاولة اغتيال الأسد الأب هو أحد الضباط في فريق الحماية الخاص بالأسد وهو من ريف إدلب.

وبعد مرور نحو تسعة أشهر على سيطرة النظام وميليشياته على مدينة حلب، لم يتجرأ بشار الأسد على زيارة المدينة التي اعتُبر “تحريرها” “نصراً كبيراً وضربةً قسمت ظهر الدول الكبرى الراعية للإرهاب”، وعلى غرار ما حدث في ثمانينيات القرن الماضي فإن غضب الأسد الأب أعاده الابن من خلال حرمان الأحياء الشرقية والجنوبية من تقديم الخدمات، وأهمها وصول الكهرباء لتلك الأحياء إلا عند طريق الأمبيرات، تاركاً مصير آلاف المدنيين في تلك الأحياء رهناً بيد أصحاب المولدات الكهربائية والتي غالباً ما يكون مالكها من قادة المجموعات التابعة لقوات النظام وميليشياته.

ويعمل إعلام النظام بشكل مستمر على إظهار عودة الحياة لطبيعتها في مدينة حلب، وأن الكهرباء والماء متوفرتين، ولكن اعتبر أهالي المدينة وصول كهرباء الخط البديل نقمة وليس نعمة بسبب هبوط التوتر، كما أن الحياة طبيعية جداً في مدينة حلب، إذاً فلماذا لم يزرها بشار الأسد خلال الأشهر القليلة الماضية بالرغم من إحكام السيطرة عليها؟ وهل سيتكرر السيناريو ذاته بحرمان الأسد الابن من الوصول إلى مدينة حلب؟ أم أن بشار الأسد قد أزال حلب التي حقق فيها “نصرا عظيما على الإرهاب الدولي” من خارطة زياراته؟ وكرس اهتمامه بمناطق الساحل السوري وخصوصاً ريف طرطوس الذي أصبح العاصمة الاقتصادية لمناطق سيطرة العائلة الحاكمة.




المصدر