تثبيت “الفران البشري” رئيسًا


نزار السهلي

المحققون يتبعون الأمم المتحدة، والتقرير وضعه محققو جرائم الحرب في المنظومة الدولية التي تُذكّرنا كل تحقيقاتها، بمسؤولية الأسد عن الجرائم، والانتهاكات المتعددة، بما فيها استخدام السلاح الكيماوي، ولا يصدر التقرير الأخير عن “جماعات مناوئة” للنظام، بل يؤكد استخدام الأخير عشرين مرة للسلاح الكيماوي ضد السكان المدنيين، ومسؤوليته عن مقتل المئات في تلك القذائف.

توثيق الجرائم وعرضها في تقارير شبه دورية، على مدار أعوام المذبحة السورية، لا يضيف جديدًا، خصوصًا كما أشرنا سابقًا، أن معظم أجهزة الاستخبارات الغربية، وأقمارها الصناعية ترصد كل تحركات جيش النظام، وعرضت في السنوات الماضية صورًا، أظهرت في تقنيتها -قبل وبعد- بعضَ المناطق التي طالها تدمير وتطهير عرقي، والأنكى أيضًا أن الأمم المتحدة ومعظم ساسة البيت الأبيض شاهدوا صور الآلاف من الضحايا، في أقبية الزنازين الذين قضوا تعذيبًا، والكشف الفظيع عن الأفران البشرية التي عمل النظام على شيّ الجثث للتخلص منها.

يُلقي التقرير الدولي مسؤوليةَ الهجمات الكيماوية على نظام الأسد، قبل أيام من انطلاق النسخة السادسة من مفاوضات أستانا التي تديرها موسكو وطهران، بضمان تركيا، وكانت مفاوضات جنيف، برعاية المنظومة الدولية، لا تقترب من تلك التقارير، ولا تقف عند الانتهاكات والفظائع، لا حديث هنا عن مزاعم، ولا عن شبهة الجريمة.

بخلاف كل ذلك، يجري استخدام حقائق جرائم الأسد، كصندوق “انتخاب إجباري”، تُحاول المؤسسة الكاشفة للجريمة فرضَه على الشعب السوري، من خلال تبني رؤية المجرم: “إما أحكمكم أو أقتلكم” التي ينفذها الأسد، برعاية كلّ من طهران وموسكو، تشخيص الجريمة ووصفها، دون تقديم لائحة اتهام دولية ضد النظام، يعني أمرًا مشبوهًا لتثبيت الأسد ونظريته بمزيد من ممارسة الجرائم ومباركتها، وصولًا إلى تطويع الشعب السوري.

بالعودة إلى فحص كل بيانات إدانة النظام في دمشق، سواء المتعلق منها في تقارير المنظمات الدولية أو الدوائر السياسية الغربية، فإنها تنتمي إلى بيئة واحدة تحمل في داخلها عداءً لتطلعات الشعب السوري، ومزيدًا من التدليس والنفاق لحماية النظام ووظيفته، أي تتعدى الصفة الإجرائية لإصدار البيانات وتوصيف الجرائم، إلى جعل المجرم أكثر حرية وصلافة، فما تعني كل العملية السياسية التي تؤكد كلُّ الأطراف الدولية حرصَها على نجاحها، وفي الوقت ذاته بعض أطرافها يعي تمامًا أيّ سفاح يقود سياسة الأرض المحروقة ضد الشعب السوري!.

تمويه النقاش عن الجرائم، والتغافل عنها واقتصار الحديث عن مأزق “المفاوضات السياسية”، يتقاطع في كثير من الأحيان مع الجذور المنهجية والعملية لوظيفة الأسد في المجتمع السوري، الأمر الذي يدفعنا للقول إننا أمام أزمة شاملة تضرب في أكثر من اتجاه، وهو ما يمكن التعبير عنه في أزمة “بيانات الإدانة” ضد النظام، وبين تقديم لوائح الاتهام الدولي للأسد كمجرم حرب، يجب توقيفه وتقديمه للمحاكم عن الفظاعات التي ارتكبها، حسب توثيق المنظمات الدولية، وبين تراجع بعض المواقف الدولية من الأسد نفسه؛ ومن ثم إعادة التأكيد على مواقف سابقة بعدم قبوله في سورية المستقبل.

يُدرك الجميع -بمن فيهم مناصرو الأسد- أن كل محاولات التمويه والنفخ بالنظام بكل الهواء الملوث بغاز السارين ورائحة الجثث البشرية، هو ابتذال لمستوى قميء، والتعامل مع هذا الابتذال والنفخ الخلّبي سيُقابل بتنفيس طبيعي، باعتبار أنّ منصة الانطلاق لأي تغيير، وأي عملية سياسية، وأي بيان دولي لا تكون مهمته محاكمة المجرم، لن تُجدي نفعًا، وقد غدا الأسد تابعًا وخاضعًا ومتحولًا لأداة يستخدمها الروسي والإيراني والأميركي والإسرائيلي والغربي، ويُدرك كل هؤلاء أن من قطع الطريق، على استمرار وظيفة الأسد، سيتخطى محاولات تثبيته.




المصدر