شباب سوريون يدفعون (الحيلة والفتيلة) ليفارقوا وطنهم




أسامة أبو زيد: المصدر

ينزح أبناء الشعب السوري من مدنه وبلداته وقراه حاملاً معه هموماً تعجز عن حملها الجبال الراسيات، فمنهم من يخرج قسراً من أرضه وبيته ومنهم من يخرجه الموت الذي فتك بأسرته وأهله وأقربائه، ومنهم من هرب من الواقع المر الذي أوصل حاله لنقطة ما تحت تحت الصفر.

يعيش بعدها النازحون حياة القهر والمشقة في المخيمات والمآوي الجماعية لتبدأ رحلة البحث عن الحياة الأفضل التي لم يجيدوها في موطنهم فقصدوا الهجرة خارج البلاد.

وتعد فئة الشباب الفئة الأكثر رغبةً في الهجرة خارج البلاد، ومحاولة الحصول على الأفضل في بلاد الجوار أو بلاد الغرب البعيدة، وهرباً من شبح الموت أو الاعتقال أو الجندية والاستغلال، ليواجهوا شبح الهجرة ودفع الأموال الطائلة للتنقل بين البلد والآخر بطرق غير شرعية، خصوصًا مع إغلاق الحدود السورية مع كل دول الجوار.

وهنا يظهر لنا تجار البشر “المهرّبين” الذي ينتقلون بالناس من بلدٍ لآخر ومن مكان لآخر بمبالغ كبيرة يعجز عن دفعها الكثيرون فيعملون لسنوات حتى يستطيعون تأمينها.

“عمار” شابٌ خرج من حي الوعر في حمص ضمن الاتفاق الأخير الموقّع مع الضامن الروسي عاش حياة النزوح بمرارته في محافظة إدلب التي قصدها وغرق في دفع ثمن آجار المنزل والمياه والكهرباء والمتطلبات التي لا تنتهي، وفي المقابل لا مردود له ولا عمل يستعين به، فقرر الهجرة إلى تركيا.

الهجرة بالنسبة لـ “عمار” كانت الحلّ الوحيد المتاح أمامه ولكن السبيل إليها صعب ومكلف جداً، فقد يتعرض للخطر، وقد يلقى عليه القبض من قبل حرس الحدود، بالإضافة إلى دفعه لمبلغ قد يتجاوز الـ 700 دولارٍ والتي لا يملكها أصلاً.

قال عمار لـ “المصدر”: “إن حالي كحال الكثيرين من الشباب النازح، نعمل ليل نهار وندخر ما بوسعنا من المال، من أجل دفعهم للمهربين الذين سيعملون على إدخالنا لتركيا”.

في المقابل، عشرات من الشباب يدخلون يومياً عبر الحدود إلى تركيا بطرقٍ غير شرعية، ويدفعون كلّ ما بحوزتهم من أجل دخولهم لتركيا في محاولةٍ لتحسين أوضاعهم المعيشية، إلا أن ضغط العمل داخل البلد الشقيق وارتفاع الأسعار وطول ساعات العمل وصعوبته، يثقل كاهل الشباب السوري، فيجعلهم يعملون ليل نهار من أجل تأمين لقمة العيش لأنفسهم.

أما في ريف حلب الشمالي فتحدث “ناصر” لـ”المصدر” عن رغبته الشديدة في الهجرة لتركيا ومنها إلى أوربا، إلا أن الرحلة مكلفة جداً، ومستحيلة فهو مضطر لدفع 1500 دولارٍ من أجل العبور إلى الحدود التركية فقط، وخمسة آلاف أخرى من أجل هجرته من تركيا إلى أوربا، وهو لا يملك من التكلفة إلا القليل.

وقال “ناصر” أنا أعمل في ريف حلب الشمالي لأجل تأمين عبوري إلى تركيا وعندما أدخل إليها سأعمل لكي أؤمن مبلغ رحلتي إلى أوربا ولا أعلم كم من السنوات سأمضي على هذا الحال.

حال ناصر وعمار كحال مئات آلاف الشباب السوري الذين هاجروا خارج البلاد أو يحاولون الهجرة منها، في محاولة منهم لتحسين أوضاعهم وحياتهم الصعبة التي تدمرت شيئاً فشيء وأنهكت شتى فئات الشعب السوري بصغيره وكبيره وفقيره وغنيه.

ولا يزال حال البلاد في توتر دائم ونزوح داخلي أو هجرة غير شرعية مستمرة، دون وجود أي حل يلوح بالأفق القريب، يرفع الظلم عن هذه البلاد، ويعيد المهجرين والنازحين إلى مواطنهم ويعيد بناء هذا الوطن الذي دمر بكل معانيه.




المصدر