فزغلياد: كوريا الشمالية أصبحت خطرًا حقيقيًا ليس على الولايات المتحدة الأميركية وحسب، بل على روسيا أيضًا


جيرون

أعلنت كوريا الشمالية عن نجاح تجربة قنبلةٍ هيدروجينية، وبحسب تقديرات الخبراء، فإن القنبلة المختبرة فاقت بعدة مراتٍ تلك التي ألقاها الأميركيون على هيروشيما. يعبّر بعض المراقبين عن شماتتهم، ولكنّ الابتهاج، بتمريغ الكوريين الشماليين أنفَ الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية بالتراب، أمرٌ سابقٌ لأوانه؛ ذلك أن روسيا أيضًا ستكون أحد المتضررين من عواقب هذا العمل.

اتفق رؤساء أركان جيوش الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية على “تحضير وتنفيذ إجراءاتٍ للرد عسكريًا”، على كوريا الشمالية. وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت رسميًا عن نجاح تجربة تفجير قنبلةٍ هيدروجينية، وقالت في الوقت نفسه: إن العبوة معدةٌ لتحملها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأكد زعيم كوريا الشمالية كيم تشين إين أنّ كافة مكونات القنبلة “صُنعت في البلاد”.

بالفعل، فقد سُجلت، في الوقت نفسه من ليلة الأحد، هزتان أرضيتان في منطقة مدينة كيلتشو، حيث يوجد ميدان تجارب بهونجيري. بلغت شدة الزلزال الأول 5.6-6.4، والثاني-4.6 درجة على مقياس ريختر. حصلت الهزتان على سطح الأرض، وكان مصدرهما اصطناعيًا؛ ما دفع اليابان وكوريا الجنوبية إلى الإعلان بثقةٍ أن كوريا الشمالية قد أجرت تجربتها النووية السادسة.

وكالة الأرصاد الجوية اليابانية أكدت أن قوة الهزات التي أعقبت التجربة الأخيرة، فاقت قوة جميع التجارب النووية السابقة بعشرات المرات. وبحسب التقديرات الأولية، فقد كانت قوة التفجير تعادل 70 كيلو طن، أي أقوى بثلاث مرات من القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة الأميركية على مدينة هيروشيما، عام 1945، بحسب وزارة الدفاع اليابانية. أما بحسب معلومات ممثلي المعهد النرويجي المستقل لدراسة الزلازل، فإن قوة التفجير بلغت 120 كيلو طن من مكافئ التروتيل، تنقل وكالة (تاس) عن المعهد.

فيما بعد، نشرت وسائل الإعلام صورًا فوتوغرافية، يظهر فيها كيم تشين إين، في معهد التصميمات النووية، وهو يستعرض القنبلة قبل تجربتها.

لم يرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكلٍ فوري على الأنباء المتعلقة بالتجربة الكورية، ولكنه كتب فيما بعد على حسابه في (تويتر): إن أفعال كوريا الشمالية “عدائيةٌ جدًا، وتشكل خطرًا على الولايات المتحدة الأميركية”، وإن كوريا الشمالية “بلدٌ منبوذ، أصبح خطرًا على الصين التي تحاول المساعدة، ولكن دون نجاحٍ يذكر”. وأضاف الرئيس الأميركي أن كوريا الجنوبية تدرك الآن أنّ المفاوضات مع كوريا الشمالية لن تجدي نفعًا، وبيونغ يانغ “تفهم شيئًا واحدًا فقط”.

من جانبها، أجرت المستشار الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالًا هاتفيًا، أعربا خلاله عن ضرورة فرض عقوباتٍ مشددة ضد كوريا الشمالية. وأكدت رئاسة وزراء ألمانيا الاتحادية أنّ “استفزاز سلطات بيونغ يانغ الأخير بلغ مستوى نوعيًا جديدًا”. وكانت رئيس الدبلوماسية الأوروبية فيديريكا موغيريني، قد صرحت قبلها، بأن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن التجارب النووية الكوريَة الشمالية تشكل تهديدًا للأمن العالمي.

وزير خارجية النمسا سيباستيان كورتس صرح أن “تجارب كوريا الشمالية النووية متهورةٌ وغير مسؤولة”، داعيًا بيونغ يانغ إلى التوقف عن ممارسة الاستفزاز. ووصف مدير وكالة الطاقة الذرية ياكي أمانو تجارب كوريا الشمالية “بالعمل المحزن”، ولكنه أعرب، في الوقت نفسه، عن استعداد الوكالة لدعم التسوية السلمية للأزمة.

من روسيا، جاءت تصريحاتٌ قاسية، حيث قال نائب رئيس لجنة المجلس الفيدرالي لشؤون الأمن والدفاع فرانس كلينسيفيش: إن كوريا الشمالية “قد تجاوزت الخطوط”. ونقلت قناة (آر تي) عنه قوله: “إذا كان الأمر في السابق مبارزةً، لا يمكن أن تؤدي إلى نشوب نزاعاتٍ جدية، فإن التجارب الأخيرة هي استفزازٌ من جانب كوريا الشمالية. وهذا أمرٌ جدي بالفعل”.

لا تستبعد بعض وسائل الإعلام الغربية أن تكون بيونغ يانغ تكذب من جديد، إلا أن الخبراء لا يشاطرونها هذا “التفاؤل”. إعلان كوريا الشمالية عن نجاح تجربة القنبلة الهيدروجينية “قريبٌ جدًا من الحقيقة”، قال لصحيفة (فزغلياد) بروفيسور جامعة كينمين في سيؤول، أندريه لانكوف. فالكوريون عملوا بتصميمٍ ملفت على تصنيع السلاح الحراري النووي؛ لديهم الحاجة السياسية والعسكرية لامتلاكها، كما أنهم يمتلكون القدرات التقنية، المعدات، الخبراء والأموال.

أضاف الخبير متحدثًا عن الصور الفوتوغرافية التي يظهر فيها كيم تشن إين بجانب القنبلة: “إنها المرة الثانية التي يعرض فيها الكوريون الشماليون عمدًا منشآتهم النووية التي تبدو بوضعٍ جيد، ليقنعوا الجميع بأنها حقيقية وقادرة على العمل. وكان القليل من الخبراء يعتقد أن الكوريين الشماليين سيتمكنون من تدبر إنتاج القنبلة في هذا الوقت القصير، ومع ذلك، ها هم تمكنوا. الكوريون الشماليون أناسٌ أذكياء، محبون للعمل، وجميعهم بلا استثناء بارعون”.

وأكد لانكوف أن إمكانية “الرد العسكري” الذي تحدثت عنه واشنطن وسيؤول محدودة للغاية: “هذه ليست سورية، حيث بالإمكان توجيه حملةٍ عسكرية تأديبية وقصف أحدٍ ما. أي عملية عسكرية ضد جمهورية كوريا الشمالية، ستتسبب بتوجيه ضربةٍ هائلة إلى سيؤول”.

وأعاد البروفيسور إلى الذاكرة، حادثة احتجاز الكوريين الشماليين سفينة تجسسٍ أميركية، في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، حيث أسفر الحادث في ذلك الحين عن مقتل بعض أفراد طاقم السفينة. وأوضح الخبير “ومع ذلك، لم تقم واشنطن بالرد عسكريًا؛ لأن نيكسون قرر أن المخاطر كبيرة إلى درجة لا تسمح بالرد”. أما الآن، فقد زادت كمية ونوعية أنظمة المدفعية والصاروخية التي تحشدها بيونغ يانغ، على مشارف سيؤول عمليًا.

وحتى مع الحماسة الحالية التي تبديها قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وخاصةً دونالد ترامب، فإنه ليس بمقدور الأميركيين القول إن توجيه ضربةٍ إلى سيؤول هو حربٌ في مكان ما، ليس عندنا. في ظروف “حربٍ جدية” كهذه؛ سيقع الكثير من الضحايا، بما في ذلك في صفوف الأميركيين. وبالأخذ بالحسبان وجود “سلاح نووي ما ووسائل نقله، لا يجوز استبعاد استخدام كوريا الشمالية له، بما في ذلك ضد أهدافٍ أميركية”. ويؤكد لانكوف: “المخاطرة هنا ليست كبيرةً، ولكنها حقيقية تمامًا؛ فالسلاح النووي يبرد الرؤوس الحامية جميعها”.

يبدو أن الحديث في تحذير واشنطن يدور، على الأرجح، حول رفع الجهوزية القتالية والتواجد العسكري الأميركي في المنطقة، وكذلك عودة الأسلحة النووية التكتيكية الأميركية إلى شبه الجزيرة الكورية (وكانت قد سُحِبت بداية التسعينات). بالإضافة إلى ذلك، تستطيع الولايات المتحدة الأميركية رفع القيود عن أنظمة الصواريخ الكورية الجنوبية، حيث لها الآن مدًى وحمولة تفجيرية محدودين. ويعتبر الخبير أن “كل التجهيزات جاهزة، وبإمكان الكوريين الجنوبيين إعادة ترتيب صفوفها بسرعة. وسيكون المجتمع الدولي مضطرًا للقبول بـ “كوريا الشمالية النووية”.

في منشورات بعض وسائل الإعلام، تُشتم رائحة الشماتة، مدعيةً أن “كوريا الشمالية قد وجهت صفعةً للولايات المتحدة الأميركية”؛ إلا أن عدد الخاسرين هنا سيكون أكبر، ومن ضمنهم روسيا. فقد تلقى نظام منع انتشار الأسلحة النووية أقوى ضربةٍ في كل تاريخه. وروسيا -كونها دولة نووية- تحصل على الفائدة الأكبر من وجود نظام منع انتشار الأسلحة النووية. “اليوم كوريا الشمالية، فمن سيكون غدًا، ومن سيصبح نوويًا بعد غد؟”.

لا يستبعد الخبير أن السلاح النووي سيكون -عاجلًا أم آجلًا- بحوزة دولٌ جديدة، ستكون علاقات روسيا معها كحال علاقاتها الآن مع أوكرانيا وجورجيا. بالإضافة إلى ذلك، كلما زاد عدد الرؤوس النووية في العالم؛ أصبحت إمكانية وقوع التكنولوجيا بيد الإرهابيين أو بيد أشخاصٍ غرباء أكبر، وزاد احتمال حدوث عمليات إطلاقٍ عرضية غير مسموحٍ بها”.

غير أن الأمر المهم، أنه بعد ذلك سيكون “من غير المجدي على الإطلاق السعي لخفض التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأقصى”، حذر الخبير. والآن، سيدافع عن هذا الوجود بكل تصميم، ليس الأميركيون وحدهم، بل الكوريون الجنوبيون أيضًا.

يشير لانكوف إلى أن “محاولات الضغط على كوريا الجنوبية ستقابل من جانبهم بالقول بوضوح: أنتم -روسيا والصين- لم تفعلوا شيئًا لوقف برنامج كوريا الشمالية النووي؛ لذا وجهوا احتجاجاتكم إلى الجهة الصحيحة”. وخلص الخبير إلى أن “نشر مجموعةٍ كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي الأميركية، الموجهة حاليًا إلى كوريا الشمالية، يمكن أن يستخدم مستقبلًا لتحييد القدرات النووية الروسية. إنها مسألة وقتٍ، وحسب”.

اسم المقالة الأصلية Северная Корея стала настоящей угрозой не только для Запада, но и для России كاتب المقالة مارينا بالتتشوفا مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 3 آيلول 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/world/2017/9/3/885467.html ترجمة سمير رمان


المصدر