on
«ميدل إيست آي»: بالرغم من القمع والحروب.. هناك أمل في الديمقراطية بالشرق الأوسط
قال ريان الأمين في مقال له على موقع «ميدل إيست آي» إن جذور الديمقراطية ما تزال متشبثة بأرض الشرق الأوسط، وأنه ما إن تضع الحرب الطائفية أوزارها وتتوقف القوى الكبرى عن العبث بمصير المنطقة، سيعلو صوت الشباب المطالب بالحرية مجددًا، وإليكم ترجمة المقال كاملًا:
ففي العديد من الحالات، عُرقل النضال من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية في العالم العربي من الثورات المضادة والحروب الأهلية والتدخلات الدولية والطائفية والتطرف الإسلامي والاستبداد، ولكن هذه الحقائق القاسية على الأرض، فضلاً عن عدم قدرة الأمم المتحدة والقوى الغربية على التوسط أو حل الصراعات في المنطقة، أعادت بعض العرب إلى نقطة البداية – إلى الشوارع.
كان السبب وراء معظم الاحتجاجات هو عدم وجود أي بديل. ولم يظهر أي نموذج آخر للتغيير، سواء إقليميًا أو عالميًا. وشهدت شعوب المنطقة بنفسها – سواء كانوا عربًا أو بربر أو كردًا أو غيرهم – العواقب الكارثية لعدم امتلاكها زمام المبادرة.
عودة موجة الاحتجاجات إن الاحتجاجات المتفرقة التي شهدها المغرب هذا العام، وكذلك الاحتجاجات في لبنان ومصر والعراق خلال العامين الماضيين، قد لا تكون قد استحوذت على خيال معظم المواطنين أو اهتمام وسائل الإعلام الرئيسة، لكنها كانت ذات أهمية بالرغم من ذلك. لا تتعلق أهميتها بإدخال أي إصلاحات فورية من جانب الحكومات في المنطقة، وإنما بإحياء السياسة من القاعدة إلى القمة في العالم العربي، على الرغم من فشل الانتفاضات السابقة. على سبيل المثال، تمثل عودة عمليات الحشد واسعة النطاق في منطقة الريف شمالي المغرب آخر مثال على عودة سياسة الاحتجاج. تصدرت تظاهرات الحراك الشعبي التي دعت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية – بما في ذلك التنمية الاقتصادية وبناء المدارس وتوفير الوظائف ومطالبة الدولة بمعاملة المواطنين بشكل لائق.اشتعلت الاحتجاجات في البداية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2016 بعد وفاة محسن فكري، بائع الأسماك في الحسيمة، في أعقاب قيام الشرطة بمصادرة مصيده «غير القانوني». تذكرنا استجابة المغاربة في الشمال بالتونسيين بعد وفاة محمد بوعزيزي في سيدي بوزيد في عام 2010 التي أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع الانتفاضات العربية.
يسكن منطقة الريف المغربي عدد كبير من السكان الأمازيغ الذين عانوا من عقود من التهميش الاجتماعي والاقتصادي واتساع فجوة عدم المساواة. وقد استمرت الاحتجاجات في النمو، حيث انضم الطلاب والنساء والمواطنون العاديون إلى موجة المظاهرات التي وصلت حتى إلى المدن الكبرى في الدار البيضاء والرباط ومراكش. ولم يساهم اعتقال الزعيم الاحتجاجى ناصر الزفزافى بعد ذلك سوى فى انتشار الغضب بين المغاربة العاديين وظهور مجموعات جديدة أعلنت التضامن مع حركة الحراك.
يعد الحراك الشعبى أوضح مظهر على أن سياسة الاحتجاج ما تزال حية وقوية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن هذا لا يعني أن التغيير السياسي الحقيقي في المغرب بات مسألة وقت؛ إذ يشير التاريخ الحديث للمنطقة إلى بطء وتيرة الإصلاحات. كان ملك المغرب واحدًا من القادة القلائل الذين استمعوا إلى صوت الاحتجاجات في بلدانهم في بداية الربيع العربي. فعندما نزل المغاربة إلى الشوارع في عام 2011، استجاب على الفور بإدخال إصلاحات ديمقراطية وتعديلات دستورية أعطت المزيد من السلطة للبرلمان وقلصت من سلطته. كان ذلك كافيًا لتهدئة الجماهير في بلد يواجه تحديات هائلة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وعدم المساواة والركود الاقتصادي. المنطقة الخضراء وجزر البحر الأحمر طالبت احتجاجات كبيرة في لبنان والعراق ومصر أيضًا بالمساءلة والشفافية، وكل منها يشكل تحديًا للفساد الحكومي بطريقته الخاصة. في لبنان، احتجت حركة «طلعت ريحتكم» على عجز الحكومة عن تقديم الخدمات الأساسية مثل جمع القمامة وإنهاء الفساد. وسرعان ما ارتفع سقف مطالب الحركة ليصل إلى تحدي النظام الطائفي اللبناني الذي يخصص المواقف السياسية والموارد على أساس طائفي. قد تكون النتائج في لبنان غير واضحة، ولكن الحركة كشفت هشاشة النظام أمام التحام طوائف الشعب. ولعل حركة «طلعت ريحتكم» فشلت في إجبار الحكومة على تنفيذ معظم مطالبها، لكنها جمعت الناس من مختلف الطبقات والمذاهب معًا؛ مما شكل تحديًا أمام النظام الطائفي القائم. أزمة الجُزر أمام المصريين طريق طويل للعودة إلى ميدان التحرير، ولكن ذلك لم يمنعهم من الوقوف في وجه الاستبداد. لعل الاحتجاجات التي اندلعت مرة أخرى خلال الصيف الماضي – ردًا على تخلي الرئيس عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين على البحر الأحمر إلى السعودية – بدت محدودة النطاق، ولكنها تشكل تحديًا كبيرًا للنظام الذي يركز على سحق أية معارضة له. طالب النشطاء بملكية مصر للجزر من خلال قنوات متعددة، بدءًا من الميادين القانونية والسياسية، ووصولًا إلى تدشين حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لبناء الدعم الشعبي. حتى العراق – البلد الذي دمرته أكثر من ثلاثة عقود من الحرب والاحتلال والتفكك السياسي – تحدى التوقعات في عام 2016 عبر عمليات حشد واسعة ضد الحكومة الفاسدة والطائفية. وقد تمكن المتظاهرون من اقتحام «المنطقة الخضراء» المحصنة – جانب في بغداد حيث كان الإداريون العسكريون الأمريكيون يعملون ويعيشون – التي كانت رمزًا للاحتلال الأجنبي، ثم مقرًا للحكومة الطائفية الفاسدة التي استولت عليها بعد مغادرة الأمريكيين. تمكن المحتجون من الاستيلاء على البرلمان ومعظمهم يتبع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. ولكن هذا لم يمنع الكثيرين من الانضمام إلى مظاهرة أكثر تنظيمًا في الشهر التالي وطالبوا فيها بوضع حد للفساد والطائفية. لم يهتم العراقيون إلى أن الموصل ومناطق واسعة من البلاد كانت تحت سيطرة الدولة الإسلامية في ذلك الوقت: إذ إن انعدام الأمن ووجود تنظيم الدولة الإسلامية كان مجرد نتيجة أخرى لعدم كفاءة الحكومة العراقية. وقد هزت هذه الاحتجاجات عرش حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بقوة. فجاءت الإصلاحات، بما في ذلك وضع خطط للحد من الفساد وتعيين حكومة جديدة. إيجاد وسيلة جديدة للتعبير هيمنت سياسات القوى العالمية – مثل روسيا والولايات المتحدة أو المنافسة الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية على عناوين الأخبار في الشرق الأوسط – ولكن ذلك لن يوفر الغذاء والوظائف والأمن والكرامة للناس العاديين في المنطقة. يمكن خلط الصيغة الجديدة للتغيير الاجتماعي بالتكنولوجيات الجديدة ووسائل التواصل الاجتماعي والجهات الفاعلة الناشئة، ولكن ذلك لا يقصي الدافع الأساسي للحركات الاجتماعية وهو تحسين حياة الناس اليومية وتحدي وكلاء السلطة. ولم تحل المنظمات الشبابية والعاطلون عن العمل ومجموعات الأحياء والفنانون والأقليات والمجتمعات المهمشة محل الحركات التقليدية، مثل نقابات العمال والأحزاب السياسية المستقلة والأحزاب الدينية والروابط المهنية، بل إنها تعزز الهياكل التقليدية القائمة التي تسعى أيضًا إلى التغيير. تجلى هذا في النجاحات الأولية للانتفاضات التونسية والمصرية واليمنية، حيث خرج العمال والطلاب والفلاحون والمجموعات المهمشة إلى الشوارع. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها تونس، فما تزال نموذجًا للجهات الفاعلة القديمة والجديدة – الشباب والمواطنون العاديون جنبًا إلى جنب مع نقابات العمال والأحزاب الدينية – التي تكافح من أجل التوصل إلى توافق في الآراء حول مستقبل بلدهم. ولكن لا الهياكل القديمة ولا الجديدة لديها كل الأجوبة حتى الآن. ولا تزال هناك عقبات تنظيمية كبرى وأسئلة أساسية تتعلق بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج إلى صياغة واضحة ودراستها من قبل جميع هذه الحركات. لم يتوقع أحد أن تكون التحولات السياسية في المنطقة سهلة. كما أن جذور الأنظمة الاستبدادية تتمدد مع الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، مما يملي على أية قوى عالمية أو إقليمية أن لا تترك النتائج السياسية للصدفة، إذا كانت قادرة على المساعدة. ولا ننسى أن القوى المضادة على استعداد دائما لملء الفراغ، سواء كانت تلك القوى هي الدولة الإسلامية أو الحكومات الإقليمية الرجعية الراغبة في الحفاظ على السلطة أو القوى الدولية التي تتدخل من أجل مصلحتها الخاصة. تبرز المظاهرات في المغرب ولبنان والعراق ومصر خلال العامين الماضيين كعلامات إيجابية على أن الحركات الاحتجاجية الاجتماعية سوف تستمر، وربما الآن مع مزيد من الوضوح في الاتجاه. ولكن لا توجد ضمانات لأي من دول المنطقة؛ إذ إن كل بلد يواجه مجموعة من التحديات الخاصة به. ولكن، عندما يهدأ غبار الحروب الطائفية والتدخلات الدولية والإقليمية، فإن شعوب المنطقة ملزمة بأن تجد وسيلة جديدة للتعبير مرة أخرى. رابط المادة الأصلي: هنا.المصدر