تقريرٌ يوثق الانتهاكات بحق الإعلاميين في سوريا خلال آب 2017




فؤاد الصافي: المصدر

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الشهري الخاص بتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحق الإعلاميين من قبل جميع أطراف النزاع في سوريا من منطلق الاهتمام بدور الإعلاميين البارز في الحراك الشعبي وفي الكفاح المسلح.

وبحسب التقرير فإن العمل الإعلامي في سوريا يسير من سيئ إلى أسوأ في ظل عدم رعاية واهتمام الكثير من المنظمات الإعلامية الدولية لما يحصل في سوريا وتراجع التغطية الإعلامية بشكل كبير في السنة الأخيرة مقارنة بالسنوات الماضية.

وأشار التقرير إلى أن الصحفي يُعتبر شخصاً مدنياً بحسب القانون الدولي الإنساني بغض النظر عن جنسيته، وأي هجوم يستهدفه بشكل متعمد يرقى إلى جريمة حرب، لكن الإعلامي الذين يقترب من أهداف عسكرية فإنه يفعل ذلك بناء على مسؤوليته الخاصة، لأن استهدافه في هذه الحالة قد يعتبر من ضمن الآثار الجانبية، وأيضاً يفقد الحماية إذا شارك بشكل مباشر في العمليات القتالية، وأوضح التقرير أنه يجب احترام الإعلاميين سواء أكانت لديهم بطاقات هوية للعمل الإعلامي أم تعذر امتلاكهم لها بسبب العديد من الصعوبات.

وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “تبرز للعمل الإعلامي في سوريا أهمية خاصة لأنه في كثير من الأحيان يكشف خيطاً من الجرائم المتنوعة التي تحدث يومياً، ومن هذا المنطلق فإننا نسجل في معظم تقاريرنا الشهرية الخاصة بالإعلاميين انتهاكات من أطراف متحاربة فيما بينها”.

نوّه التقرير إلى اتفاق خفض التصعيد في سوريا، الذي دخل حيِّزَ التنفيذ في 6/ أيار/ 2017، بعد أن تمّ الإعلان عنه في ختام الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة المنعقدة بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وقد تضمَّن إقامة أربعة مناطق لخفض التَّصعيد في سوريا توقف فيها الأعمال القتالية ويُسمح بدخول المساعدات الإنسانية ويُسمح أيضاً بعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق التي حددها الاتفاق بـ: محافظة إدلب وما حولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق.

كما ذكر التقرير أنَّ مباحثات واسعة بدأت في أيار/ 2017 في العاصمة الأردنية عمَّان بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن، أسفرت عن إعلان كل من الرئيسَين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول الاقتصاديات العشرين الكبرى في هامبورغ التَّوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ودخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الأحد 9/ تموز/ 2017. وقد نصّ على السماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة (قوات النظام وحلفاؤه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية) على أن يقع أمن هذه المنطقة على عاتق القوات الروسية بالتّنسيق مع الأمريكيين والأردنيين. ومنذ دخول هذه الاتفاقات حيِّزَ التَّنفيذ شهدت المناطق المشمولة بهم تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدَّل القتل، مقارنة مع الأشهر السابقة منذ آذار 2011 حتى الآن.

كما أشار التقرير إلى انعقاد اتفاقيات محليّة أخرى كاتفاق الغوطة الشرقية بين فصائل المعارضة المسلحة فيها من جهة، وأفراد من الجانب الروسي من جهة ثانية، واتفاق مُشابه مع فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، لكنَّ هذه الاتفاقيات لم تُنشر نصوصها الرسمية على مواقع للحكومة الروسية، كما لم تنشرها فصائل المعارضة المسلحة، باستثناء فصيل فيلق الرحمن الذي نشر نصَّا للاتفاق وردَ في نهايته توقيع لضامن روسي دون ذكر الاسم الصريح؛ الأمر الذي ذكر التقرير أنّه يُسهل على الطرف الروسي الضامن التخلص من أي التزامات أو تبعات قانونية أو سياسية لاحقة.
وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت 22/ تموز/ 2017 عن توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية في ختام المفاوضات بين أفراد عسكريين روس من جهة، وبين فصيل جيش الإسلام من جهة ثانية، في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يدخل الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في الساعة 12:00 من اليوم ذاته. وفي يوم الأربعاء 16/ آب/ 2017 وقّع ممثل عن فيلق الرحمن وممثل عن الحكومة الروسية في مدينة جنيف اتفاقاً ينصُّ على انضمام فيلق الرحمن إلى منطقة خفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية، على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ عند الساعة 21:00 من يوم الجمعة 18/ آب/ 2017.

ونوّه التقرير إلى توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي في القاهرة يوم الإثنين 31/ تموز/ 2017، بين فصائل في المعارضة المسلحة في المنطقة والنظام ممثلاً بالحكومة الروسية كطرف ضامن، على أن يدخلُ الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الخميس 3/ آب/ 2017. وشملت أهم بنود الاتفاقين الأخيرين وقفَ جميع الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة في المناطق المذكورة -باستثناء مناطق وجود تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام- والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق والإفراج عن المعتقلين -محلَّ اهتمام كل طرف.

لكن التقرير أفاد أنه على الرغم من كل تلك الاتفاقات إلا أنَّ الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام ، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً الجهات الضامنة للاتفاق- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.

سجلَ التقرير انخفاضاً في معدلات قتل الكوادر الإعلامية في آب للشهر الثالث على التوالي عقب دخول اتفاق خفض التصعيد حيِّز التنفيذ في 6/ أيار/ 2017، كما ذكر التقرير أنَّ آب شَهِدَ أوّلَ حادثة قتل بحقِّ الإعلاميين على يد قوات التحالف الدولي منذ تدخلها في سوريا، فيما شهدَ ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات الاعتقال من قبل التنظيمات الإسلامية المتشددة مقارنة بما تم توثيقه منذ بداية عام 2017، وتفوقت على باقي الأطراف بارتكابها 50 % من الحالات الموثقة في هذا الشهر.

ووفق منهجية الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ المواطن الصحفي هو من لعب دوراً مهماً في نقل ونشر الأخبار، وهو ليس بالضرورة شخصاً حيادياً، كما يفترض أن يكون عليه حال الصحفي، وإن صفة المواطن الصحفي تسقط عنه عندما يحمل السلاح ويشارك بصورة مباشرة في العمليات القتالية الهجومية، وطيلة مدة مشاركته بها.

استعرض التقرير 5 روايات، وتحدَّث عن منهجية عالية في التوثيق تعتمدها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عبر الروايات المباشرة لناجين أو لأهالي الضحايا، ونشطاء إعلاميين محليين، وعبر عمليات تدقيق وتحليل الصور والفيديوهات والتسجيلات الطبية التي ترِدُ فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي بدوره يحتفظُ بنسخٍ من جميع مقاطع الفيديو والصور المذكورة في هذا التقرير ضمن قاعدة بيانات إلكترونية سرية، ونسخٍ احتياطية على أقراصٍ صلبة. وذكر التقرير أنَّ فريق الشبكة يواجه تحديات وصعوبات كبيرة أمنية ولوجستية في ظل الحظر والملاحقة من قبل قوات النظام وبعض المجموعات المسلحة الأخرى. لذلك فإننا نُشير دائماً إلى أن جميع هذه الإحصائيات والوقائع لا تمثل سوى الحد الأدنى من حجم الجرائم والانتهاكات التي حصلت.

سجل التقرير مقتل 32 إعلامياً على يد الجهات الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ مطلع 2017، واستعرض أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين في آب 2017، حيث سجل مقتل إعلاميَين اثنين على يد تنظيم داعش -أحدهما طفل-، وإعلامي واحد على يد كل من قوات التحالف الدولي وجهات أخرى.

فيما وثَّق التقرير حالة اعتقال واحدة على يد تنظيم داعش، و3 حالات تم الإفراج عن اثنتين منها على يد هيئة تحرير الشام، و2 على يد فصائل المعارضة المسلحة، وحالة اعتقال واحدة تمَّ الإفراج عنها على يد قوات الإدارة الذاتية الكردية. وحالة خطف واحدة تم الإفلات منها.

وذكر التقرير أنّ إعلاميَين اثنين أُصيبا على يد تنظيم داعش.

وأشار التقرير إلى ضرورة التحرك الجاد والسريع لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من العمل الإعلامي في سوريا، وأكد على ضرورة احترام حرية العمل الإعلامي، والعمل على ضمان سلامة العاملين فيه، وإعطائهم رعاية خاصة.

كما أوصى لجنة التحقيق الدولية بإجراء تحقيقات في استهداف الإعلاميين بشكل خاص، ومجلس الأمن بالمساهمة في مكافحة سياسة الإفلات من العقاب عبر إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

كما أوصى المؤسسات الإعلامية العربية والدولية بضرورة مناصرة زملائهم الإعلاميين عبر نشر تقارير دورية تسلط الضوء على معاناتهم اليومية وتخلد تضحياتهم.

وأوصى الضامن الروسي بضرورة ردع النظام عن إفشال اتفاقيات خفض التصعيد، والبدء بتحقيق اختراق في قضية المعتقلين عبر الكشف عن مصير 76 ألف مختفٍ قسرياً.




المصدر