دي ميستورا و”زواج المُغتصَبة”


مشعل العدوي

في بعض قوانين الدول العربية، وفي بعض الأعراف والتقاليد في المنطقة، يكون الزواج من المُغتصَبة إسقاطًا للجريمة والعقاب، في حال وافق المُغتصِب أن يتزوج من المُغتَصَبة، ويُبرر المجتمع هذا الأمر، بأنه سِتر على الفتاة، أي أنهم يدفنون الجريمة الأولى بالجريمة الثانية، وهكذا يتحول المغتصِب إلى مغتصِب شرعي، وتُصبح جريمته “شرعية”.

منذ سنوات، لم يترك المبعوث الأممي لسورية ستيفان دي ميستورا وسيلةً إلا واتّبعها، من أجل أن توافق المغتصَبة على الزواج من المُغتصِب، حتى وجد نفسه بالأمس مضطرًا إلى أن يخرج للملأ مُعلنًا أن قوى المُغتصَبة قد خارت، بل إنها في حال انهيار تام، ولم يعد أمامها إلا الزواج من المُغتصِب؛ وإلا فستواجه الموت.

لقد اختار دي ميستورا يوم إعلان الأمم المتحدة عن قرارها النهائي الذي يُدين النظام باستخدام السلاح الأصفر، ليُعلن للملأ انتصار الجريمة على المجتمع، وانتصار السفاح على الضحية، وبكل وقاحة يُطالب الضحية بالاعتراف بأنها مهزومة، وهنا، كملاحظة هامشية، اتّهمْ دي ميستورا بسوء النية، فهو موظف كبير في الأمم المتحدة، ويعلم تمام العلم أن التقرير كان سيصدر في اليوم ذاته؛ ولذلك خرج بتصريحه المذكور، بهدف التشويش على الإدانة الأممية الدامغة لـ “المتجانس”، ومن خلفه أسياده ومُشغّلوه الروس؛ وبذلك تحول دي ميستورا، من وسيط دولي إلى أجير لدى بلاط الكرملن، بل أجير وفيٍّ ومُلتزم بتعليمات المُشغّل.

في متن التصريح، يقول دي ميستورا، في مغالطةٍ بشعة ومقصودة: إن المعارضة قد انهزمت! وهذا يقودنا إلى السؤال عن أسباب فشل اللواء المجوقل الذي كان يقوده رياض نعسان آغا، في تحرير العاصمة دمشق، أو كيف فشل الإنزال المظلي الذي قاده صفوان عكاش على مدينة حلب، ونتساءل عن قوات جهاد مقدسي من فرقة المغاوير، كيف تمت هزيمتها على تخوم حمص، وكيف فقد فراس الخالدي السيطرةَ على قواته، أثناء الهجوم على قاعدة حميميم!!

من الذي انهزم؟! طالما أن المعارضة المنخرطة في عملية جنيف لا تعمل في العمل العسكري؟ وطالما قبلت هذه المعارضة بالعمل السياسي، لإيجاد حل للكارثة السورية مبني على القرار الأممي وبيان جنيف، ولتفسير هذه المغالطة الوقحة؛ نُذكِّر دي ميستورا بأن إضافة بعض قادة الفصائل إلى مفاوضات جنيف، جاء بناءً على طلبه النابع من ضغط روسي، وتم ضم هذه الفصائل، بعد إنهاكها من قِبل الطيران الروسي الذي ترك محاربة الإرهاب، على مدار عامين، ليُدمّر القرى والمدن ويُحارب الجيش الحر، ولا بد هنا من تذكير ذلك المبعوث بأن (داعش) لم تكن موجودة في داريا، ولا الزبداني، ولا وادي بردى، ولا ولا ولا..

نعم، ذلك يقول إن الأسد “انتصر”، ولكن.. على مَن انتصر؟

– انتصر على الشعب المدني الأعزل.

– انتصر على تنظيم (داعش) الذي أوجده، ولم يحاربه.

– انتصر على بعض فصائل الجيش الحر، باستخدامه السلاح الروسي والسلاح الأصفر.

– انتصر على 12 مليون سوري غير “متجانس”.

– انتصر على ما يربو على ثلاثمئة ألف معتقل، وملف قيصر شاهد.

– انتصر لكونه الوحيد الذي استخدم الكيماوي، ولم يُحاسب.

– انتصر على الأخلاق والضمير والإنسانية.

– انتصر على الأمم المتحدة وقراراتها، وعلى دي ميستورا نفسه.

– انتصر على الحل السياسي، حين تحوّل دي ميستورا إلى مُروّج لانتصارات وهمية زائفة، وحين ابتعد عن إدارة المفاوضات بضمير وحيادية، وحين تحوّل إلى مجرد مُراسل لوزارة الخارجية الروسية، ينقل التهديد والوعيد للطرف المعارض، وحين تحوّل إلى مجرد عنصر تنفيذي للأجندة الروسية برضى أميركي.

– انتصر الأسد، بسبب تسويفه ومماطلته وانشغاله بنصب الأفخاخ للمعارضة، الفخ تلو الآخر، وحين قبل بتمييع المفاوضات، وانشغل، وأشغل الأمم المتحدة، بلقاء 120 منظمة سورية لا داعي ولا حاجة للقائها، وكل ذلك من أجل تشتيت القوى وتمييع الحل، لإيصال سورية إلى دولة فاشلة، كما صار في أفغانستان والعراق سابقًا، وها هي الدولتان تعيشان أسوأ الظروف، بسبب ما أُسس له من خراب في بنية الدولتين الاجتماعية.

بات من الضروري أن يُعلن دي ميستورا هزيمته، وأن يتنحى عن إدارة المفاوضات، ويفسح المجال، لمن هم أقدر وأجدر منه، ويتحلون بمزيد من الدراية والشجاعة، ويكون ضميرهم أقوى من جيوبهم، فلقد أهدر دي ميستورا عشرات ملايين الدولارات هباءً منثورًا، والنتيجة هي أنه يُعلن انتصار المجرم على الضحية، ويطلب من المُغتصَبة الزواج من مُغتصِبها، ولكن هذه المرة، ليس لستر الضحية، وإنما لستر الجلاد، وليضع روسيا وإيران كشاهدي زور على هذا الزواج.




المصدر