في خطورة مبادرة المجلس الإسلامي السوري


عمار ديوب

يبدو أن مسألة تحرير/ تدمير مدينتَي الرقة ودير الزور أصبحت منتهية. الجديد بعدها سيكون تقاسم الدولتَين العظميَين لهما؛ الرقة ستكون تحت السيطرة الأميركية، ودير الزور تحت السيطرة الروسية. وستلعب القوى المحلية من قوات (ب ي د) وحلفائه، وقوات النظام وفصائل القوات البرية في إطار التقاسم ذاك. ما ليس واضحًا على نحو كافٍ هو الدور الإيراني المستقبلي في دير الزور، وهل ما زال حلم إيران قائمًا بخلق امتداد يبدأ بطهران ويمر في سورية وينتهي في لبنان؟ التحليلات ما زالت متضاربة بخصوص ذلك، وهي بين رفضٍ إسرائيلي وأميركي وخليجي لوجود إيران في سورية، فضلًا عن رفضٍ سوري كبيرٍ لوجودها، وبين موافقةٍ روسية على بقائها في الوقت الراهن، وهناك من يشير إلى علاقاتٍ وطيدة بين روسيا وإيران في أكثر من دولة إقليمية، وأن تلك العلاقة مستمرة في سورية، ويدللون على ذلك برفض الروس للمطالب الإسرائيلية بموقفٍ دقيقٍ إزاء إيران، وإخراجها من سورية.

عدا الآراء أعلاه، فإن وجود قواعد عسكرية أميركية في شمال وشرق سورية، ووجود قواعد روسية في غربها ووسطها، وانتهاء معارك الرقة ودير الزور اللاحقة، ونجاح مناطق خفض التوتر؛ سيطرح السؤال الواقعي: لماذا تظل الميليشيات التابعة لإيران في سورية، وبالتالي ضرورة سحبها، والاكتفاء بالمصالح الاقتصادية التي حصلت عليها أثناء دعمِها للنظام ولتصفية الثورة؛ إذًا سيتغير الوجود الإيراني، من عسكري بشكلٍ أساسي إلى اقتصادي وسوى ذلك.

طَرحَ مؤخرًا الرئيس الروسي أن “تحرير/ تدمير” دير الزور سيُظهر النظام قويًا، وسيفتح الطريق واسعًا لحلٍ سياسي، وأشار في الوقت ذاته إلى أن بدء الحل يتطلب بالضرورة إشراكَ كلٍّ من أوروبا وأميركا والخليج، في مرحلة إعادة الإعمار؛ هذا يعني أن روسيا تعي جيدًا المخاطر اللاحقة على إنهاء (داعش) و(النصرة)، وليس أولها تجدد بروز هذه التنظيمات أو مثيلاتها، وربما أسوأ منها، في حال لم يكن هناك إعمار، وكذلك في حال التفرد بإدارة العملية السياسية إلى ما بعد الانتهاء من إدلب.

في ظل فك روسيا وحلفها الحصارَ عن دير الزور، تأتي مبادرة “المجلس الإسلامي السوري”، والهادفة إلى تشكيل جسم عسكري موحد ووزارة دفاع، ويضم أغلبية الفصائل المسلحة، وقد لاقى الأمر استجابة سريعة، ووقعت أكثر من 44 مجموعة على ذلك، وبدؤوا إجراءات التوحيد، وخص المجلس الموقر نفسه بأن يكون المرجعية الدينية لهذا الجيش.

طبعًا سيكون التساؤل الأول: لماذا هذه الخطوة المتأخرة، ولا سيّما أن المجلس مُشكل منذ 2014، ولماذا يستجاب له كذلك، وهل ستكون المبادرة مفيدةً، بعد أن خسرت الثورة حلب وريف دمشق الغربي، وطُبقتْ المناطق منخفضة التوتر، وسيتم إنهاء كلٍّ من الرقة والدير قريبًا؟ هذه الأسئلة توضح أن هذه الخطوة تريد “غنائم” معينة، لا سيّما أن أغلبية الفصائل أصبحت لها طبيعة إسلامية، وبالتالي يريد الاستيلاء على المناطق التي “تحررت/ تدمرت”، يساعده في هذا أن روسيا أيضًا ضامنة لمناطق النفوذ هذه، للمساومة مع الأميركيين، وللضغط على إيران والنظام، وذلك لفرض هيمنتها الكاملة على النظام، وتقاسم ذلك مع الأميركيين.

الجيشُ المُراد تشكيله سيعمل على ربط كل مناطق سورية ببعضها، أي سيفرض سيطرة شاملة، وستكون مرجعيته الفقهية والقضائية هي المجلس ذاته، أي يريد المجلس الاستيلاء على المناطق الخارجة عن النظام والمشمولة بالاتفاقات الدولية، لاقتسام مناطق النفوذ، والاشتراك في الحرب على الإرهاب ضد (داعش) و(النصرة)، وبإطار المشيئة الروسية الأميركية.

عكس ذلك كله، وقد حاولت التصدّي للفراغ “السوري”، بمقالة لي في (جيرون) بعنوان “من المجالس المحلية إلى استعادة دور الشعب“. طُرحَ كذلك موضوع المجالس المحلية، كهيئات لإدارة المناطق “المحررة”، وكَثُرَ الحديث عن الأمر مؤخرًا، وبالتالي الهدف من مبادرة الإسلاميين هذه هو شطب هذه المجالس، أو لنقُل الاستيلاء عليها. الفصائل المراد تجميعها ممولة من الخارج، وستنفذ ما سيُطلب منها كما الحال مع الفصائل المنخرطة في آستانا وجنيف! وهذا مما لا مصلحة فيه للشعب الخارج عن السلطة بل ولكل السوريين. إذًا القوى التي ستملأ الفراغ يجب ألا تكون هذه الفصائل، وإلا فإن الأخيرة ستفرض سلطات عسكرية “فهم أمراء حرب”؛ وبالتالي سيكملون مناطق النظام الخاضعة للأجهزة الأمنية وللجيش، وبذلك وبدلًا من أن تُشكل مناطق تخفيض التوتر رافعةً سياسيةً، نحو إعادة دور الشعب للمطالبة بمصالحه؛ سيتم قمعه على نحو أكبرٍ، كما يتم بشكل خاص في الغوطة مثلًا.

تقاسُم النفوذِ الدولي والإقليمي على سورية سيكون المقدمة نحو الاستقرار، وهذا يتطلب بالضرورة دورًا للسوريين الخارجين عن النظام، وبالتالي بمقدار ما يستعيد الشعب دوره من خلاله مختلف مؤسساته واتحاداته وجمعياته ومجالسه وأحزابه، بمقدار ما يتم إنجاح تجربة تلك المناطق وتحولها إلى مثال لبقية مناطق سورية، والعكس صحيح، فكلما غاب دور الشعب وتعاظم دور الفصائل؛ تكررت الممارسات القمعية للنظام في تلك المناطق، وأكثر مَن فعَل ذلك الجهاديون والسلفيون.

إذًا مبادرة المجلس الإسلامي ليست بريئةً، بحالٍ من الأحوال، ويُراد عبرها الاستيلاء على الشعب والمساومة على حقوقه، وذلك عبر إحكام الفصائل التابعة له السيطرة على المناطق التي تتواجد فيها، وحين تبدأ معركة المحاصصة في دمشق وعلى سورية. تشكيلات المعارضة لم تلتقط الخطورة التي تمثلها هذه المبادرة، بل وافقت الحكومة المؤقتة عليها، والتي يُفترض أنها حكومة تمثل الائتلاف الوطني، والسؤال: لماذا لم يرفض الائتلاف وحكومته المبادرة، وعملوا من أجل خطة متكاملة لتلك المناطق؟

سورية الجديدة هذه والتي تتشكل تحت سيطرة القواعد العسكرية الأجنبية، والفصائل المتقاتلة والمسيطر عليها خارجيًا، لا تمثل -بحالٍ من الأحوال- أهدافَ الشعب، كما طالب بها قبل 2013، والخوف الآن من أن يُفرض على السوريين تقاسم طائفي، وهذه من مخاطر مبادرة المجلس كذلك.

ملاحظة أخيرة: الشعبُ ذاق الأمرين، من النظام ومن الفصائل المتأسلمة والجهاديين، والآن يلج واقعًا جديدًا، حيث ستتوقف آلة الحرب بالضرورة، وسيُشكلُ نظامٌ لا يستجيب لمصالح السوريين، وسيخدم مصالح الدول الاستعمارية. الواقع الجديد هذا يجب فهمه إذًا، وهو واقعٌ يشمل كل سورية، بما فيها المناطق التي يستولي عليها (ب ي د)، وهذا ما يفرض تشكيل حركات ثورية جديدة وموحدة، ترفع مطالب الشعب من خلال واقعه الجديد، وبما ينسجم مع أهداف الثورة الشعبية، وبالضد من التطييف.

فهل يقرأ الثوريون الواقعَ؟ الإجابة: نعم، وهذا يتطلب منهم التمتع بالإرادة والتجهيز والعمل.




المصدر