مباراة كرة قدم: أرادها الإيرانيون معركة كسر عظم


روشان بوظو

فوجئ مشجعو “الفريق السوري” الذين سافروا إلى طهران لدعم فريقهم؛ فقد اعتقدوا أنهم سيُستقبلون بالأحضان على أرض أكبر حليف لهم، لكن العكس حل، فمنذ لحظة هبوط “الفريق السوري” شعر المشجعون بأنهم ضيف غير مرغوب فيه على الأراضي الإيرانية.

كتب عددٌ من الركاب الذين كانوا على الطائرة مع “الفريق السوري”، على صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، أنهم قد حُبسوا في الطائرة لحظة وصولهم مدة ساعة كاملة من دون ذكر السبب، ثم أُطلق سراحهم؛ وبعد ذلك مُنع الجميع، بمن فيهم أعضاء “الفريق السوري” أنفسهم، من دخول قاعة كبار الشخصيات التي كان من المفترض استقبالهم فيها، على الرغم من أن جميع مرافقي الفريق قد دفعوا مبالغ أكبر تضمن استقبالهم في قاعة كبار الشخصيات في مطار طهران. بعد جدال ونقاش طويلين مع أمن المطار، سُمح على مضض لأعضاء الفريق السوري فقط بدخول القاعة.

لكن المفاجأة الكبرى كانت عند دخول الجمهور أرض الملعب، إذ أفادت تصريحاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي أن الجمهور الإيراني استقبلهم بالحجارة والعبارات النابية قبل بدء المباراة، على الرغم من أن كثيرًا من المشجعين السوريين قد حملوا العلمين السوري والإيراني معًا، بل إن بعضهم حمل أعلام حزب الله أيضًا؛ واستمرّ الجمهور الإيراني بإلقاء الشتائم ضد المشجعين السوريين والتهديد بضربهم طوال فترة المباراة، ولم يكترثوا لمشهد حمل أعلام البلدين.

عندما احتد الشجار بين الفريقين على أرض الملعب، قام بعض المشجعين الإيرانيين بالاعتداء على المشجعين السوريين، ليتدخل عندها أمن الملعب ويفصل بينهم، إلا أن التوتر عاد مرة أخرى عندما أحرز اللاعب السوري عمر السومة هدف التعادل في الوقت بدل الضائع للمباراة، فتوعد الإيرانيون المشجعين السوريين وهدّدوهم وتوعّدوهم بالنيل منهم بعد انتهاء المباراة خارج الملعب، ما دفع الأمن إلى إخراج المشجعين السوريين من الملعب بعد انتهاء المباراة مباشرة حفاظًا عليهم من الخطر الذي كان ينتظرهم.

لكن، بحسب الإفادات، فقد نال بعضهم نصيبه، إما بالضرب المباشر أو بالحجارة، وجرى احتجاز المشجعين عدة ساعات إلى أن أُطلِق سراحهم وسُمِح لهم بالمغادرة، حيث ذهبوا مباشرة إما للاختباء في الفندق أو إلى المطار للعودة مباشرة إلى سورية.

لم تنتهِ المواجهة بين الطرفين عند هذه الحدود؛ إذ شن الجمهور الإيراني حربًا شعواء على مشجعي الفريق السوري في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واصفينهم بعديمي الرجولة لتركهم الحرب في بلادهم للسفر والرقص في الملاعب، فقد نشر مثلًا أحد المعلقين الإيرانيين صورة المشجعين السوريين وهم يرقصون في الملعب وعلق عليها “اضحكوا وافرحوا، نحن ندفع للحرب ونقدم الشهداء حتى تستطيعوا القدوم إلى الملعب وترقصوا بسعادة”.

وقام مؤيدو النظام السوري بهجوم مضاد في مواقع التواصل الاجتماعي، وامتلأت صفحاتهم بالهجوم على الشعب الإيراني واصفينهم بالأعداء العنصريين والساقطين، فقد كتب أحد مشجعي الفريق السوري الذي كان في طهران “لم أتعرض للذل في حياتي بهذه الطريقة”، “لا يوجد طريقة لوصف ما حصل معنا في معركتنا ضد أعدائنا الإيرانية، لكن الدنيا سلف ودين وسوف نردها لهم”.

تصاعد التوتر بين الطرفين على صفحة اللاعب عمر سومة التي كانت أرض إحدى هذه المعارك الإلكترونية، ليصل عدد التعليقات على صورته الأخيرة وحدها إلى أربعة وعشرين ألف تعليق شملت هجومات متبادلة بين الطرفين تخطت كرة القدم، لتصل إلى الشتائم من الإيرانيين ضد بشار الأسد والنظام السوري، قائلين إن (داعش) تليق بهم، كما وصفوا النظام السوري بالطفل المدلل الذي يعتمد على إيران في كل شيء حتى بكرة القدم، وردّ بعض أفراد الجمهور السوري بشتائم مضادة واصفًا الشعب الإيراني بأحفاد كسرى.

لكن الأمور ذهبت، للأسف، في منحى مختلف عندما أخذت الحرب الإلكترونية طابعًا دينيًا، إذ وصف بعض الإيرانيين بشار الأسد بـ (العلوي الكافر)، ورد عليهم بعض السوريين بشتم العقيدة الإيرانية (الشيعية)، ورددوا في مرات عديدة أن (إسرائيل) أشرف من (الفرس الحاقدين)، حتى أن الكلمات البذيئة التي استخدمها كلا الطرفين دفع اللاعب عمر السومة إلى إزالة جميع التعليقات ومنع كتابة أي تعليق آخر على صفحته.

كتب أحد الموالين للنظام السوري، والذي كان إلى فترة قريبة مشجعًا ومؤيدًا بكل طاقته لإيران وميليشياتها في سورية: شكراً للجمهور الإيراني الذي كان مشجعًا فريقه الوطني بكل “عنصرية”.؟! شكراً للفريق الإيراني الذي لعبها لعبة “كسر عضم” دون ضرورة؟! نعم، الكف اللي بيوجعك، بيصحيك!! سوريا ليست المحافظة الإيرانية رقم 35، ولن تكون.. يا سوريين ما إلكن غير بعضكم، وبس..”.

كأن هذه المباراة كانت الشعرة التي قسمت ظهر البعير في العلاقة بين السوريين الموالين والإيرانيين على المستوى الشعبي، إذ أظهرت حدة الاختلاف المتأصل بين الطرفين على الرغم من محاولة النظامين السوري والإيراني الإيحاء بعكس ذلك.

وربما قد عرف هؤلاء السوريون أن الأعلام الإيرانية وصور الخامنئي المرفوعة في الأراضي السورية ليست موجودة هناك على أساس الاحترام المتبادل والعلاقات المتوازنة بين البلدين، بل هي دليل دامغ على الاحتلال الإيراني لسورية والعراق ولبنان، وأن كثيرًا من الإيرانيين الموالين لنظام الملالي وميليشياته لا يزالون يعيشون في جو ثارات الحسين منذ 1400 سنة من جهة، وأجواء ثارات معركتي ذي قار والقادسية من جهة ثانية، فيما أغلبية الشعب الإيراني، مثل أغلبية الشعب السوري، تنظر إلى المستقبل طامحة إلى الحرية والكرامة.




المصدر