إسرائيل وهامش المناورة في سورية


العرب

من جديد، قصفت إسرائيل موقعا عسكريا للنظام السوري في مدينة حماة يعتقد أنه يستخدم لإنتاج الأسلحة الكيمياوية. تصادف هذه الضربة العسكرية مرور عشر سنوات على قصف إسرائيل لمفاعل الكبر النووي في مدينة دير الزور في أيلول 2007 والذي قيل حينها إنه كان في مرحلة متقدمة، فاستهدف قبل أن يدخل مرحلة التشغيل ما يجعل تدميره عسيرا. وما بين الضربتين، نفذت إسرائيل خلال العقد الماضي عددا كبيرا من الضربات الجوية ضد منشآت عسكرية سورية، أو لمنع محاولات نقل أسلحة إلى حزب الله اللبناني كما كانت تتذرع دوما.
وساعدت الحرب في سوريا إسرائيل على تكثيف الضربات العسكرية التي استهدفت النظام السوري. إذ وفر تدخل حزب الله المباشر ونشاطه العسكري داخل سوريا بصورة علنية، عكس نشاطه السري السابق، ذريعة للممارسات الإسرائيلية. صورت إسرائيل تواجد الحزب في سوريا كخطر محدق على أمنها القومي رغم أن معظم ضرباتها استهدفت المنشآت العسكرية للنظام السوري. الأخير بدوره لم يكن قادرا على الرد العسكري بسبب عدم إمكانية إنكار وجود حزب الله من جهة، وبسبب انشغاله بالحرب التي يشنها على السوريين من جهة أخرى.
أصبح شائعا تبرير عدم الرد العسكري على الاعتداءات الإسرائيلية باعتبار أن الرد يشكل استدراجا لحرب مع إسرائيل يمكن أن تشغل الدولة السورية عن معركتها الكبرى في “التصدي للإرهاب”. وعليه فإن الحكمة تقتضي تأجيل الصدام مع العدو الإسرائيلي. ربما يعتبر ذلك خطابا جديدا بالنسبة إلى حزب الله، ولكنه يشكل تقليدا قديما لدى النظام السوري الذي آثر، في كل ضربات إسرائيل، “الاحتفاظ بحق الرد” حيث كانت معركته الحقيقية دوما ولا تزال، داخلية مع الشعب السوري.
ويبدو أن الحرب السورية وفرت فرصة نادرة لإسرائيل لتمتين تفوقها العسكري عبر إضعاف الإمكانيات العسكرية للدول المجاورة وزيادة الانقسامات الاجتماعية والطائفية بما يدخلها في حروب أهلية لا يمكن معرفة نهايتها. ضمن تسريبات ويكيليكس لأرشيف الرسائل الإلكترونية لهيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما من العام 2009 وحتى العام 2013، يظهر مسؤولون إسرائيليون رغبتهم في استمرار الحرب بسوريا وذلك لمواصلة إضعاف البلاد وإشغال إيران واستنزافها على المدى البعيد.
منذ بداية الربيع العربي، تحسست إسرائيل الخطر الذي يشكله أي تحول ديمقراطي في بلدان الجوار على مستقبلها كدولة استيطانية تتمتع بهيمنة عسكرية في الشرق الأوسط. هكذا كان هدفها الرئيسي، كبح جماح التجارب الديمقراطية لمنع أي اختراق على صعيد التطور السياسي والاقتصادي وإبقاء حالة الخمول التي تشكل أحد أهم عوامل تمتعها بهيمنة إقليمية. ثم انتقلت إلى مرحلة الهجوم مستغلة حالة الفوضى والحرب التي شنها النظام السوري لإنهاء أي قدرات عسكرية يمكن أن ترثها الدولة السورية الجديدة في يوم ما.
ولكن تلك السياسة الإسرائيلية التي انتهجتها على مدى السنوات الماضية تعرضت لتحد متزايد منذ التدخل الروسي في سوريا. في البداية تفهمت روسيا استمرار الضربات الجوية وامتنعت عن الدفاع عن النظام السوري رغم نشر منظومة متطورة للدفاع الجوي وتحالفها العسكري معه وعدم رغبتها في إضعافه. ولكن، مع مرور الوقت وتكريس روسيا لوجودها العسكري والسياسي، بل وتحولها إلى اللاعب الأبرز في التقدم العسكري الذي حققه النظام السوري وإيران، عملت على الحد من هامش المناورة الإسرائيلي في سوريا مقابل أن تكون الضامن الرئيسي لسلوك الأسد.
وقد وردت تقارير عن أن الاجتماع الأخير في منتجع سوتشي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان متوتراً للغاية بسبب “عدم تفهم” الرئيس الروسي لمخاوف إسرائيل من تزايد النفوذ الإيراني وضرورة الضربات العسكرية لحماية أمنها.
كان على إسرائيل أن توجه ضربة عسكرية لتؤكد جدية سياستها الأمنية والعسكرية واستقلالها عن اللاعب الأبرز في سوريا، وكي لا تذعن لقواعد جديدة تحاول روسيا أن ترسمها في سوريا. وسنحت الفرصة مع صدور تقرير عن الأمم المتحدة أكد أن قوات الرئيس بشار الأسد استخدمت الأسلحة الكيمياوية أكثر من 20 مرة خلال السنوات الماضية، لتنفذ إسرائيل الضربة الجوية بعد أقل من 24 ساعة على صدور التقرير.
وبالتوازي مع تحول روسيا إلى لاعب حاسم في المسألة السورية، ارتفع حجم النفوذ العسكري والسياسي الأميركي خلال العام الماضي، بعد أن أنشأت عدة قواعد عسكرية وعقدت تحالفا استراتيجيا مع قوات سوريا الديمقراطية التي توسعت مناطق سيطرتها بصورة كبيرة. وهذا يبقي لإسرائيل هامشا للمناورة ستواصل استغلاله بتنفيذ ضربات جوية، فيما سيواصل النظام السوري الاحتفاظ بحق الرد.

(*) كاتب سوري




المصدر