الاغتصاب سلاح المستبدين …آليات التخلص من الآثار النفسية والاجتماعية


أحمد مظهر سعدو

من خلال متابعة ما يجري للنساء المعتقلات، في أقبية وزنازين استخبارات الأسد، ومن خلال بوح بعض المعتقلات السابقات؛ يتضح حجم جرائم الاغتصاب أو التحرش، فضلًا عن التعذيب النفسي والجسدي، وآثار ذلك على النساء في المستقبل، إنْ كُتب للمعتقلات الحرية يومًا.

في هذا السياق، توجهت (جيرون) إلى عددٍ من أساتذة الجامعات المختصين والمهتمين بالحالة الاجتماعية والنفسية للمعتقلات المغتصبات، ووقفت مع بعضهم، وسألت عن الرأي التحليلي حول القضية؟ وما آليات الخروج من تأثيرات هذه الجريمة اجتماعيًا ونفسيًا؟

الدكتور خضر زكريا أستاذ علم الاجتماع في جامعات الدوحة، تحدث لـ (جيرون) قائلًا: “المغتصَبة في سجون نظام الأسد هي بطلة، بكل معنى الكلمة. ففي معظم الحالات، إن لم يكن في كلها، يكون الاغتصاب نتيجة إصرار الضحية على عدم البوح بالمعلومات التي يطلبها جلاوزة النظام، أو نتيجة للدور البطولي الذي قامت به في دعم الثوار، أو المشاركة المباشرة في الثورة؛ ولذا ينبغي على جميع مؤيدي الثورة، من وسائل إعلام ومثقفين ومنظمات مجتمع مدني وناشطين سياسيين وغيرهم، أن ينظموا الحملات لتأكيد هذه الفكرة. المغتصَبة ضحية بطلة، يجب أن ترفع رأسها عاليًا، وأن يفخر بها أهلها وذووها، وأن تكون محط احترام وتقدير المجتمع، بكل فئاته وشرائحه. وينبغي أن تتركز هذه الحملات، بوجه خاص، في المناطق التي لا زالت (محافِظة) في عاداتها وتقاليدها وأعرافها، وتتمسك باعتبار (شرف المرأة) منحصرًا في (طهارتها) الجنسية. والتركيز على أن (الشرف) الحقيقي، للمرأة والرجل على السواء، يكمن في التمسك بالكرامة والحرية، والنضال من أجلهما دون هوادة”.

الدكتور طلال مصطفى الباحث وأستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق سابقًا، قال لـ (جيرون): “الاغتصاب الفردي والجماعي، تاريخيًا، يلازم الأنظمة الاستبدادية، ومنها النظام الأسدي، حيث عاشت المرأة السورية واقعًا مريرًا في ظل نظام الأسد الأب والابن، من حيث استخدام أسلوب الاعتداء الجنسي، بحق النساء السوريات، بصورة ممنهجة ومتعمدة، كسياسة عقابية عامة، سواء بهدف الحصول على المعلومات ونزع الاعترافات، أو بغرض التلذذ بالإذلال والتشفّي بالترهيب، بدافع ثأري انتقامي من أحد أفراد العائلة. لكن لا بد من التنويه أن العديد من المعتقلات لا يصرّحن بالاغتصاب، إما لمحاولة نسيان وتجاوز الآثار النفسية للاغتصاب، أو بسبب الوصمة الاجتماعية التي تلحق بالمرأة المعتقلة وأسرتها كاملة”.

تحدث مصطفى عن المطلوب والضروري تجاه المعتقلات الناجيات والمغتصبات، قائلًا: “لا بد من تقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للمغتصبات ولأزواجهن وأبنائهن وأفراد أسرهن كافة، بهدف التخلص من الآثار النفسية والاجتماعية، ومنح المعتقلات بشكل عام، والمغتصبات بشكل خاص، فرصة للتدريب والتأهيل المهني، في الداخل والخارج، وإنشاء دُور لائقة للمغتصبات اللواتي نُبذن من قبل المجتمع، والعمل على تثقيف الأسرة والمحيط الاجتماعي للمعتقلة المغتصبة، بتجنب إهمالها، سواء في العلاج والتعليم والعمل، أي احتضانها على كافة الصعد. وعدم إلقاء اللوم على المعتقلة الناجية. أيضًا العمل على الصعيد الإعلامي، وخصوصًا في مواقع التواصل الاجتماعي، لتغيير الصورة النمطية الاجتماعية التقليدية السائدة، بخصوص المرأة المغتصبة، وإبراز صورة المعتقلة المناضلة من أجل مجتمع ديمقراطي حر للرجال والنساء”.

الدكتورة هدى زين أستاذة علم الاجتماع، في جامعات ألمانيا، قالت لـ (جيرون): “لا يمكن تعميم الآثار الجسدية والنفسية الناجمة عن تجربة الاغتصاب القاسية، ولا تعميم نمط سلوكي يكون بمثابة ردة فعل أو أثر رجعي على وحشية التجربة التي عانتها المرأة في سجون الأسد، فطريقة تلقي المرأة، واستجابتها الجسدية والنفسية، تختلف باختلاف شخصية المرأة، وظروف معيشتها بعد الخروج من السجن؛ إذ تبدو بعض النساء متماسكات وهادئات، وبعضهن يبكين كثيرًا أو يصبن بحالات اكتئاب واضطرابات حادة، وأخريات يشعرن بالعدمية، وكأنهن أموات. وكل هذه الاستجابات والآثار عادية، وهي طريقة المرأة المغتصبة بالتعاطي مع هذه الصدمة النفسية العميقة التأثير. ولكن هناك مشتركات في المعاناة الأليمة لهؤلاء النساء، وأولها العلاقة المضطربة والمشوهة بذاتها -جسدًا وروحًا- حيث تهتز صورة الذات لديها، وربما تتبنى النظرة السلبية التي ستجدها في المجتمع؛ فيزيدها الشعور بالذنب والمهانة والعجز أعباء نفسية واجتماعية، مضافة إلى كل ما تعانيه، ويدخلها في متاهة الخوف المستقر عميقًا، والانقسام الذاتي على الذات”. وأكدت أنها انبرت لدراسة ميدانية حول الناجيات المغتصبات. “كل هذه الحالات تمت ملاحظتها من المقابلات القليلة التي تمت مع نساء كن معتقلات، وتم اغتصابهن في سجون الأسد الفاشية. وهناك من تصل بهن حالة الاكتئاب أو الاضطراب إلى حد الانتحار. وللأسف لقد تم رصد حالات انتحار لنساء، تم اغتصابهن من بهائم الأمن السوري، وبعضهن كن حوامل أيضًا”.

الإعلامية السورية والمعتقلة السابقة دينا بطحيش قالت: “ليس كل معتقلة تعرضت للاغتصاب، ولكنها تعرضت لاعتداء جنسي على الأغلب، ويمكن أن يكون للتعنيف الجنسي أثر يشبه الاغتصاب. ويمكن أن يكون التعنيف النفسي بالكلام الجنسي. وأنا -شخصيًا- تعرضت لهذا الشيء، وقد شاهدت نساءً مغتصبات للأسف، والإفصاح عن هذه الجريمة يكون صعبًا جدًا، لأن تلك النساء ينتمين إلى مجتمعات تكون ملتزمة عادة، ترفض السيدةَ المغتصبة، وتزيد من تعنيفها بشكل أكبر. ويمكن لمن تعرضت لهذا الفعل أن تتبع جلسات دعم نفسي، بما يمكنها من تجاوز أثرها خلال ثلاث أو أربع سنوات”.




المصدر