سوتشي.. حاملة نوبل للسلام أم وحش “الروهينغا”؟


غالية قباني

تستحق زعيمة ميانمار، أونج سان سوتشي “ذات الوجه البريء”، إبّان سنوات نضالها السلمي السابق، كلَّ انتقاد دولي حاد وُجّه إليها أخيرًا، بما في ذلك المطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام منها، الجائزة التي تسلمتها عام 1991، بصفتها رمز المقاومة السلمية في بلادها، إلى أن تسلمت السلطة عام 2015، وعُرفت بلقب “الزعيمة” اللقب الذي يجعلها الآن المسؤولةَ الفعلية عن السلطة في ميانمار، وعما ترتكبه قوات بلادها العسكرية والأمنية، بحق شعب الروهينغا ذي الأصول البنغالية المسلمة.

وقفت سو تشي، سنوات طويلة، ضد تسلط عسكر بلادها، وتعرضت للاضطهاد، بما في ذلك الإقامة الجبرية، إلى حد أنها حُرمت من وداع زوجها البريطاني الذي كان على حافة الموت، بسبب معاناته مع السرطان. الغريب أن معاناة هذه المعارِضة لم تجعلها متعاطفة مع مظلومية الآخرين، بعد وصولها إلى السلطة، ولو بالحد الأدنى من الرفض والنقد للفظائع التي ينفذها عسكر بلادها في حق مجموعة بشرية، يعود وجودها في ميانمار (بورما سابقًا)، إلى بداية القرن التاسع عشر، بحسب المعلومات التاريخية الموثقة، على الأقل في ظل الاستعمار البريطاني آنذاك.

لم يتم الاعتراف بالروهينغا، كمكون في المجتمع، واعتُبروا لاجئين قادمين من شمال القارة الهندية، وظلّوا -في نظر متسلمي قيادة السلطة في البلد التي عرفت باسم “بورما” آنذاك، قبل أن تتحول إلى ميانمار- مجموعةً خارج الجغرافيا والتاريخ، لا حقوق لها على أي مستوى، لا أوراق رسمية.. لا حقوق ملكية أو تملك للعقار، إنهم بشر غير مرئيين، وإن تمت رؤيتهم، فلكي يقتلوا أو يهجروا.

إن كان العالم المتمدن لا يقبل هذه الممارسات من قبل أي حكومة على وجه الأرض؛ فمن باب أولى، استهجان صمت مسؤولة على قمة السلطة، حملت يومًا جائزة السلام، وجوائز أخرى، تكريمًا لها على “سلميتها” في مواجهة سلطة بلادها. صمتُ الزعيمة وبرودها ونكرانها للتجاوزات، يشكل إهانة للجائزة ولمفهوم السلام في العالم، عندما تغض حاملة هذه المكرمة البصرَ عن كل التجاوزات التي يندى له الجبين، من اغتصاب وذبح واقتلاع من المكان، وهروب المئات بأرواحهم هائمين في البحار؛ فيقضي بعضهم نحبَه غرقًا، كما حصل مع مئة شخص غرقوا أخيرًا، بحسب شهادة ناجين.

لقد وصل استخفاف “الزعيمة” السلمية، بالروهينغا إلى حدّ أن وصفتهم بـ “الإرهابيين”، التهمة التي باتت “موضة” هذا العصر، يرمي بها أيُّ طاغية، الآن، أيَّ مجموعة تعارضه من شعبه؛ ليبرر قمعه الوحشي، ويغطي على انتهاكاته الأمنية المتوحشة. وللتذكير، إنها التهمة التي أطلقها النظام السوري على متظاهرين سلميين، رماهم بالرصاص عام 2011، وعلى مدنيين أرسل إليهم “شبيحته” وعناصر أمنه؛ فذبحوا واغتصبوا وعذبوا. ولم يتوان هذا النظام عن توزيع الفيديوهات، لتهييج العنف الطائفي والكراهية بين مكونات المجتمع؛ ما دفع البعض إلى حمل السلاح. سيناريو الإرهاب تنتهجه سلطات ميانمار الآن، بعد أن تسببت وحشية عسكرها، في دفع مجموعة من الروهينغا إلى حمل السلاح بمواجهة السلطة. لا أحد يبرر حمل السلاح، لكن لا فعل يبرر تهجير 150 ألفًا من هذا الشعب، خلال أقل من أسبوعين، بحسب التقرير الأخير للأمم المتحدة.

لم تكتف زعيمة ميانمار الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وحزمة أخرى من الجوائز، بنفي ارتكاب عسكرها لجرائم بحق الإنسانية، بل اتهمت الضحايا أنفسهم بأنهم وراء “جبل جليدي ضخم من التضليل”، بشأن العنف في بلادها، كما كتبت على صفحتها في (فيسبوك)، وقالت: إن “ادعاءات الاغتصاب كاذبة”. ما يشكل خيانة كبيرة من امرأة لبنات جنسها. وفي الحقيقة، لم تكلف سو تشي -حتى عندما كانت في المعارضة- بانتقاد اضطهاد الروهينغا. كان ذلك نفاقًا منها للعسكر وفئات من المجتمع، في سبيل الوصول إلى السلطة.

لقد شجّع تواطؤ السلطة التي على رأسها الزعيمة سوتشي مع هذه الجرائم، على تجييش المجتمع بأكمله باتجاه هذا العنف المتزايد، حتى رأينا رهبانًا بوذيين في تغطيات تلفزيونية، تورطوا في الحملة الوحشية، فحملوا العصي مطاردين أفرادًا من الروهينغا، كأنهم يطاردون كلابًا ضالة. عندما يتولى رجال دينٍ (يفترض أنهم رمز التسامح والمحبة في مجتمعهم) مهامَّ رجال الأمن؛ يتضح حجم العنف الذي تتعرض له هذه الأقلية المسلمة في ميانمار.

المطلوب الآن من العالم أن يتحرك لحماية شعب الروهينغا، ومطلوب من الدول الإسلامية اتخاذ موقف حازم في هذا السياق، لا يتوقف عند بيان إعلامي. ويُنتظر من المجتمع المدني، في كل أصقاع الأرض، أن يطالب بتجريد زعيمة ميانمار من جائزة، مُنحت لها باسم السلام، بعد أن فشلت في إرساء مفهوم السلام في بلادها، بعد تسلمها للحكم، بل إنها داست عليه في احتقار لأي حقوق إنسان، يُنص عليها في بلد ديمقراطي، بحسب ما كانت تتطلع إليه أيامَ معارضتها. وهي مطالبات انطلقت ويجري جمع التواقيع لها. من هذا المنطلق، يحق لنا المطالبة بتجريدها بكل ما كوفئت به آنذاك، فقد تبين الآن زيفُ ما كانت تدعيه.




المصدر