على اللاعبين الكبار ألا يستسلموا للفكر القائل بأن بشار الأسد يربح




مع إعادة رسم خارطة الحرب السورية، لا تخرجوا بالاستنتاجات الخطأ من المكاسب التي حققها النظام مؤخراً

تبدو خارطة الحرب السورية أكثر ترتيباً، فالنظام يوسع مناطق نفوذه باطراد، وقوات التحالف المدعوم من الولايات المتحدة تبتلع مناطق داعش في أجزاء كبيرة من شرق سوريا، مسيطرة بذلك على منطقة فاعلة بدل سيطرتها على بؤر صغيرة.

تقلصت مناطق المعارضة ونفوذها السياسي بشكل كبير، لكن البؤر الباقية لها قد تتحدد بخطوط واضحة خلال العام القادم. أما فصائل الثوار فهي تحت ضغط من حلفائها ومن القوات الموالية للنظام التي استعادت حيويتها لتخفف أو توقف نشاطها العسكري ضد النظام. وقد اختلفت كل من الولايات المتحدة والأردن مع ثلاثة فصائل رئيسية تقود الهجوم على النظام وداعش في الصحراء السورية، في حين تتخلص هيئة أحرار الشام، وهي فرع من القاعدة، من الأنداد تدريجياً وتستحوذ على معقل الثوار في إدلب.

من غير المرجح أن تتغلب المعارضة السورية على الهيمنة الإسلامية والجهادية، الأمر الذي جعل فرصتها بالحصول على مدافعين عنها عالمياً لتقوم بدور أكبر تتضاءل. والداعمون الإقليميون والعالميون يرون الحل السياسي من خلال محادثات جنيف حصراً، وهي تسلسل أضافته محادثات الآستانة التي دعمتها روسيا مبني على وقف لإطلاق النار وافقت عليه كل من أنقرة وطهران وموسكو.

تتحدد قيمة المعارضة بمدى فائدتها كقوة تحارب المتطرفين دينياً في وقت تخلى فيه الداعمون عن أهدافها الأصلية بالتغيير السياسي العميق. وهذا الحكم المبني على محاربة الإرهاب يتبناه داعموها ومعارضوها كذلك. فداعموها يصرون بأنه لا يمكن هزيمة المتطرفين بلا حل تقبله القوات التي ثارت ضد النظام، ومعارضوها يقولون أن عدم قدرتها على لفظ المتطرفين من صفوفها أنقص من أهميتها.

قد تستمر النزعة الجديدة للتغير على الخريطة. فكل من روسيا والولايات المتحدة مهتمتان بطرد داعش من آخر معاقلها في دير الزور بعد هزيمتها في الرقة. وخلال هذا الأسبوع، كسر النظام حصاراً دام ثلاث سنوات طوّق ثكنة عسكرية عنيدة صمدت أمام هجمات متكررة للثوار والقاعدة وداعش طيلة خمس سنوات. وإن ساد النهج الحالي في واشنطن ستحرر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بقية المحافظة. وبغض النظر عن الوقت المتوقع أن تستغرقه معركة دير الزور، حالما يتقرر من سيتولى كل جزء من الإقليم الشرقي،  يمكننا القول أن خريطة النزاع ستبدأ بأخذ شكلها الدائم.

بالتأكيد لن يكون الوضع مطابقاً تماماً لما أسلفت، إذ قد يستعيد النظام بعض ما يرى أنه مناطق مهمة حول معاقله في الشمال الغربي وحول العاصمة. لكن عدا عن بعض التغييرات البسيطة المحتملة، من الممكن الآن تخيل ثمة حل ما للنزاع السوري.

وفي هذا السياق، حان الوقت ليستثمر اللاعبون الكبار جدياً في حل سياسي بدلاً من التسليم بفكرة أن بشار الأسد ينتصر. ففي حين يبدو مصير السيد الأسد مستقراً، إلا أن ذلك لا يعني أن النظام على وشك تسوية نتيجة الحرب، والوضع العسكري الحالي يفتح المجال أمام هجمة سياسية، يمكن تسهيلها عن طريق ديناميتين جديدتين.

أولاً، الولايات المتحدة هي طرف ذو ثقل هائل على الأرض، ثقل لم تكن تحظى به قبل ثلاث سنوات. وعلاقة واشنطن السابقة مع المعارضة، بغض النظر عن جديتها، فشلت بالإتيان بنتائج على صعيد الاستقرار. أما اليوم فهناك وجود للولايات المتحدة داخل سوريا، والالتزام الدائم ضروري للسيطرة على داعش وغيرها من المجموعات الجهادية.

ثانياً، الميليشيات المشرذمة لا تهيمن على المناطق المحررة من داعش كما كان الحال قبل صيف عام 2014. ويمكن للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أن يستفيد مما يمكن وصفه بأنه “تأثير المسحوق المنظف”، وهو أنه عندما يستحوذ داعش على منطقة، فإن إحدى أهم أولوياته هي تطهير المنطقة من أي منافسة أو خلايا إسلامية أو جهادية. وعند تحرير منطقة كهذه من داعش، يحصل المحررون على منطقة “نظيفة” يمكنهم العمل فيها.

سيكون الأمر منوطاً بالتحالف الدولي لتشكيل المجتمعات المحلية المحررة من داعش ولضمان فشل الجهاديين في إعادة بناء شبكاتهم. فالقاعدة مثلاً عليها أن تبدأ من الصفر تقريباً لبناء تأثيرها في المناطق التي طردها منها داعش، حتى في المناطق التي كان لها فيها وجود قوي فيما سبق مثل دير الزور. وسيعتمد نجاحها أو فشلها على ما يأتي بعد داعش وعلى ما إذا استمر السكان المحليون بالنظر إلى حكامهم الجدد على أنهم محررون.

وكما تغيرت خارطة الحرب السورية خلال السنوات الثلاث الماضية، تغيرت كذلك طبيعة التدخل الخارجي. فالولايات المتحدة لديها من النفوذ والأوراق ما يخولها بتحريك النزاع، وفي الوقت ذاته لا تملك خياراً غير البقاء إن أرادت فعلاً درء خطر داعش. وسيكون من الحصافة استخدام ذاك النفوذ ليس لضمان عدم عودة داعش وحسب، بل كذلك لضمان عدم عودة الولايات المتحدة لمعالجة نزاع تجنبته فيما سبق.

أحد الأخطاء التي يرتكبها المراقبون الخارجيون هي النظر إلى الخارطة العسكرية المتغيرة والخلاص بأنه سيتم تسوية الأمر لصالح النظام بسبب المكاسب المتزايدة التي يحرزها وبسبب استحالة تحقيق أهداف المعارضة الأصلية. هذه النظرة تلغي أي نجاح مؤقت تم تحقيقه عبر السنوات الثلاث الماضية، ،الواقع العسكري المتغير في سوريا ما هو إلا فرصة جديدة لقيادة البلد نحو الاستقرار.

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر