مركز كارنيغي/ موسكو: بوتين كجَدٍّ للأمّة


سمير رمان

المحتوى

ملخص مختصر ……………………1

مقدمة……………………………..2

مستقبل بلا حاضر………………….3

جدّ الأمّة ضد فتاة الأمّة……………..4

ملخص مختصر:

في مسيرة “الخطوط المستقيمة” و “الدروس المفتوحة”، يتحول بوتين تدريجيًا، من أبِ الأمة إلى جدّها. يتحول بشكلٍ أساسي، عبر جذبه الشباب بحكاياتٍ عن الطائرات بدون طيار، والسفر إلى المريخ، وعن الذكاء الاصطناعي، وعن شغف الشعب الروسي.

أحب “شتيرليتس”(1) الشيوخ والأطفال، وأحيانًا النساء، إذا كان حُكمنا، من خلال مشهد إظهار الاستخبارات السوفيتية للجاسوس الشهير شتيرليتس بعيدًا عن زوجته، في مقهى “elphant” في سويسرا، من فيلم (17 لحظة ربيع).

مقدمة

إن البحث عن مرشحٍ نووي لانتخابات 2018 الرئاسية جرّ العرافين السياسيين، من الساحة القديمة إلى نموذج (شتيرليتس): أغانٍ (من حينٍ لآخر) للمتقاعدين، تكنولوجيا للشباب، ونساء “ينافسن” الرئيس، في الانتخابات المقبلة.

أكد فلاديمير إيليتش لينين أن أيّ طبّاخة يمكنها أن تدير الدولة. أي يمكنها -بحسب المعطيات الحديثة- الترشح لرئاسة روسيا الاتحادية، دون أي حظ في الفوز. لينين نفسه، أصبح حاليًا جزءًا من ديكور المتجر الحكومي “غوم” في الساحة الحمراء، وكان يلتقي، في بعض الأحيان، مع الشباب، خاصةً على صفحات لينيانا السوفيتية، ليدعو الأطفال للانضمام إلى جمعية “الأطباق النظيفة”. فقد كان الأطفال يأكلون القليل، ويتركون بقايا طعامٍ في أطباقهم. (والأرجح، كان ذلك بعد تطبيق الشيوعية العسكرية). الشيء نفسه يفعله بوتين الذي التقى في الآونة الأخيرة بالشباب عدة مراتٍ، أكثر من لقاءاته مع ممثلي بعض الفئات الأخرى من المجتمع. كان الأطفال يدعون فلاديمير لينين بـ “الجد لينين”، مع أنه، بحسب المفاهيم الحديثة، يقوم المسؤول الحكومي الرفيع، ذو السن المقاربة لعمر لينين، باستبدال زوجته القديمة بأخرى جديدة، تتناسب أكثر مع اليخت الحديث الذي اقتناه المسؤول. وها هو ذا بوتين يتحول أيضًا -تدريجيًا- من أبِ الأمة إلى جدّها، عبر جذبه الشباب بحكاياتٍ عن الطائرات بدون طيار، والسفر إلى المريخ، الذكاء الاصطناعي وشغف الشعب الروسي، الذي يخوله إنقاذ وتوسيع سلامة أرض البلاد، لمدة ألف عام، ويسمح له بأن تُبلل أحذية الروس في مياه المحيط الهادئ، أما الآخرون، فليتبللوا في “المراحيض”. وقد سبق أن قيلت الكلمة الفصل: التكنولوجيا هي الشباب.

جدّ بلادنا “صلبٌ”، إن لم نقل: “خالدٌ”، فهو يحب أن يعرّض جذعه للهواء الطلق، وقد ظهر عند جيل الشباب، في صورةٍ مجرّبة: “اليوم عيدٌ، عند الشباب؛ فقد حلّ علينا اليومَ ضيفًا”. (بالطريقة نفسها استقبلت رابطة الطلاب التقدميين، في الأول من أيلول/ سبتمبر، وزيرَ الخارجية سيرغي لافروف. على سبيل المثال، هذه هي الكلمات التي ألقتها إحدى الطالبات التي ينتظرها مستقبلٌ واعدٌ على الأرجح: “أنتم معروفون للجميع، ليس كوزيرٍ للخارجية الروسية وحسب، بل كشخصيةٍ متعددة الجوانب؛ فأنتم تقرضون الشعر، ومن خطاباتكم تُقتطَف الأقوال فورًا؛ لأنكم تتمتعون بأسلوبكم الخاص الذي يتصف بمَلَكة الخطابة وحدّة الذكاء. وأنا -الطالبةَ- لا يمكنني إلا أن أتساءل: كيف، وأنتم مشغولون بمهامكم التي تتطلب الحد الأقصى من العطاء، لا تتركون لأعمالكم المجالَ لابتلاعكم، وتتمكنون من الحفاظ على عالمكم الداخلي المتنوع، وعلى شخصيتكم؟”.

مستقبلٌ من دون حاضر

ما جوهر “الدرس المفتوح” لمختار كلّ روسيا؟ تمتلك روسيا تاريخًا مذهلًا يعود إلى ألف سنة، من دون مستقبلٍ محدد بوضوح، ولكن من الواضح، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي، أنها من دون حاضرٍ البتة، إذ ليس لديها ما تقدمه نهائيًا. درس الأول من أيلول/ سبتمبر عقد بعنوان: “روسيا، التواقة نحو المستقبل”. تواقة! لأن عليها الهروب من حاضرها المحزن.

ما قيمة الدرس من دون معلم، حتى لو كان التدريس شفهيًا؟ الرئيس أظهر للشباب “المقتطفات الكلاسيكية” الأساسية كيف تبدو، في كتاب تاريخٍ واحد. يطرح سؤالٌ نفسه: إذا كنا موجودين منذ 1000 عامٍ، وكنا نتطور ونزداد قوةً؛ فإن هذا يعني أن لدينا ما يؤهلنا للقيام بذلك. ما لدينا هو “المفاعل النووي” الداخلي لشعبنا، لإنساننا، للإنسان الروسي الذي يجعلنا نسير قدمًا إلى الأمام. إنه شغفٌ من نوعٍ ما، كالذي تحدث عنه في حينه “غوميلييف”، شغفٌ يدفع بلادنا إلى الأمام.

هنا يظهر سؤالٌ: وهل “نحن” نتطور جيدًا و”نزداد قوةً”، إذا كان كل تاريخنا هو تطورٌ اللحاق بالركب من حق العبودية، ثم البلشفية-الستالينية وما رافقها من مصيدة حتميةٍ “أثر الركبة (الذل)”، تكرار مملٌ لكل ما هو سيئ، يمكن أن يصيب أمة، وخاصةً تكرار التدخل الزائد عن اللزوم من قبل دولةٍ قمعيةٍ، متدنية الكفاءة وأنانية إلى أقصى حد؟ ومن التذكير بالشغف، يمكن أن يُفهم أنه بعد أنْ قرؤوا للرئيس أعمال إيفان إيلين (2)، راحوا يغذونه بأعمال ليف غوميلييف(2)، وهذا يخبرنا الكثير عن الشخصيات التي تؤثر في فلاديمير بوتين تأثيرًا روحيًا، ونفهم لماذا “السيادة” الخيالية أهم -عند بوتين- من التطور: لأنه إذا فُهمت نظرية غوميلييف عن السلالات البشرية، على نحو سيئٍ، فإنها عادةً تقود الروح غير المهيأة لفهمها، إلى التعصب القومي المتطرف.

جَدّ الأمّة ضدّ فتاة الأمة

بالفعل، في اليوم نفسه، عندما رسمَ رأسُ الدولة الشغف المميز الذي يتصف به الشعب الروسي، وردت أنباءٌ، تتحدث عن أن إدارة الرئيس قررت البحث عن امرأة، تنافس الرئيس المتزوج من روسيا. أي إنهم يبحثون عن منافسةٍ لبوتين، في الصراع الرهيب، على كرسي رأس الدولة. أو إن الصورة، سيزيّنها زوغانوف(3)، جيرونوفسكي(4) وميرونوف(5)، الذين أرهقوا أنفسهم وهم يحاولون إظهار حيوية وحكمة المعارضة، طوال عقود من الزمن، سيقوم الناخبون عندها بجر أنفسهم إلى صناديق الانتخاب، وهي مسألة تعادل من حيث تعقيدها سحب البارون ميونخغاوزن(6) نفسه والحصان من المستنقع.

يُعتقد أن وجود الجنس اللطيف على حلبة المنافسة، يمكن أن يكون جاذبًا للناخبين. في حقيقة الأمر، توجد عقبتان: الأولى أن السيدات اللواتي وقع عليهن اختيار إدارة بوتين غير معروفاتٍ لأحد. والثانية أن أيديولوجيتهم تقول إنهم لا يستطيعون مواجهة الرئيس، وكل ما بمقدورهم فعله هو الذهاب إلى المستقبل ضمن أمتعته. على سبيل المثال، لنأخذ إيرينا فولتس، وهي رئيس ما يسمى “اللجنة الأهلية الوطنية”. شقراء، ذات عينين زرقاوين باردتين، بنظرةٍ آرية واضحة، وتُنسَب إليها المشاركة في حركةٍ ما، أسسها القومي الكبير نيقولاي ستاريكوف الذي سيضع ماركةً أبديةً على الناس، وعلى وجهات نظرهم؛ بماذا يمكن لهذه الشقراء منافسة الرئيس؟ وما هي الخلافات التي يمكن أن تكون بينها وبين الرئيس؟ لا جواب.

هل يمكن إيجاد منافسين بين الشباب التقدمي؟ إيجاد شاب ما، تسحره “الخطوط المستقيمة”؟ ولكن، فيمَ سيجادل هذا الشابُ الرئيسَ الذي سيجيبه أكثر من محرك البحث (غوغل)؟.

بالنتيجة؛ لدينا مشهدٌ مجفف: منافسة بين “أب الأمة” و”سيدة الأمة”. هذه ليست انتخابات، إنما تواطؤ عقابي من نوعٍ ما. تشكيل دولةِ شركات، حيث تقسم جميع المجموعات الاجتماعية والجنسية إلى “كتائب”، ترتدي قمصانًا ملونة، مصنفة ومسيطرًا عليها: الصراع على الشباب كصراعٍ على “لحومٍ” انتخابية للفترة 2018-2024 وأبعد، غياب الرغبة في تحديث النظام السياسي والاقتصادي المبني بأدنى درجات الكفاءة، بحثٌ (باستخدام الكلاب والفانوس)، عن مؤشراتٍ أكيدة عن نموذج المستقبل. قصْرُ برنامج التحديث على الجانب التكنولوجي، سيكون لدينا كمخرجاتٍ فكرة عودة التوصيف.

“لكي نحافظ الآن ومستقبلًا على سيادة بلادنا” -قال الرئيس بوتين بحماسة- “ولكي نجعل حياة مواطنينا وحياة الأجيال القادمة.. حياة أبنائنا وأحفادنا، أفضل مما هي عليها اليوم، علينا السعي لتحقيق تقدمٍ نوعي”. سمعنا هذا الخطاب في السابق، قال ألكسندر زينوفييف، في سبعينيات القرن الماضي، واصفًا الشبه بين النظام السياسي الذي يشبه النظام في أيامنا، سمعناه على لسان أحد أبطاله: “نحن نسير إلى الأمام، ونسبق مؤخراتنا بكثير”. ليس هناك ما يضاف إلى هذا الوصف الذي ينطبق تمامًا على مقولة “التطلع إلى المستقبل”.

(1)   من أشهر الجواسيس السوفييت، قبل وخلال الحرب العالمية الثانية. عمل في ألمانيا النازية، ووصل إلى رتبة عقيد في الغيستابو. تحولت قصته إلى مسلسلٍ تلفزيوني، وفيلم سينمائي.

(2)  إيفان إيلين: فيلسوف ومفكر روسي سوفيتي. توفي في ألمانيا ودفن في ميونيخ.

(3)  زوغانوف: زعيم الحزب الشيوعي الروسي.

(4) جيرونوفسكي: زعيم الحزب الليبرالي – الديمقراطي الروسي.

(5) ميرونوف: زعيم حزب روسيا العادلة. عضو مجلس الدوما.

(6) ميونخغاوزن: بطل قصة ألمانية ساخرة.

اسم المقالة الأصلية Путин как дедушка нации كاتب المقالة أندريه كولوسنيكوفب- (مدير برنامج “السياسة الداخلية الروسية والمؤسسات السياسية”). مكان وتاريخ النشر مركز كارنيغي/ موسكو. 3 أيلول 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/2017/09/03/ru-pub-72990 مكان النشر الأول صحيفة ذا نيو تايمز.آر.يو. (الروسية) رابط المقالة https://newtimes.ru/articles/detail/119154 ترجمة سمير رمان


المصدر