الواقعية السياسية الديميستورية إلى أين؟
11 سبتمبر، 2017
أحمد مظهر سعدو
اعتبر مراقبون أن تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، كانت عبارة عن استخلاصات واستنتاجات، وصل إليها من خلال اجتماعاته المستمرة والمتواصلة مع الكبار في الإدارة الأمريكية، أو الروسية، أو في الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، اعتبر آخرون أن دي ميستورا كان صريحًا إلى درجة كبيرة، كما كان “لا أمميًا إلى درجة أكبر”، في حين أن المطلوب منه متابعة إجراءاته العملية للجمع بين الطرفين، سلطة ومعارضة، وصولًا إلى حل تسووي، أو تنفيذًا لقرارات جنيف 1 التي باتت بعيدة المنال.
الكاتب السوري منصور حسنو يرى أنه “يمكن فهم السياق الدولي الذي جاء بدي ميستورا مبعوثًا دوليًا للسلام في سورية، وإدارة المفاوضات السياسية مع أطراف المسألة السورية، بفهم صانع جنيف 1 لعام 2012، وهو السيد كوفي عنان المؤسس الأول لخريطة طريق وحل سياسي واضح في سورية، يلبي تطلعات الشعب السوري، ويجنب انهيار جميع بنى ومؤسسات الدولة السورية”.
قال حسنو لـ (جيرون): إن “دي ميستورا لم يعد يملك شخصية المبعوث الدولي الجدّي، بعد أن تحول إلى سمسار عالمي يعبر عن هزالة المجتمع الدولي غير المسبوقة تاريخيًا”، وأضاف أن دي ميستورا “لم يمانع في الإشراف على تسويات سياسية، لم تكن في يوم من الأيام سوى عمليات تطهير عرقي وديني، عبر نقل الجماعات المعارضة العسكرية والمدنية إلى مناطق أخرى في سورية”.
وأضاف أن التفاف المبعوث الأممي “على كل بنود جنيف 1، وإغراق المعارضة السورية في تفاصيل كانت في غنى عنها، أدى إلى خلق منصات ومؤتمرات ومفاوضين، بحيث لم يشعر السوريون إلا وقد تحقق ما توعدهم به وزير الخارجية السوري، يوم قال (سنغرقكم بالتفاصيل).. الحقيقة أن دي ميستورا كان المشرف الدولي على عملية الإغراق تلك”.
الكاتب الصحفي السوري منير شحود قال إنه “لا يرى في كلام دي ميستورا جديدًا، فمقولة عدم تحقق الانتصار العسكري لطرف على آخر، متداولة دوليًا منذ عام 2012- 2013، وليس كلام دي ميستورا إلا انعكاسًا لواقع الحال المستمر كحرب عدمية، منذ ذلك الحين”.
يرى شحود، في حديثه لـ (جيرون) عن الموضوع، أن “المشكلة/ المعضلة هي في المعارضة التي لا ترى كل هذه الوقائع بالفعل، ودعمت، بصورة غير مباشرة على الأقل، من خلال داعميها الإقليميين، معارضةً عسكرية يقودها الجهاديون؛ ما جعل من المستحيل أن تكون بديلًا وطنيًا للنظام”؛ وقادَ إلى “ضرورة الدخول في مفاوضات، يرسمها الطرفان الدوليان المهيمنان الآن: روسيا وأميركا”، وعدّ أن مواقف المعارضة هي “انعكاس لرغبات أطراف إقليمية مهيمنة”، متابعًا أن “خياراتها الآن محدودة، بعد تصدع الحلف الإقليمي الداعم، وعليها مواجهة الحقيقة التي عبّر عنها دي ميستورا بالفعل”.
من جهة ثانية، يعتقد المعارض السوري ماجد حمدون أن “هناك حقيقة نسبية فاقعة، في ما ورد بتصريح دي ميستورا؛ إذ لا يمكن القول إن المعارضة كسبت الحرب، لا سيما أننا في الفصل الأخير من المعركة العسكرية، وفي المقابل إن أحدًا لم يكسب الحرب لا النظام ولا روسية ولا إيران ولا القاعدة”. وقال حمدون لـ (جيرون): إن “للحرب أهدافًا متعددة تختلف من طرف إلى آخر، والفصائل التي تتبنى أهداف الثورة تم تصفيتها واضمحلالها، إما بالقضاء عليها من قبل قوى التطرف أو بربطها بأجندات إقليمية أصبحت أسيرة لها”.
وأضاف أن “التحلي بالواقعية أمر يفرضه واقع الثورة السورية التي تحتاج إلى قراءة نقدية تتجدد فيها الأهداف والأدوات والوسائل والخطاب والمواقف”، وأكد أن توحد المعارضة “واجب ثوري ووطني، ينبغي أن يتم العمل عليه، لا كما يراه دي ميستورا برفد هيئة التفاوض بمنصات ومنظمات مجتمع مدني صنعها مسبقًا، بل كما تتطلب الثورة السورية، وفي كل الأحوال فإن الواقعية السياسية لا تعني الغرق في الواقع المتردي الذي تعيشه الثورة، وإنما محاولة فهم هذا الواقع؛ للخروج منه نحو مواقع أفضل بالنسبة إلى المعارضة”.
في السياق ذاته، عبّر الكاتب المعارض علي العبد الله عن اعتقاده في أن “تصريح دي ميستورا ليس واقعية سياسية، بل خطأً سياسيًا في ضوء انعكاسه السلبي على العملية السياسية، من دون الدخول في تحليل دوافع المبعوث الذي (التحليل) يؤخذ على قائله”.
وقال العبد لله لـ (جيرون): إن تصريح دي ميستورا، حول الصراع في سورية، انطوى على ثلاثة أخطاء سياسية فادحة، أولها أنه اعتبر الصراع معركة عسكرية بين طرفين، وكأنه يريد تطبيق القواعد التي تحكم الحروب وتُخضع المهزوم لشروط المنتصر، متجاهلًا جذر الصراع والحلول التي يمكن أن تقود إلى انتهائه”. وأضاف: “نحن إزاء صراع سياسي، على خلفية الموقف الشعبي الرافض لنمط الحكم الذي ساد في سورية طوال عقود، والمطلوب من الحل السياسي المنطقي والعملي معالجة جذر المشكلة، وتلبية تطلعات السوريين من أجل حل حقيقي يوفر الأمن والاستقرار.. ودون ذلك؛ لن يستقر الوضع ويدخل في معالجة واقعية”.
العبد الله يرى أن الخطأ الثاني هو “تجاهل المبعوث الدولي للتطورات التي شهدها الصراع في سورية، والذي رتب سيطرة بُعد الصراع على سورية على المشهد، بفعل انخراط دول وقوى إقليمية ودولية بأجنداتها ومصالحها”، وهو ما يستدعي التركيز على هذا البُعد.
والخطأ الثالث -كما قال العبد الله- هو “تصرفه خارج الدور الذي كُلف به، فللمبعوث الدولي دور محدد، أساسه التوسط بين أطراف الصراع، والبحث عن قواسم مشتركة، واقتراح مخارج لتقريب المواقف تأخذ مطالب طرفي الصراع في الحسبان، ولا يدخل في مهمته إصدار أحكام على مضمون مواقف أطراف الصراع أو وضع حل خارج توجهاتهم”.
من جهتها، قالت الفنانة السورية مي سكاف لـ (جيرون) إن التصريحات الأخيرة لدي ميستورا هي” استمرار لنهج دولي، تجاه الثورة السورية من سبع سنوات متواصلة”.
[sociallocker] [/sociallocker]