تقرير يوثق الانتهاكات بحق الكوادر الطبية والدفاع المدني خلال آب 2017
11 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
فؤاد الصافي: المصدر
نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الشهري الخاص بتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحق الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني والمنشآت العاملة لهما، من قبل أطراف النزاع في سوريا.
يؤكد التقرير أن قوات النظام السوري متورطة ومنذ عام 2011 بقصف واستهداف المنشآت الطبية ومراكز الدفاع المدني، وكذلك أطراف النزاع المسلح التي استهدفت الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني بعمليات القتل والاعتقال، وهذا يدل على سياسة متعمدة تهدف إلى إيقاع المزيد من القتلى، وزيادة معاناة الجرحى من المدنيين والمسلحين.
وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “إن الهجمات على المراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني، وعلى الكوادر الطبية أيضاً وكوادر الدفاع المدني، تُعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وترقى إلى جريمة حرب من خلال الهجوم الفوضوي وفي كثير من الأحيان المتعمد على الأعيان المشمولة بالحماية، لقد تسبب كل ذلك في آلام مضاعفة للجرحى والمصابين، وهو أحد الأسباب الرئيسة لتهجير الشعب السوري، عبر رسالة واضحة أنه لا توجد منطقة آمنة، أو خط أحمر، بما فيها المشافي، عليكم أن تهاجروا جميعاً أو تَفْنَوا”.
أشار التقرير إلى اتفاق خفض التصعيد في سوريا، الذي دخل حيِّزَ التنفيذ في 6/ أيار/ 2017، بعد أن تمّ الإعلان عنه في ختام الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة المنعقدة بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وقد تضمَّن إقامة أربعة مناطق لخفض التَّصعيد في سوريا توقف فيها الأعمال القتالية ويُسمح بدخول المساعدات الإنسانية ويُسمح أيضاً بعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق التي حددها الاتفاق بـ: محافظة إدلب وماحولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق.
كما ذكر التقرير أنَّ مباحثات واسعة بدأت في أيار/ 2017 في العاصمة الأردنية عمَّان بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن، أسفرت عن إعلان كل من الرئيسَين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول الاقتصاديات العشرين الكبرى في هامبورغ التَّوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ودخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الأحد 9/ تموز/ 2017. وقد نصّ على السماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة (قوات النظام السوري وحلفاؤه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية) على أن يقع أمن هذه المنطقة على عاتق القوات الروسية بالتّنسيق مع الأمريكيين والأردنيين. وذكر التقرير أنّ المناطق المشمولة بالاتفاقات قد شهدت تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدَّل القتل -منذ دخول الاتفاقات حيِّزَ التنفيذ- مقارنة مع الأشهر السابقة منذ آذار 2011 حتى الآن.
كما أشار التقرير إلى انعقاد اتفاقيات محليّة أخرى كاتفاق الغوطة الشرقية بين فصائل المعارضة المسلحة فيها من جهة، وأفراد من الجانب الروسي من جهة ثانية، واتفاق مُشابه مع فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، لكنَّ هذه الاتفاقيات لم تُنشر نصوصها الرسمية على مواقع للحكومة الروسية، كما لم تنشرها فصائل المعارضة المسلحة، باستثناء فصيل فيلق الرحمن الذي نشر نصَّا للاتفاق وردَ في نهايته توقيع لضامن روسي دون ذكر الاسم الصريح؛ الأمر الذي ذكر التقرير أنّه يُسهل على الطرف الروسي الضامن التخلص من أي التزامات أو تبعات قانونية أو سياسية لاحقة.
وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت 22/ تموز/ 2017 عن توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية في ختام المفاوضات بين أفراد عسكريين روس من جهة، وبين فصيل جيش الإسلام من جهة ثانية، في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يدخل الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في الساعة 12:00 من اليوم ذاته. وفي يوم الأربعاء 16/ آب/ 2017 وقّع ممثل عن فيلق الرحمن وممثل عن الحكومة الروسية في مدينة جنيف اتفاقاً ينصُّ على انضمام فيلق الرحمن إلى منطقة خفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية، على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ عند الساعة 21:00 من يوم الجمعة 18/ آب/ 2017.
ونوّه التقرير إلى توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي في القاهرة يوم الإثنين 31/ تموز/ 2017، بين فصائل في المعارضة المسلحة في المنطقة والنظام السوري ممثلاً بالحكومة الروسية كطرف ضامن، على أن يدخلُ الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الخميس 3/ آب/ 2017. وشملت أهم بنود الاتفاقين الأخيرين وقفَ جميع الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة في المناطق المذكورة -باستثناء مناطق وجود تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام- والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق والإفراج عن المعتقلين -محلَّ اهتمام كل طرف. فيما أشار التقرير إلى أنَّ حصيلة الضحايا المدنيين على يد النظام السوري وانتهاكاته واسعة النطاق إلى عدم التزامه بالاتفاقين الأخيرين الموقَعَين.
ونوّه التقرير إلى أنه رغم اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار وما تبعه من اتفاقات خفض التصعيد فإن الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام السوري، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً للجهات الضامنة للاتفاقات- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.
وذكر التقرير أنَّ شهر آب شهدَ انخفاضاً ملحوظاً في معدل الانتهاكات بحق الكوادر الطبية والدفاع المدني ومراكزهم الحيوية للشهر الثالث على التوالي عقب دخول اتفاق خفض التَّصعيد حيِّز الَّتنفيذ في 6/ أيار/ 2017، وأشار إلى تفوُّقِ قوات التحالف الدولي على كل من النظام السوري وتنظيم داعش في قتل الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني، فيما تصدَّر النظام السوري بقية الأطراف في ارتكاب الانتهاكات بحق المنشآت الطبية ومنشآت الدفاع المدني. وشَهِدَ آب أيضاً ثاني مجزرة في هذا العام بحقِّ كوادر الدفاع المدني.
سجّل التقرير مقتل 84 من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ مطلع عام 2017، فيما وثّق مقتل 13 من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني في شهر آب، 1 على يد كل من قوات النظام السوري وتنظيم داعش، و4 على يد قوات التحالف الدولي، و7 على يد جهات أخرى.
وأشار التقرير إلى تفاصيل الضحايا، حيث قتلت قوات النظام السوري 1 من الكوادر الطبية، فيما قتل تنظيم داعش طبيباً وقتلت قوات التحالف الدولي 4 أطباء، وقتلت جهات أخرى 7 من كوادر الدفاع المدني.
كما وثق التقرير 14 حادثة اعتداء على مراكز حيوية طبية ومراكز للدفاع المدني، كانت 5 منها على يد قوات النظام السوري استهدفت فيها مراكز للدفاع المدني. و1 حادثة اعتداء على يد كل من القوات الروسية وقوات الإدارة الذاتية استهدفت كل منها منشآت طبية، فيما سجل التقرير ارتكاب قوات التحالف الدولي 4 حوادث اعتداء على منشآت طبية. و3 حوادث اعتداء على مراكز للدفاع المدني نفّذتها جهات أخرى.
نوّه التقرير إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعتمد منهجية عالية في التوثيق، عبر الروايات المباشرة لناجين أو لأهالي الضحايا، إضافة إلى عمليات تدقيق وتحليل الصور والفيديوهات وبعض التسجيلات الطبية، وتواجه الشبكة تحديات وصعوبات كبيرة في ظل الحظر والملاحقة من قبل قوات النظام السوري وبعض المجموعات المسلحة الأخرى. ونتيجة لتلك التحديات يتفاوت كمُّ ونوعية الأدلة بين حادثة وأخرى، وتبقى الحوادث خاضعة للتحقيق المستمر وجمع الأدلة والقرائن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير التوصيف القانوني في كثير من الحوادث نظراً لحصول الشبكة على أدلة أو قرائن جديدة لم تكن متوفرة لدى نشر التقرير، إضافة إلى أن العديد من الحوادث قد لا تُشكلّ انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، لكنَّها تضمَّنت أضراراً جانبية، ما يدفع الشبكة لتسجيلها وأرشفتها من أجل معرفة ما حدث تاريخياً، وحفاظاً عليها كسجلٍ وطني، مع عدم وصفها بأنها ترقى إلى جرائم.
وأشار التقرير إلى أنّ الهجمات الواردة تُشكل خرقاً لقراري مجلس الأمن رقم 2139 ورقم 2254 القاضيان بوقف الهجمات العشوائية، كما تُشكل جريمة القتل العمد انتهاكاً للمادة الثامنة من قانون روما الأساسي، ما يُشكل جرائم حرب.
كما أنّ القوات السورية انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومارست أفعالاً ترقى لأن تكون جرائم حرب. ومارست أيضاً القوات الروسية وقوات الإدارة الذاتية، وتنظيم داعش، وقوات التحالف الدولي، وجهات أخرى أفعالاً ترقى لأن تكون جرائم حرب عبر عمليات القتل خارج نطاق القانون أو استهداف المراكز الحيوية المدنية.
وحثَّ مجلس الأمن على اتخاذ إجراءات إضافية بعد مرور أكثر عامين على القرار رقم 2139 دون وجود التزامات بوقف عمليات القصف العشوائي.
وأكَّد التقرير على ضرورة قيام مجلس الأمن بإحلال الأمن والسلام وتطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين، لحفظ أرواح السوريين وتراثهم وفنونهم من الدمار والنهب والتخريب، وتوسيع العقوبات لتشمل النظام الروسي والنظام الإيراني المتورطَين بشكل مباشر في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب السوري.
كما شملت توصيات التقرير تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (ICRtoP)، بعد استنفاذ الخطوات السياسية عبر اتفاقية الجامعة العربية ثم خطة السيد كوفي عنان، وضرورة اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ظل عرقلة مجلس الأمن لحماية المدنيين في سوريا. وطالب التقرير بتجديد الضغط على مجلس الأمن بهدف إحالة الملف في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
كما طالبَ الضامن الروسي بضرورة ردع النظام السوري عن إفشال اتفاقيات خفض التصعيد، والبدء بتحقيق اختراق في قضية المعتقلين عبر الكشف عن مصير 76 ألف مختفٍ قسرياً.
وأخيراً أوصى التقرير المنظمات العالمية بإرسال متطوعين للعمل في المناطق الغير خطرة حيث يتم إسعاف المرضى إليها، وخاصة بعد توثيق حالات وفاة كثيرة من المرضى بسبب العجز في الكوادر الطبية.
[sociallocker] [/sociallocker]