الغوطة الشرقية: مؤسسات الحكم المحلي والموارد الاقتصادية


سامر الأحمد

مع الإعلان عن دخول الغوطة الشرقية ضمن اتفاق خفض التصعيد؛ برز الحديث عن مدى قدرة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، على إدارة شؤونها وتأمين مواردها الخاصة، بمعزل عن سلطة النظام.

يوجد في الغوطة الشرقية 43 مجلسًا محليًا، عدد المجالس الفاعلة منها 18 مجلسًا، يقوم كلّ منها بأعماله على أرض الواقع، بينما تمثل بقية المجالس مدنَ وبلدات القطاع الجنوبي الذي سيطر عليه النظام مؤخرًا، وتتبع جميع هذه المجالس لمحافظة ريف دمشق التابعة لوزارة الإدارة المحلية، في الحكومة السورية المؤقتة.

تنقسم الغوطة -جغرافيًا- إلى قطاعين رئيسَين، وبعد الخلافات الأخيرة بين الفصائل، ترسخ ذلك الانقسام، حيث تشكل مدن دوما ومسرابا ومَديَرا، إضافة إلى مناطق الأحواش، قطاع دوما الخاضع لسيطرة (جيش الإسلام)، بينما يتشكل القطاع الأوسط من مدن وبلدات عين ترما وكفربطنا وزملكا وسقبا وحمورية وعربين، إضافة إلى حي جوبر الدمشقي، ويسيطر عليه (فيلق الرحمن).

نائب رئيس الحكومة المؤقتة أكرم طعمة، وهو يقيم في مدينة دوما، أكد، في حديث لـ (جيرون)، أن هذه المجالس “باتت تمثل البديل عن الدولة المدنية الغائبة، وتهدف المجالس المحلية في المرحلة الحالية إلى سد الفراغ الذي تركه غياب الدولة، من خلال تقديم الخدمات المدنية لأكبر قدر ممكن من الأفراد، بأفضل طريقة ممكنة”. عن آلية انتخاب هذه المجالس، قال طعمة: “هي مجالس منتخبة، حسب اللائحة الداخلية الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة، وتحت إشراف مجلس المحافظة”.

شكك مصدر خاص من دوما، في عملية الانتخابات التي تحصل، متهمًا الفصائل بممارسة “بعض أنواع الضغط لكي ينجح مرشحون مقربون منهم”، وأفاد المصدر أن “مدينة دوما -مثلًا- تشهد تنافسًا حادًا، أثناء انتخابات مجلسها المحلي، بين كتلتين رئيستين هما كتلة الإسلاميين المقربة من (جيش الإسلام)، وكتلة الحراك المدني، وبقايا منتسبي حزب الاتحاد الاشتراكي”.

على الرغم من ذلك، يُعدّ عمل المجالس المحلية في الغوطة الشرقية متميزًا؛ حيث حصل مجلس مدينة دوما على تصنيف أفضل مجلس محلي في سورية، العام المنصرم، بعد مجلس مدينة حلب، ويشير طعمة إلى أن “مجلس دوما -مثلًا- يضم مكتبًا للمرأة، منذ عام 2014 تديره سيدة، كما تم ترشيح بعض النساء لتمثيل المرأة في مجلس المحافظة، للدورة القادمة، لضمان حقوقها في المجتمع والمشاركة في بنائه”.

مصطفى سقر محافظ ريف دمشق أكد لـ (جيرون) أن الخدمات التي تقدمها المجالس -حاليًا- تتمثل بـ “توفير المياه وترحيل القمامة، وإنشاء مشاريع إيواء وإصلاح منازل للمهجرين، ومشاريع تدخّل طارئ غذائي لدعم استقرار الأسواق، ومشاريع دعم إداري بالاتصالات للمجالس، ومشاريع تحصين للمشافي، وهناك وعود بتنفيذ مشروع لتطوير شبكة الكهرباء والهاتف”.

عن أهم المنظمات التي تقدم دعمًا لمشاريع المجالس المحلية في الغوطة، قال سقر: “أهم الداعمين وحدة تنسيق الدعم (ACU) وهي تدعم مشروع أمن غذائي، يتعلق بتخزين الحبوب، ويدعم المركز الإقليمي السوري (كومينكس) مشاريع مائية، كما يدعم مكتب التنمية مشروع رواتب للمجالس”.

يتبع للحكومة المؤقتة في الغوطة الشرقية عدد من المديريات أهمها: مديرية التربية والتعليم، ومديرية الخدمات، ومديرية الثروة الحيوانية، ومديرية السجل المدني، حيث تسهم هذه المديريات، بمساعدة المجالس، في تقديم الخدمات للمدنيين، بحسب المستطاع.

أكد طعمة أن المجالس المحلية تواجه عددًا من التحديات، تتمثل بـ “استمرار الحصار المفروض على الغوطة، منذ خمس سنوات، وغلاء سعر المحروقات بشكل جنوني، وعدم توفر قطع الصيانة، وكميات الردم الناتجة عن الدمار الذي تعرضت له الغوطة في السابق، بالإضافة إلى عدم توفر الدعم المالي الكافي للقيام بالخدمات اللازمة”.

أشار طعمة إلى أنه في حال “تم رفع الحصار وإدخال المواد اللازمة لبناء البنية التحتية؛ سيكون عمل المجالس أفضل، وستستطيع تقديم خدمات أكبر للمواطنين، كما سيكون لها دور أساس في الإشراف على عملية إعادة الإعمار”.

عبد الملك عبود -وهو أحد ناشطي العمل المدني في الغوطة- أكد لـ (جيرون) أن “تجربة الحكم المحلي في الغوطة الشرقية تعد من أنجح التجارب، في تاريخ الثورة السورية؛ لأنها، بالإمكانات البسيطة ومع جهود عظيمة من بعض الكفاءات العلمية، تمكنت منذ عام 2012 من الاستغناء الكامل عن المؤسسات الحكومية التابعة، وكان إنشاؤها ترميمًا للشرخ الذي حصل بخروج مجالس البلديات من المنطقة، بسبب التحرير”.

أما القضاء فقد تأثر بشكل مباشر بالخلاف الحاصل بين فصيلي (جيش الإسلام) و(فيلق الرحمن)؛ ما أدى إلى إحداث محكمتين: الأولى في دوما، تحت اسم “المجلس القضائي للغوطة” في دوما، وهو مختص بقطاع دوما وريفها، أما الثانية فهي “محكمة القضاء الموحد” في حمورية التابعة للهيئة الشرعية، وهي تختص بالقطاع الأوسط، بكافة مدنه وبلداته، ويتضمن عمل المحاكم: القضايا الجنائية، ومحكمة الصلح، والأحوال المدنية كتسجيل الزواج والولادات.

تعزز العمل المدني في الغوطة الشرقية على نحو لافت، خلال السنوات الماضية، حتى إنه تم افتتاح مراكز تنمية سياسية في دوما، تمثّلت بـ “مركز الحوار”، و”منتدى الشباب السوري الحر”، و”منتدى زيتون” التابع لمركز (حرمون) للدراسات في القطاع الأوسط، إضافة إلى مكتب التنمية، ومركز توثيق الانتهاكات، وعشرات المنظمات العاملة في الإغاثة والتعليم.

من الناحية الاقتصادية، تتنوع موارد المدنيين الاقتصادية، في عدة مجالات، بالرغم من الحصار المفروض على الغوطة، وهي:

الزراعة: وهي تنتشر انتشارًا واسعًا، وبخاصة الحبوب والخضروات، ويتم تصريفها في سوقين رئيسيين، هما “سوق الهال” في سقبا، و”سوق الهال” في دوما. تربية الحيوانات: حيث يهتم السكان بتربية المواشي والدواجن، وهناك سوق مركزي للماشية، في منطقة “حوش الظواهرة”. الصناعة: حيث تنتشر ورشات ومعامل صغيرة، تختص بالنسيج والخياطة والحدادة. التجارة: وتعد مسرابا مركزها الرئيس، وتقوم على عمليات التبادل التجاري في مختلف السلع المطلوبة.

إضافة إلى معمل المراعي الدمشقية، ويختص بإنتاج الأجبان والألبان، ويوجد في مدينة مسرابا، ويعمل فيه أكثر من ألف عامل من أبناء الغوطة.

بالرغم من إدخال كميات من الوقود إلى الغوطة إلا أن السكان توصلوا، قبل مدة، إلى طريقة جديدة لاستخراج الوقود من البلاستيك، حتى إنهم نجحوا في استخراج غاز الطبخ من البلاستيك، وهو يباع بأسعار أرخص بكثير من المحروقات التي يدخلها أحد التجار المتعاملين مع قوات النظام.

تحاول المجالس المحلية في الغوطة الشرقية إيجاد بعض الموارد الذاتية، عبر فرض رسوم سنوية على المحالّ التجارية، في بعض المناطق، كما أنها تبيع الكهرباء عبر مولدات الأمبيرات في مناطق أخرى، وتفرض رسومًا خاصة على استخراج الأوراق الرسمية المتعلقة بالزواج وبيع العقارات، وتمنح بعض المجالس تراخيص خاصة بالمنظمات، مقابل مبلغ مالي محدد.

تتدخل الفصائل العسكرية في عمل المجالس ومنظمات العمل المدني، عند حدوث ما تسميه بـ “التجاوز الأمني”، وهذا ما حصل مؤخرًا مع مكتب مجلة (طلعنا عالحرية)، بسبب مقال “يسيء للمعتقدات الدينية”، بحسب قول الفصائل، كما ضغط مؤخرًا (جيش الإسلام) على مجلس مسرابا لإصدار بيان ضد (فيلق الرحمن)، بعد أن قام الأخير بإجبار مجالس القطاع الأوسط، على إصدار بيان مشابه ضد (جيش الإسلام).

على الرغم من التجاوزات التي تشهدها الغوطة من قبل الفصائل العسكرية، وحملة القصف والحصار الممنهج الذي يفرضه النظام على الغوطة الشرقية، إلا أن المجالس المحلية قدمت نموذجًا ناجحًا من الإدارة الذاتية المستقلة عن النظام، والمتمثل بنجاح التنسيق في مختلف نواحي العمل، بإشراف مجلس المحافظة الذي يعد المظلة الشرعية للإدارة المحلية في الغوطة الدمشقية.




المصدر