روسيا وبدائل الأسد


مشعل العدوي

من المذهل أن لا نجد، بين ثلاث وعشرين مليون سوري، بديلًا ترضى به روسيا وإيران، ولن نجد من طرازه، ولو بعد مئة عام، فهذا الرجل إن تحرك من مكانه؛ فسيكون آخر نسخة من نوعه، وأي بديل آخر يخلفه -في أحسن الحالات- لن يتوافق مع 10 بالمئة من المواصفات التي تطلبها موسكو.

من أين ستحصل موسكو على رجل يكون الأمينَ العام لحزبٍ، يُسيطر على كل مفاصل الدولة، من حارس بئر في أطراف البادية، إلى رئيس مجلس الوزراء، مرورًا بوزارات الداخلية والخارجية والدفاع والمالية، ومجلس الشعب رئيسًا وأعضاء ومستقلين وهميين، ويكون قائدًا عامًا للجيش والقوات المسلحة، ورئيسًا لمجلس القضاء الأعلى، يُعلن الحرب ويوقّع على السلم منفردًا، ويوقع وحده الاتفاقات مع الدول، ويمنح القواعد العسكرية، ويطلب الجيوش منفردًا، ثم يُشرّع المراسيم، ويوقعها، ويمررها شكليًا إلى مجلس الدمى والتصفيق!

كيف ستجد روسيا رئيسًا يكتب الدستور بيده، ثم يخرقه بعشرات القوانين ومئات التعليمات؟ ومن أين ستجد رئيسًا تقول له: كن؛ فيكون؟ توهمه بأنه محمي دوليًا، ثم تُساومه على القواعد الروسية مقابل الفيتو، من أين ستجد روسيًا رئيسًا، لا يرى أبعد من قوائم الكرسي الذي يجلس عليه؟

حقيقة الأمر أن روسيا لا تتمسك بشخص بشار الأسد، وإنما بالوظائف التي يملكها، وهي تشمل السيطرة المطلقة والتامة على كل مفاصل البلاد، فحين ذهب إلى موسكو ووقع الاتفاقات بشأن القواعد العسكرية، لم يستشر أحدًا، ولم يكن بحاجة إلى موافقة من أحد، وكذلك الأمر، حين منح روسيا امتيازات الغاز على شواطئ المتوسط، فهو المُتنفّذ الوحيد الذي لا يسأله أحد، ولا يستطيع أن يرفض لموسكو طلبًا واحدًا؛ لأن مصيره سيكون محكمة الجنايات الدولية، في اليوم الذي تتخلى عنه موسكو، وتتركه يواجه مصيره أمام عشرات الملفات الجنائية المُثبتة، إنه بمثابة “خروف” سمّنته روسيا، لتستمتع بمنظره، وإن جاعت أكلته.

بالمقابل، تُدرك روسيا تمام الإدراك أن أي مغامرة برحيل الأسد، أو استبداله، ستكون نهايتها في سورية، فعلى الرغم من أن لديها عشرات العملاء المُخلصين لها، ويمكن أن تثق بهم ليحلّوا مكانه، لكنهم سيكونون بلا وظائفه، وبلا فروعه الأمنية، وبلا سلطته المُطلقة التي يمنحها له دستوره الذي وضعه، ليُحلل به عمالته.

لا تريد روسيا أن ترى في سورية مجلسَ شعب مُنتخبًا وحرًا، ولا قضاءً مستقلًا، ولا حكومة تُشكّلها القوى السياسية الفائزة بانتخابات ديمقراطية، ولا تريد أن ينقص عدد عناصر الأمن عنصرًا واحدًا، ولا الفروع الأمنية فرعًا واحدًا، وهذا لن يحققه سوى شخص واحد فقط، هو بشار الأسد.

تتمسك اليومَ روسيا بالأسد أكثر من تمسكها به عام 2011؛ فهو اليومَ ضعيف مُنهك، بعد أن فقد أغلبية الجيش، وسلّم الأرض للميليشيات الإيرانية، وباتت البلاد بلا اقتصاد، وبات لينًا هينًا كعجينة، تفعل به وبسورية ما تشاء، فبعد أن منح روسيا شرعية وجودها في سورية؛ لم يعد يستطيع تحريك قدم إلا بإذنها.

لو أرادت روسيا أن تستغني عن بشار الأسد، لما استغرق الأمر أكثر من دقائق؛ تستدعيه إلى قاعدة حميميم، وتضعه في طائرة عسكرية، وترسله إلى موسكو، وتُعلن عن مجلس عسكري يحكم البلاد، إلى حين تشكيل حكومة مدنية وانتخابات عامة، ولكن لا يمكن أن ننتظر من روسيا أن تتخلى عن كل هذه الامتيازات، فهي اليومَ تمتلك سورية بالكامل، من خلال امتلاكها الأسد، ولا مقابل تتوقعه من المعارضة أو من المجتمع الدولي، مقابل تخليها عنه.

ستبقى روسيا تُحاور وتُناور، من أستانا إلى جنيف، مرورًا بأنقرة والرياض، إلى أن تُعيد تأهيل الأسد، حتى لو بقي معزولًا دوليًا، وليس هذا الأمر سيئًا -بالنسبة إليها- بقدر ما هو مفيد، فبقاؤه حبيسًا في سورية يعني تمسّكَه بالنافذة الروسية، وبقاءه أمينًا وممتنًا لها؛ لتصبح سورية سوقًا روسية وموردًا غازيًا ونفطيًا لها، ومستقرًا لها في المياه الدافئة على المتوسط.

ماذا تريد موسكو أكثر من ذلك؟ ومن سيعوضها عن هذا؟ وماذا يملك الشعب السوري ليُقدّم لموسكو، بعد أن باع الأسد البلد؟

لم يبق للشعب السوري المكلوم أمام هذا العسف المزدوج، الروسي الأسدي، سوى المقاومة الشعبية، بكل الوسائل المتاحة، إن أراد فعلًا التغيير والتحرر، وعليه أن يُدرك أن كل ما يجري، من مفاوضات واتفاقات، لن يؤدي إلا إلى إعادة تأهيل الأسد، وربما يحصل ذلك بعد سنوات عجاف طويلة، ما لم ترجع الثورة السورية إلى زخم أيامها الأولى.




المصدر