تقرير: نحو 27 مجزرةً في آب 2017




فؤاد الصافي: المصدر

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الدوري الخاص بتوثيق المجازر المرتكبة من قبل أطراف النزاع في سوريا.

أشار التقرير إلى اتفاق خفض التصعيد في سوريا، الذي دخل حيِّزَ التنفيذ في 6/ أيار/ 2017، بعد أن تمّ الإعلان عنه في ختام الجولة الرابعة من مفاوضات أستانة المنعقدة بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، وقد تضمَّن إقامة أربعة مناطق لخفض التَّصعيد في سوريا توقف فيها الأعمال القتالية ويُسمح بدخول المساعدات الإنسانية ويُسمح أيضاً بعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق التي حددها الاتفاق بـ: محافظة إدلب وما حولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق.

كما ذكر التقرير أنَّ مباحثات واسعة بدأت في أيار/ 2017 في العاصمة الأردنية عمَّان بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن، أسفرت عن إعلان كل من الرئيسَين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول الاقتصاديات العشرين الكبرى في هامبورغ التَّوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ودخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الأحد 9/ تموز/ 2017. وقد نصّ على السماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة (قوات النظام وحلفاؤه من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة من جهة ثانية) على أن يقع أمن هذه المنطقة على عاتق القوات الروسية بالتّنسيق مع الأمريكيين والأردنيين. وذكر التقرير أنّ المناطق المشمولة بالاتفاقات قد شهدت تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدَّل القتل -منذ دخول الاتفاقات حيِّزَ التنفيذ- مقارنة مع الأشهر السابقة منذ آذار 2011 حتى الآن.

كما أشار التقرير إلى انعقاد اتفاقيات محليّة أخرى كاتفاق الغوطة الشرقية بين فصائل المعارضة المسلحة فيها من جهة، وأفراد من الجانب الروسي من جهة ثانية، واتفاق مُشابه مع فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي، لكنَّ هذه الاتفاقيات لم تُنشر نصوصها الرسمية على مواقع للحكومة الروسية، كما لم تنشرها فصائل المعارضة المسلحة، باستثناء فصيل فيلق الرحمن الذي نشر نصَّا للاتفاق وردَ في نهايته توقيع لضامن روسي دون ذكر الاسم الصريح؛ الأمر الذي ذكر التقرير أنّه يُسهل على الطرف الروسي الضامن التخلص من أي التزامات أو تبعات قانونية أو سياسية لاحقة.

وقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية يوم السبت 22/ تموز/ 2017 عن توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية في ختام المفاوضات بين أفراد عسكريين روس من جهة، وبين فصيل جيش الإسلام من جهة ثانية، في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يدخل الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في الساعة 12:00 من اليوم ذاته. وفي يوم الأربعاء 16/ آب/ 2017 وقّع ممثل عن فيلق الرحمن وممثل عن الحكومة الروسية في مدينة جنيف اتفاقاً ينصُّ على انضمام فيلق الرحمن إلى منطقة خفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية، على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ عند الساعة 21:00 من يوم الجمعة 18/ آب/ 2017.

ونوّه التقرير إلى توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي في القاهرة يوم الإثنين 31/ تموز/ 2017، بين فصائل في المعارضة المسلحة في المنطقة والنظام ممثلاً بالحكومة الروسية كطرف ضامن، على أن يدخلُ الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الخميس 3/ آب/ 2017. وشملت أهم بنود الاتفاقين الأخيرين وقفَ جميع الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة في المناطق المذكورة -باستثناء مناطق وجود تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام- والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق والإفراج عن المعتقلين -محلَّ اهتمام كل طرف. فيما أشار التقرير إلى أنَّ حصيلة الضحايا المدنيين على يد النظام وانتهاكاته واسعة النطاق إلى عدم التزامه بالاتفاقين الأخيرين الموقَعَين.

ونوّه التقرير إلى أنه رغم اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار وما تبعه من اتفاقات خفض التصعيد فإن الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام ، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً للجهات الضامنة للاتفاقات- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.

سجّل التقرير انخفاض عدد المجازر على يد القوات الروسية، للشهر الرابع على التوالي، -بعد دخول اتفاق خفض التصعيد حيِّز التنفيذ في 6/ أيار/ 2017-، كما انخفض عدد المجازر على يد النظام إلى النصف تقريباً مقارنة مع ما تم توثيقه في تموز الفائت، في حين لم تختلف وتيرة المجازر على يد قوات التحالف الدولي وتفوَّقت على بقية الأطراف الفاعلة للشهر الرابع على التوالي بـ 17 مجزرة، كانت 16 منها في مدينة الرقة بحجة القضاء على الإرهاب.

استعرض التقرير رواية لأحد الناجين، وتحدَّث عن منهجية عالية في التوثيق تعتمدها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عبر الروايات المباشرة لناجين أو لأهالي الضحايا، ونشطاء إعلاميين محليين، وعبر عمليات تدقيق وتحليل الصور والفيديوهات والتسجيلات الطبية التي ترِدُ فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والذي بدوره يحتفظُ بنسخٍ من جميع مقاطع الفيديو والصور المذكورة في هذا التقرير ضمن قاعدة بيانات إلكترونية سرية، ونسخٍ احتياطية على أقراصٍ صلبة. وذكر التقرير أنَّ فريق الشبكة يواجه تحديات وصعوبات كبيرة في ظل الحظر والملاحقة من قبل قوات النظام وبعض المجموعات المسلحة الأخرى.

ونتيجة لتلك التحديات يتفاوت كمُّ ونوعية الأدلة بين حادثة وأخرى، وتبقى الحوادث خاضعة للتحقيق المستمر وجمع الأدلة والقرائن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير التوصيف القانوني في كثير من الحوادث نظراً لحصول الشبكة على أدلة أو قرائن جديدة لم تكن متوفرة لدى نشر التقرير، إضافة إلى أن العديد من الحوادث قد لا تُشكلّ انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، لكنَّها تضمَّنت أضراراً جانبية، ما يدفع الشبكة لتسجيلها وأرشفتها من أجل معرفة ما حدث تاريخياً، وحفاظاً عليها كسجلٍ وطني، مع عدم وصفها بأنها ترقى إلى جرائم.

سجّل التقرير ما لا يقل عن 243 مجزرة ارتكبتها الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ مطلع عام 2017 واستعرضَ حصيلة مجازر آب 2017، التي بلغت ما لا يقل عن 27 مجزرة، وقد اعتمد في توصيف لفظ مجزرة على أنه الحدث الذي يُقتل فيه خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة، ووفق هذا التعريف ارتكبت قوات النظام في آب 5 مجازر، لتحلَّ في المرتبة الثانية بعد قوات التحالف الدولي التي ارتكبت 17 مجزرة. فيما ارتكب كل من القوات الروسية وتنظيم داعش مجزرتين، وارتكبت جهات أخرى مجزرة واحدة.

بحسب التقرير فإن قوات النظام ارتكبت مجزرتين في كل من دير الزور وريف دمشق، و1 في حماة. فيما ارتكبت القوات الروسية مجزرتين في كل من الرقة ودير الزور. وارتكبت قوات التحالف الدولي 16 مجزرة في الرقة و1 في دير الزور. فيما ارتكب تنظيم داعش مجزرة واحدة في كل من الرقة ودير الزور. كما ارتكبت جهات أخرى مجزرة واحدة في إدلب.

تسبَّبت تلك المجازر بحسب فريق توثيق الضحايا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان في مقتل 274 شخصاً، بينهم 117 طفلاً، و65 سيدة (أنثى بالغة)، أي أن 67 % من الضحايا هم نساء وأطفال، وهي نسبة مرتفعة جداً، وهذا مؤشر على أن الاستهداف في معظم تلك المجازر كان بحق السكان المدنيين.

فصَّل التقرير في حصيلة ضحايا المجازر في آب، حيث بلغ عدد ضحايا المجازر التي ارتكبتها قوات النظام 29 شخصاً، بينهم 11 طفلاً، و8 سيدة. أما حصيلة ضحايا المجازر التي ارتكبتها القوات الروسية فقد بلغت 22 مدنياً، بينهم 10 طفلاً، و9 سيدة. بينما كانت حصيلة ضحايا المجازر التي ارتكبتها قوات التحالف الدولي 203 مدنياً، بينهم 95 طفلاً، و48 سيدة. وبلغت حصيلة ضحايا المجازر التي ارتكبتها تنظيم داعش 13 مدنياً، بينهم 1 طفلاً. بينما كانت حصيلة المجزرة التي ارتكبتها جهات أخرى 7 مدنيين.

أكد التقرير على أن حالات القصف كانت متعمدة أو عشوائية، وموجهة ضد أفراد مدنيين عزل، وبالتالي فإن قوات الحلف السوري الروسي انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحمي الحق في الحياة. إضافة إلى أنها ارتكبت في ظل نزاع مسلح غير دولي، فهي ترقى إلى جريمة حرب وقد توفرت فيها الأركان كافة. كما ارتكبت كل من قوات التحالف الدولي وتنظيم داعش، وجهات أخرى مجازر وفقاً لما ورد في التقرير وهي ترقى إلى جرائم حرب أيضاً، رغم أنها لم تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام والقوات الموالية له، بشكل منهجي وواسع النطاق.

ويشير التقرير إلى أن عمليات القصف، قد تسببت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين وفي إلحاق إصابات بهم أو إلحاق الضرر بالأعيان المدنية. وهناك مؤشرات قوية تحمل على الاعتقاد بأن الضرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة، وفي جميع الحالات المذكورة لم نتأكد من وجود هدف عسكري قبل أو أثناء الهجوم.

كما يذكر التقرير إن حجم المجازر، وطبيعة المجازر المتكررة، ومستوى القوة المفرطة المستخدمة فيها، والطابع العشوائي للقصف والطبيعة المنسقة للهجمات، لا يمكن أن يكون ذلك إلا بتوجيهات عليا وهي سياسة دولة.

أوصى التقرير بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتوقف عن تعطيل القرارات التي يُفترض بالمجلس اتخاذها بشأن الحكومة السورية؛ لأن ذلك يرسل رسالة خاطئة إلى جميع الدكتاتوريات حول العالم ويعزز من ثقافة الجريمة، وأوصى أيضاً بفرض عقوبات عاجلة على جميع المتورطين في الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان.

كما طالب التقرير بإلزام الحكومة السورية بإدخال جميع المنظمات الإغاثية والحقوقية، ولجنة التحقيق الدولية، والصحفيين وعدم التضييق عليهم.

وقد أشار التقرير إلى ضرورة إدراج الميليشيات التي تحارب إلى جانب حكومة النظام، والتي ارتكبت مذابح واسعة، كالميليشيات الإيرانية، وحزب الله اللبناني، والألوية الشيعية الأخرى، وجيش الدفاع الوطني، والشبيحة على قائمة الإرهاب الدولية.

 وأوصى الضامن الروسي بضرورة ردع النظام عن إفشال اتفاقيات خفض التصعيد، والبدء بتحقيق اختراق في قضية المعتقلين عبر الكشف عن مصير 76 ألف مختفٍ قسرياً.

وأخيراً طالب التقرير بتطبيق مبدأ “حماية المدنيين” الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة على الحالة السورية عام 2005، وأكد على أن هذا المبدأ إن لم يطبق في سورية فأين سيُطبق؟




المصدر