في “جمهورية البسطاير”


جيرون

في “جمهورية البساطير”، فوق كل بسطارٍ بسطارٌ أكبر، شعارٌ ينطبق على النظام السوري الذي ابتدع وروّج مصطلح “تقديس البساطير”.

بعد ساعات من المقطع المصوَّر لعصام زهر الدين، أحد كبار مجرمي النظام، وأحد “بساطيره”، المقطع الذي يتهدد فيه السوريين المُهجّرين والمُشرّدين، ويأمرهم بعدم العودة وإلا لاقوا مصيرًا محتومًا؛ عاد ليُصدر تسجيلًا صوتيًا جديدًا مُدّعيًا أنه لم يكن يقصد المواطنين، وإنما المسلحين، وأن تسجيله الأول كان بعد أن تأثر بمنظر جنود قتلى.

حقيقة الأمر أن التسجيل الأول هو ما يُعبّر عن الصورة الحقيقية لتفكير البساطير وعقليتهم المتوحشة والمتغطرسة، ولكن العلاقات في “الجمهورية البسطارية” مُعقّدة، فالمقطع المُصوّر، وقبل أن يكون ضد الشعب في الداخل والخارج، كان بصقةً في وجه رئيس هذه الجمهورية البسطارية، الذي طالما مثّل دور الأب الحنون للشعب، والساعي زحفًا لأي نوع من أنواع المصالحات، حتى مع المسلحين الذين سيحاسبهم زهر الدين، كما كان بصقة في وجه علي حيدر، وزير “المصالحة الوطنية” في وزارة النظام السوري، والذي لا يُمثّل أكثر من صاحب جناية صغيرة، حسب التراتبية الإجرامية، فرسالة زهر الدين تكذيب لكل حرف قاله الوزير ووزارته.

كبير “جمهورية البساطير” لن يُسامح زهر الدين على قوله: “إن سمحت الدولة، فنحن لن نسمح”؛ لكونه عدّ نفسه فوق دولة كبير “جمهورية البساطير”، ورقيبًا عليها، ويتندر السوريون بأنهم لن يتفاجؤوا، إن عرفوا أن المجرم زهر الدين قد “انتحر” بثلاث طلقات من مسدسه، أو بطلقة مدفعية طائشة، أو -في أحسن الأحول- أن يُقتل على يد أحد “دواعش” قاسم سليماني.

بقي على السوريين أن يبحثوا عن بقايا من ضمير أو آثار من إنسانية، لدى الحكومات والمنظمات الدولية لتنظر بحالهم، أو أن يخرج سياسي هنا أو زعيم هناك، ليقول للعالم: كفى، فما فعلتموه بالشعب السوري المسكين حتى الآن من جرائم فاق كل حد وتصور، وترككم كبير “جمهورية البساطير” طليقًا لن يزيد إلا من الموت موتًا.

هذه هي سورية، على لسان أعلى سلطة سياسية ممثلةً بالأمين القطري للحزب الحاكم، تمعِن بإذلال الشعب، طالبةً منه تقبيل الأحذية العسكرية، وها هو ضابط أمير من أرفع القادة العسكريين يُهدد السوريين بالويل والثبور، إن هم فكّروا بالعودة إلى منازلهم. في هذه الأجواء عاش السوريون طوال نصف قرن مضى، وقد لخص أسلوب حياتهم أهم قادة سياسيين وعسكريين على شاشات التلفزة وعلى الملأ، ولم يعد هناك حاجة إلى لجان تحقيق أممية.

هذه التصريحات برسم الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي صرّح قبل أيام في الأمم المتحدة أن الحل في سورية هو: “بعض إصلاحات دستورية، وشكل من أشكال تقاسم السلطة، وانتخابات يترشح فيها بشار الأسد، وتشرف عليها الأمم المتحدة”. ألا فليعلمْ دي ميستورا أن هذا الشكل من الحل ما هو إلا إعادة تلميع نظام “جمهورية البساطير”، وتبرئته من جميع الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، ولا نعلم إن كانت مهمته وبرنامج الأمم المتحدة الذي يُشرف عليه هي دعم الدكتاتوريات والأنظمة المستبدة، وتلميع أحذية الجنرالات، وإن كان الحال على هذا المنوال، لم نعد نستبعد أن يقوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتقديم منحة للأسد من أجل بناء السجون وتوسعتها، أو أن يقوم بتدريب جنود الطاغية على أساليب مبتكرة للمجازر الجماعية، والتعامل الأممي مع القضية السورية بهذه الطريقة الوقحة، تجعل السوريين لا يستبعدون أن تقوم بترشيح الإرهابي عصام زهر الدين قريبًا لشغل منصب أمين عام منظمة (يونيسف)، ليُشفي إجرامه وساديته بقتل ما تبقى من أطفال سورية.




المصدر