علي الأمين: إيران استفادت من الشرخ بين الأقليات السورية وبين الثورة




تشهد الجبهات السورية- باستثناء التي يتواجد فيها تنظيم “داعش”- هدوءاً حذراً، مع الضغوط الممارسة للوصول إلى اتفاق سياسي في سوريا من شأنه أن يُنهي حالة العسكرة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مستقبل المليشيات الشيعية التي توافدت إلى سوريا للقتال إلى جانب الأسد، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني.

وخلال الأيام الماضية كان لافتاً قيام قادة مليشيات الشيعية بزيارات إلى مشايخ عقل الدروز في سوريا، وتحديداً في السويداء وفي جرمانا بدمشق، الأمر الذي فُسر على أنه حركة استباقية من هؤلاء القادة تحسباً لاتفاق قد ينهي تواجدهم في سوريا.

وفي هذا الإطار، اعتبر الكاتب الصحفي اللبناني، علي الأمين، في حوار مع “صدى الشام”، أن إيران التي تقود منظومة قوى المليشيات تدرك تماماً أنها وجودها بالشكل العسكري التقليدي الحالي إلى ما لا نهاية هو غير ممكن.

ورأى الأمين أن إيران ستولي أهمية كبيرة للعمل على التغلغل داخل بنية المجتمع السوري على الأصعدة السياسية والاجتماعية، لفرض نفسها على أنها الطرف الأصعب الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

وفي ما يلي نص الحوار الكامل: 

– في ظل كل ما يجري من تطورات سياسية وعسكرية في سوريا، ما هي قراءتكم لمستقبل “حزب الله” في سوريا، وهل لمستم وجود مخاوف لدى الحزب من إتمام  صفقة أمريكية- روسية ما، تنهي تواجده في سوريا، لا سيما وأن الحديث في ذلك قد بدأ؟

بدون شك إن بقاء “حزب الله” لفترة طويلة بالشكل المعهود خلال السنوات الماضية أمر مستبعد، لأن الحزب لا يمتلك القدرة التي تمكنه من البقاء، بهذا الحجم في الأراضي السورية.

عندما نتحدث عن الحزب نحن نتحدث بالضرورة عن منظومة إيرانية في سوريا، أي لا يجوز الفصل بين “حزب الله” وبين هذه المنظومة، بالتالي يصبح الحديث أكثر دقة عندما يكون شامل لكل القوى المرتبطة بإيران، و”حزب الله” واحد منها.

في المرحلة الحالية هناك نوع من الاحتفاء بحماية نظام الأسد من قبل المنظومة الإيرانية، فبقاء هذا النظام يراه هذا المحور انتصاراً.

– هناك حديث عن خلاف روسي-إيراني تبرز ملامحه بوضوح في بعض المناطق السورية من بينها حلب، حيث تؤكد الأنباء المتواترة من داخل المدينة التي سيطر عليها النظام بالكامل أن روسيا بدأت بتقليص دور الحزب والمليشيات الشيعية داخل المدينة على حساب تنامي دور الشرطة العسكرية التابعة لها، وعليه -إن صح ما سبق- هل يمكن أن تكون للمصلحة الروسية الكلمة العليا التي تحسم مستقبل “حزب الله” في سوريا، أم بخلاف ذلك ترى أن الوضع متجه لشرعنة وجود الحزب؟

في المآل الأخير، لا بد من حدوث تصادم في المصالح الإيرانية الروسية، ولا شك أنها ستظهر إلى العلن في فترة معينة، وإن على شكل تنافس.

لكن أيضاً يجب أن نتعلم من التجارب الإيرانية، إيران تخطط وتعمل بنَفَس طويل جداً، ولا شك أن إيران في سوريا تحديداً تستبق وتستعد لحصول مثل هذه المواجهات، باعتبار أن إيران تولي أهمية كبيرة للبحث عن المنافذ.

إيران تريد أن يكون لها دور في سوريا، وقد لا يكون هذا الدور بالحجم الذي يعيد بناء السلطة في سوريا، لكنها تسعى لأن يكون دورها هاماً بحيث لا يستطيع الجميع الاستغناء عنه، أو على الأقل دور قادر على التخريب.

وبتقديري فإن إيران بدأت العمل على بناء هذا الدور، وخططهم في هذا الاتجاه تسير قدماً.

إن إيران تدرك أنه لا يمكنها أن تصل إلى مرحلة تمكّنها مواجهة السياسة الروسية إلى حد الصدام، وهي في مواجهة مع النفوذ الأمريكي في المنطقة، ولذلك بدأت تتغلغل في بنية “النظام السوري”، حتى تخلق لها مناطق نفوذ، وهناك نقطة أساسية تمنح إيران الفرص الكبيرة للنجاح، فهي استفادت إلى حد كبيرة من فكرة “تسنين الثورة”، بمعنى أنه وكأن الثورة السورية هي ثورة للطائفة السنية الأكثرية في مواجهة الأقلية العلوية، وهذا الأمر برأي بعض المتابعين من الأمور التي أصابت الثورة بالمقتل، إن جاز التعبير، لأنه بدل أن تكون الثورة السورية ثورة للشعب بأجمعه، وهي كذلك بالطبع، ذهبت في ذلك الاتجاه بتخطيط أو بدونه.

إذاً إيران تستفيد كثيراً من عناوين الأقليات السورية، الشيعة والعلوية والدرزية والإسماعيلية.

-هل من قبيل المصادفة إذاً أن تقوم بعض قيادات المليشيات الشيعية بزيارة وجهاء للأقليات السورية في هذا الوقت تحديداً، وأقصد هنا الزيارة التي قام بها ممثل حركة النجباء العراقية في إيران، علي موسوي، إلى القاضي الدرزي الشيخ ربيع زهر الدين بجرمانا بدمشق، والزيارات التي سبقتها لمشايخ دروز في السويداء؟

بالتأكيد لم تأتِ هذه الزيارات من قبيل المصادفة في هذا التوقيت.

للأسف بمواجهة جر الثورة السورية إلى مساحات طائفية ضيقة، نجحت إيران بجعل الأقليات السورية تشعر بوجود مسافة بينها وبين الثورة، بالتالي هي الآن تستفيد من هذا الشرخ بأن تتحول إلى دور الضامن لهذه الفئات، وهذا أحد المداخل التي تريد إيران من خلالها أن ترسخ حضورها في المشهد السوري على المستوى السياسي والاجتماعي والعسكري، إلى جانب عنصر آخر يتعلق ببنية النظام أي بالدولة السورية، إذاً إيران تعزز من وجودها الحاضر والمستقبلي في سوريا.

وعلى الجانب الآخر يجب أن نتبه لمسألة مهمة أخرى، تتعلق بالتيارات التي ذهبت بالثورة السورية إلى مساحات ضيقة، ومنها جبهة النصرة، إذ بدأ حديث عند بعض الإسلاميين السوريين مفاده أن العلاقة مع إيران مفيدة أكثر من العلاقة مع تركيا، وبدا بعضهم مقتنعاً بأنه قد يستطيع أن يحصّل من إيران مكاسب لم تستطع تحصيلها، وهناك شغل إيراني على هذا، وهنا لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن الصفقات التي جرت في القلمون، وهذا ينطوي على رسائل مهمة إلى الجماعات الإسلامية، وأنا لا أقول أن إيران قد تحتوي كل هذه الجماعات، لكنها قد تحتوي جزءًا منها، وأتوقع أن تبني بعض هذه الجماعات علاقات مع إيران، وأبعد من ذلك أعتقد أن بعضها قد بدأ.

بمعنى آخر متى شعرت المعارضة السورية بأن الجميع قد تخلى عنها، لا أستبعد أن تبدأ إيران بنسج علاقات مع بعض أطراف المعارضة.

وأنا لا أقول هنا بأن مثل هذا الأمر قد ينجح، لكن لا يجب المراهنة كما يفعل السوريون اليوم على حدوث صدام روسي إيراني في المرحلة المقبلة وحسب، بينما قد لا يتم هذا الأمر.

وبالعودة إلى دلالات الزيارة، بالتأكيد إيران لن توفر أي ورقة لتظهر للعالم بأجمعه بأن وجودها في سوريا لا يمكن تجاوزه، وأنها عنصر أساسي.

– كأنك تشير إلى رغبة إيرانية ببناء علاقات مع جماعات إسلامية على غرار تلك التي تربطها بحماس، وقد لا يوافقك الرأي هنا كثيرون، لدى النظر إلى شكل الخلاف والديموغرافيا السورية، أما بالنسبة لزيارة الموسوي فهل تعتبرون أنها زيارة بهدف بناء علاقات مع جزء من النسيج السوري، استباقاً من هذه المليشيات الشيعية لاتفاق قد يحتم عليها الخروج من سوريا؟

حتى الآن الاتفاق الدولي المتوقع أن يتم فيه تقرير سحب المليشيات تجابهه إيران ببدائل عن الوجود العسكري المباشر، وبخلق نوع من النظام المبني على العلاقات والتحالفات الاجتماعية السياسية.

لكن من الواقعية أن نقول بأنه ليست هناك حلول قريبة، وإن حصل اتفاق على خروج المليشيات فغالباً لن يكون هذا الأمر قريباً.

أما من ناحية ثانية، أقول لا يجب علينا أن نقلل من قدرة إيران على اختراق الجو السني في ظل الخيبة الموجودة كما حدث في فلسطين سابقاً، وكما يحدث الآن في سوريا.

–في سياق آخر، كيف تقيّمون الاتفاق الذي جرى بين تنظيم “الدولة” وبين “حزب الله” لإخلاء الحدود السورية اللبنانية من تواجد التنظيم، وهل ترون في الاتفاق نقطة للحزب أم عليه؟

الاتفاق فضيحة، وكان من الواضح أن سرعة “حزب الله” في عقد الاتفاق تدلّ على ذلك، الحزب قال إن الاتفاق يهدف للكشف عن رفاة الجنود اللبنانيين، لكن ما جرى أن انسحاب عناصر “داعش” تمّ قبل ظهور نتائج فحص مادة DNA لجثامين الجنود، والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتساهل الحزب مع هذا الأمر بالغ الأهمية؟

أما بشأن تسجيل الاتفاق كمكسب للحزب أم العكس، أقول في هذه المرحلة التي نشاهد فيها فائضاً من الانتصارات، بين مزدوجين، وفائضاً من الخيبات لدى المعارضة السورية، يستطيع “حزب الله” بسهولة أن يتجاوز مثل هذه الفضيحة، لأن من يُفترَض به أن يستثمر هذه الفضيحة يعاني من خيبات وخيبات.

– أثار الاتفاق تساؤلات كثيرة عن طبيعة العلاقة بين التنظيم و”حزب الله” وإيران من جهة، وبين التنظيم من جهة أخرى، ما تعليقكم هنا؟

 بالتأكيد لن تكون العلاقة معلنة بين الجانبين، ومن الصعب معرفة طبيعتها، لكن أداء التنظيم في المحصلة السياسية أو العسكرية الميدانية، يؤكد أنه دائماً كان في خدمة أجندة إيران والنظام السوري.

– بعيداً عن تعقيدات الملف السوري، قبل أيام قلت عبر صفحتك الشخصية فيسبوك “بعد الانتصار بمعركة جرود عرسال صار “حزب الله” بدو يجرنا لعند الأسد، تخيل لو أن الجيش اللبناني لا يقاتل داعش لوين كان اخدنا حزب الله”، سؤالي هنا: إلى أين كان أخدكم في لبنان؟

علّق أحدهم كان أخدنا على طهران، وأنا أقول كان أخدنا وجابنا “متل ما بدو”.

– من المعهود لبنانياً أن تشهد البلاد مع بداية كل مرحلة جديدة من العلاقات السورية اللبنانية عمليات اغتيالات، هل تتخوفون من تكرار هذا السيناريو في المرحلة المقبلة؟

أنا استبعد عودة ملف الاغتيالات، لا سيما وأن الاغتيالات السابقة حصلت في لبنان في ظل نشوء جبهة 14 آذار، وهي الجبهة السياسية الكبرى التي كانت قادرة إلى حد بعيد على مواجهة مشروع الحزب وإيران في لبنان، وبتقديري نجحت هذه العملية في تحقيق أهدافها.

أما اليوم يمكن القول أنه لا حاجة لعودة هذا الملف، خوفاً من تداعياته السلبية على موقع “حزب الله” ودوره في المعادلة السياسية اللبنانية، وهو ليس بحاجة لأن يدخل مجدداً في هذا المضمار، وهو الذي حقق ويحقق الجزء الأكبر منها، بالتالي أنا لست متخوفاً من عودة هذه الاغتيالات والحزب يحقق ما يريد في إدارة لبنان على المستوى العسكري الأمني، أو على المستوى السياسي والاستراتيجي.

 

– ختاماً، كيف تأثرت علاقتم كمعارضة شيعية بالحزب الذي وصفكم أمينه من قبل بأنكم “شيعة السفارة الأمريكية” بعد الذي جرى في سوريا؟

ألصقت بالأجواء الاعتراضية داخل الطائفة الشيعية بلبنان المعترضة على سياسة الحزب، الكثير من هذه التوصيفات، من بينها “شيعة السفارة” والعملاء والوهابيين والدواعش، لقد اعتدنا على هذه الممارسات وفقدت بريقها لأنها لم تعد تعني شيئاً لدى الجمهور.

اليوم هذه الأصوات المعارضة مستمرة وهي متجهة للزيادة، وهي تحمل الشعلة التي تخلى عنها الجميع داخل لبنان، وبعض الأصوات المستقلة داخل الطائفة تقاتل وحيدة في هذه المعركة بدون سند حقيقي، وهي بذلك تشكل ضمير المعارضة الفعلية في لبنان، وهي ذات تأثير من خلال المواقع التي تعبّر فيها عن رؤيتها وموقفها الاعتراضي انطلاقاً من التأكيد على انتمائها للبنان ولشروط الدولة اللبنانية، وكذلك انطلاقاً من رفضها للتدخلات الإقليمية التي كان “حزب الله” رأس حربة فيها، متجاوزاً كل الأعراف وكل قواعد العلاقات الدولية وحتى قواعد التوافق اللبناني.

نحن في هذا المسار مستمرّون كل في موقعه، رغم الظروف القاسية، وهذه المجموعات تعبّر عن الضمير العميق للشيعة اللبنانيين، وهي تعكس بمواقفها امتداداً تاريخياً لدور شيعة لبنان على المستوى العربي والإسلامي والسوري تحديداً.




المصدر