قرروا أنه انتصر


باسل العودات

إذًا.. قررت روسيا، وإيران، و”حزب الله”، والمبعوث الأممي، وبعض العرب، أن الأسد قد “انتصر”، وأنه يستحق أن يبقى على رأس السلطة، وأن يترشح لانتخابات مقبلة، وإن لم يطرأ طارئ، يمكن له أن يبقى إلى الأبد، بل ربّما يتفضّل في مرحلة لاحقة، ويمنّ على السوريين ويُورّث الحكم لابنه، وابن ابنه.

بشّر أولئك الشعبَ السوري بأن النظام السوري، بمؤسساته الأمنية والعسكرية و”التشبيحية” والقتالية وميليشياته المنفلتة من كل رباط وأخلاق وإنسانية، هو الأجدر بحكم الشعب السوري، إلى أبد الآبدين.

وحسَم أولئك أيضًا، أن نمط الحكم القائم منذ خمسة عقود، والمبني أساسًا على حُكمِ الفرد والأسرة والدوائر الفاسدة والأمنية المحيطة بها، والمستند إلى مبادئ الطائفية والتمييز والفساد والنهب والعصا الأمنية وهدر الكرامة واحتقار الإنسان، هو نمط الحكم الوحيد الذي تستحقه سورية.

كذلك قرّروا أن الشعب الذي عاش في هذه الأرض المقدسة لا يستحق سوى ما ارتكبه النظام وإيران وميليشياتهما ومرتزقتهما من مجازر وقتل وتدمير، ولا يستحق إلا البراميل و”البساطير”، وكل الأسلحة المُحرّمة دوليًا.

مرّ على السوريين أكثر من أربعة عقود عجاف، تلتها مؤخرًا ست سنوات ونصف، عجاف هي الأخرى، سنوات مأسوية ودموية وكارثية إلى أبعد حد، دمّرت شعبًا ووطنًا وتاريخًا، ولم يكن لهذا الشعب المسكين من ينوح عليه، ولم يكن لحمزتهم من يبكيه، تُرك وحيدًا في وجه إعصار، وخرجت جرذان المجارير من جحورها، تتحكم بما تبقّى من البلد، بـ “بسطارها” تارة، وبغرائزها تارة أخرى، وبطائفيتها وجنونها ودناءتها تارات أخرى.

يعتقد كثيرون أن النظام الآن قوي إلى الدرجة التي ستعيده إلى سابق عهده وسطوته، وأن روسيا قادرة على فرض الأمر الواقع، ودفع السوريين إلى القبول به، بالترغيب أو بالترهيب، وأن أذرع إيران الأخطبوطية الملوثة بالدماء قادرةٌ على الصيد في المياه العكرة، متى شاءت، وأن أنياب خامنئيها ومرتزقته من لبنان والعراق وأفغانستان غُرزت عميقًا في الجسد السوري، إلى درجة يصعب اقتلاعها، وأن الميليشيات الكردية العابرة للحدود قادرةٌ على قطع وتوصيل ما تريد من الأرض، لتركيب كيان مُرقّع، طالما أن “الفانتوم” تحميها، وأن المبعوث الأممي قادر على فرض رؤيته الكسيحة ومبادئه العرجاء.

كل ما سبق قابل للتأكيد أو التفنيد، الإثبات أو النفي، الجدّية أو السخرية، التصديق أو التكذيب؛ لكن هناك ثلاثة أمور لا بدّ من أخذها بالحسبان، قبل الحُكم على ما سبق.

الأول، أن القوة الذاتية للنظام السوري هي وهمٌ ونكتة سمجة، وأن الجبروت الروسي هو مغامرة تجريبية وعنجهية قصيرة النظر، وأن القوة الإيرانية ليست إلا جبالًا من الحقد الأعمى الذي يمكن أن يقتل صاحبه، وكذلك أن أوهام الميليشيات الكردية هي مصيبة للأكراد قبل أن تكون مصيبة للسوريين كلّهم، وأخيرًا أن المبعوث الأممي أفّاق صغير، يُعوّض فشله بـ “المرجلة” الفارغة.

الثاني، أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، والجرائم ضد الإنسانية ليست مزحة تُمرَّر، وأن كل من ارتكب جريمة موصوفة موثّقة، وذبح وحرّض على القتل، من أعلى هرم السلطة إلى أسفل أسفلها، سيُحاسب، طال الزمن أو قصر، في المرحلة الانتقالية أو ما بعد الانتقالية أو ما بعد بعد الانتقالية.

الثالث، أن أصحاب الثورة -اليتامى- وقفوا في وجه العاصفة ست سنوات، وعلى الرغم من هذا لم يستسلموا، سُرقت ثورتهم، وأُسلِمت وطُيِّفت؛ ومع هذا لم يُغيّروا قناعاتهم، واخترقها عملاء ولصوص وجهلة، ولم يدفعهم ذلك إلى التنازل عن مطالبهم، ولم يمنعهم -ولن يمنعهم- من الاستمرار بانتفاضتهم/ ثورتهم، أيّ شيء، فهناك دائمًا ألف أسلوب مُتاح، وألف وسيلة للمقاومة وللتصعيد وللبقاء، بل حتى للانتصار.

وعليه؛ قصيرُ نظرٍ من يعتقد حقيقةً أن الأسد قد انتصر، ومُتسرّع من يستسلم لهذه الفرضية، وفاقد لبصيرته من يعتقد أن الشمس في سورية يمكن أن تغيب إلى الأبد.




المصدر