مترجم: هل لم يعد ترامب جمهوريًا بعد الآن وبدأ ينفذ أجندته الخاصة؟




أثارت العديد من الصحف الأمريكية مؤخرًا قضية تحول ترامب وتغير سياساته بعد انحيازه للديمقراطيين وتمرير قراراتأغضبت الجمهوريين. هل تحول ترامب فعلًا وأصبح رئيسًا مستقلًا لا ينفذ أجندة الجمهوريين؟ هيذر ديجبي بارتون الكاتبة بمجلة «صالون» الأمريكية تظن أن الإجابة بلا، وتشرح ذلك في مقالها.

تبدأ ديجبي بالحديث عن الشهور الأولى من حملة ترامب الانتخابية حين كان جليًا أنه يتصرف كيفما يشاء؛ ما جعل العديد من الخبراء يعتبرونه ظاهرة مؤقتة ويقولون أنه لا يختلف عن باقي الظواهر التي سبقته مثل «هرمان كين» في 2012، أو إن كان ترامب محظوظًا، يشبهونه بـ«فريد طومسون» في 2008، فهو نجم تلفزيوني أيضًا، لكن يملك بعض الخبرة السياسية على الأقل. تضيف ديجبي: «كان كبار الصحفيين يضحكون – فعليًاًا – عندما يسمعون أن ترامب قد يفوز».

تغير الأمر بعد أن بدأ في جمع النواب حوله. تقول الكاتبة إن الجميع بدأ في معاملته بجدية أكثر، وبدأت تظهر قصة جديدة ينتظر فيها الإعلاميون – بلهفة – ما يفترضون أنه تحول حتمي للخطاب الرئاسي المتعارف عليه. أصبحوا يعتقدون أن تصرفاته الغريبة كانت للإلهاء وأنه وظفها بذكاء ليفصل نفسه عن منافسيه الجادين والأكثر خبرة منه.

تقول الكاتبة إن ترامب لم يكن بجعبته قضايا وقوانين مختلفة كثيرًا عن الباقين. قدم ترامب طرحًا مختلفًا للتجارة الحرة عن طرح الجمهوريين التقليدي، ووعد بألا يخفض ميزانية الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية؛ وهو ما لم يكن ببعيد عن سلوك المرشحين الآخرين الذين لم يركزوا في حملاتهم على العجز والاستحقاقات.

كان ترامب متهاونًا بشكل ملحوظ مع روسيا، لكن باقي أجندته كانت ضمن عقيدة الجمهوريين التقليدية. هو – فقط – لم يهتم ببث الرسائل السياسية. تحدث ترامب مثل أي معلق يميني في الراديو، بدلًا عن سياسي، في محاولة منه لإخفاء السلطوية والعنصرية وكره الأجانب وحب الأسلحة وسياسة الحمائية الاقتصادية، وهي كلها في النهاية أساس العقيدة الجمهورية منذ عقود كما تقول الكاتبة.

كان ناخبو ترامب يحبون هذا الأمر، تقول ديجبي، لأن أغلبهم كان من الطبقة العاملة من البيض. كانت الصحافة تراه شعبويًا، بالرغم من أن هذا التعريف لا ينطبق سوى على سياسته التجارية ووعوده الضبابية بإعادة الوظائف الصناعية من البلدان الأخرى للولايات المتحدة.

تقول الكاتبة: «لم يتحول ترامب أبدًا للسلوك الرئاسي الطبيعي، لكن التيار السائد في الإعلام كان يعلن مرة كل بضعة أشهر أنه فعل؛ عندما يتصرف بشكل يبدو رئاسيًا كالمتعارف عليه كأن يأمر بهجوم جوي أو يلقي خطابًا أمام الكونجرس لا يتضمن قصصًا حول الإعدامات الجماعية برصاص مغمس بدماء خنزير. ولا يزال الإعلام متسمكًا برأيه أن ترامب شعبوي».

هذا ليس صحيحًا في رأي ديجبي؛ فاختيارات ترامب لوزراء حكومته كانت كلها من بين متعصبي الحركة المحافظة، باستثناء وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية ركس تيلرسون. ومقابل كل مستشار في البيت الأبيض ممن يطلق عليهم أنهم من التيار السائد، يوجد اثنين على الأقل ممن يخفون إيمانهم بعقيدة اليمين والتصديق في نظريات المؤامرة.

تذكر الكاتبة جزء من مقترحات ترامب حتى الآن، والتي تتضمن: ترحيل المهاجرين وإلغاء تعديل قانون الهجرة، ومنع دخول المواطنين القادمين من قائمة طويلة من البلدان المسلمة إلى الولايات المتحدة دون أي مبرر، وإلغاء قانون التأمين الصحي، وتخريب القوانين المنظمة للبيئة والطاقة، والانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وتنصيب قاضي في المحكمة الدستورية على يمين الراحل أنتونين سكاليا، وتخفيض الضرائب على الأغنياء من طبقته، وتخفيض الإنفاق على البرامج المحلية. وتضيف أننا حتى سمعنا عن اقتراح له باستخدام رؤوس نووية مصغرة في حرب نووية تكتيكية ومحددة.

أما بخصوص القضايا الاجتماعية عامة، تقول الكاتبة إن ترامب ديماجوجي خبيث يغذي مظلومية أنصاره وغضبهم تجاه تحسن وضع الملونين والمهاجرين والنسويين. كما منع الجنود المتحولين جنسيًا من الخدمة في الجيش بقرار مفاجئ. وتضيف أنه تسبب الشهر الماضي في تصعيد الخطر النووي، بينما يتجاهل حشود النازيين التي تهتف «لن نستبدل باليهود». تلى ذلك قرار ترامب القاسي بخصوص برنامج «داكا»، والذي برره بالمبرر الأكثر سخافة وهو الدستور. تقول ديجبي أن ترامب لم يقرأ من الدستور سوى المادة الثانية، والتي كان يتلوها، بينما يعدد فضائل تنفيذ القانون بيده.

تنتقل الكاتبة للحديث عن اتفاق الأسبوع الماضي بين الحزبين، والذي جعل الإعلام يهتف مجددًا بأن ترامب تحول، هذه المرة ليصبح «مستقلًا» على طريقة «تدي روزفلت». كل هذا لأنه وافق على رفع سقف الدين وتمرير حزمة مساعدات طارئة، بمساعدة الديمقراطيين. وينظر لهذا على أنه استخدام ذكي من ترامب لكتابه «فن الصفقة» في تسيير الأمور.

هذا كلام فارغ بحسب الكاتبة، التي تضيف أنها لن تتفاجأ إن ذكر التاريخ لاحقًا أن هذا الأمر كان مدبرًا من قيادات الحزبين، وأن ترامب انخدع بالأمر لأنه كان غاضبًا من بول ريات وميتش مكونيل ويظن أن هذا ما سيربكهم. حتى لو لم يحدث الأمر بالاتفاق بين الحزبين، فمن الواضح أن هناك مسرحية تتم في الجانب الجمهوري، على حد تعبيرها.

تقول الكاتبة إن الجمهوريين يواجهون كومة من التشريعات التي يجب تمريرها في سبتمبر (أيلول) ومن ضمنها: تحديد سقف الدين، وإعانات الكوارث – خاصة بعد إعصاري «هارفي» و«إرما» وبالإضافة لتمويل إدارة الأحوال الطارئة الفيدرالية، وإقرار الميزانية العامة، وتمويل برنامج الرعاية الصحية وبرنامج التأمين الصحي للأطفال، وختامًا الإصلاحات الضريبية، أهم غاياتهم، والتي تسمى أيضًا تخفيض ضرائب الأغنياء. ترك الجمهوريون كل هذه الأشياء حتى اللحظة الأخيرة بعدما ضيعوا وقتًا كبيرًا في محاولاتهم للقضاء على برنامج أوباما للرعاية الصحية، والذي تحاول إدارة ترامب «الشعبوي» تخربيه الآن.

في ذات الوقت كان تجمع الحرية يستعد لإثارة المشاكل كالمعتاد، حسب قول ديجبي، فهم يستعدون لإلقاء البلاد في أزمة اقتصادية ومنع إعانة الكوارث الطارئة لمجرد إثبات وجهة نظرهم. كان من المفترض أن ريان يلمح بأنه يريد زيادة مؤقتة لعدة أشهر في سقف الدين، بينما كان البيت الأبيض يصر على ربطها بإعانة الكوارث. فما العمل؟ تسأل الكاتبة. يأتي بطلنا ترامب وينقذ الموقف بالموافقة على «مطلب» الديمقراطيين بأن تنخفض الشهور لثلاثة، بدلًا عن أربعة وتمرير إعانة الكوارث. حسب هذه القصة – التي لا تصدقها الكاتبة – فإن ريان ومكونيل صدمهما رئيسنا المستقل بجرأته، فلم يملكا سوى عرض هذه الحزمة وترك الديمقراطيين يربحون هذه الجولة.

في نهاية الأمر حصلت قيادات الحزب الجمهوري على متنفس ضروري، كما تقول الكاتبة، ويمكن لتجمع الحرية أن يلومريان –كالعادة – دون أن يكون له أي دخل، واحتفل الديمقراطيون، وحصل ترامب على دفعة لغروره الضخم بواسطة الإعلام الذي ينتقده بشكل يومي. أي أنهم جميعًا ربحوا، على حد قولها.

تقول الكاتبة إننا يجب ألا نغفل النظر عن حقيقة أن ما حققه ترامب فعليًّا هو الموافقة على قرار يرفع سقف الدين لثلاثة أشهر فقط – وهو ما كان يعتبر إجراءً روتينيًا غير حزبي – وتخصيص المال لإعانة الكوارث، وتضيف أن هذه القرارات كان سيوافق عليها أي رئيس أمريكي في التاريخ، بغض النظر عمن يحوز الأغلبية في الكونجرس. كما تنتقد تصوير الإعلام لهذا الاتفاق العادي وكأنه الطريق نحو وثيقة حريات يكتبها الحزبين مجددًا.

«ربما لا يتصرف ترامب كرئيس جمهوري، لكنه لا يتصرف كرئيس ديمقراطي ولا حتى مستقل. هو لا يتصرف كرئيس على الإطلاق»، تضيف ديجبي أنه كان يجب على الإعلام أن يتوقف عن محاولات وضع ترامب في قالب ليفهموه. فبينما يستمر هو في عرضه الديماجوجي الغريب، تعمل إدارته بأقصى سرعة لتطبيق أكثر أجندة جمهورية يمينية عنصرية في التاريخ، وهو لا يمانع ذلك طالما أنه ينال التقدير على ذلك.

رابط المادة الأصلي: هنا.




المصدر