مدارس حلب.. التعليم في ما تبقى من “سورية الأسد”


نسرين أنابلي

مع حلول العام الدراسي الجديد في سورية، يبدو المشهد التعليمي في مدينة حلب، معاكسًا لما يتم الترويج له من قبل مؤسسات النظام، على الرغم من كل ما يتم تداوله عن تعافي التعليم إلى حد كبير في مدينة، بلغت قيمة أضرار القطاع التربوي فيها ما يقارب 170 مليار ليرة سورية، حسب (يونيسف).

يبدأ العام الدراسي الحالي بإمكاناتٍ أقل من متواضعة، وبإقبالٍ طلابيٍ ضئيل، تفسره لـ (جيرون) لينا خانجي المعلمة السابقة في مدرسة سليمان خاطر: “أغلب المدارس في حلب، وبخاصة الجزء الشرقي منها، غير مؤهلة حتى الآن لاستقبال الطلاب، لعدم انتهاء أعمال الصيانة للمدارس المدمرة بشكل جزئي، أما باقي المدارس فهي غير قادرة على استيعاب أعداد الطلاب؛ الأمر الذي انعكس على تضاؤل عدد الملتحقين”.

حال ما تبقى من مدارس في المناطق الشرقية لحلب تحديدًا، كارثي للغاية. فبعد عام على “تحرير” المدينة من “الإرهاب”، ما يزال الدمار في البنى التحتية، ولا سيّما المدارس، هو المسيطر. وأغلب المدارس مدمرة بشكل كلي، في حين ظلت المدارس غير المدمرة بعيدة عن الصيانة.

هناك أحياء كاملة لا يوجد فيها أي مدرسة، كما هو الحال في أحياء الميسر والطراب والجزماتي في الجانب الشرقي لحلب؛ ما دفع الأهالي إلى مطالبة “الحكومة” بتأهيل مدرسة واحدة على الأقل، للأحياء الثلاثة أو الاستعانة بصفوف مسبقة الصنع.

تداول ناشطون، على مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا لمدارس فخمة ومجهزة بأحدث المرافق والديكورات، في عدد من الأحياء الغربية لحلب كـ (الحمدانية والإسماعيلية والعزيزية والشهباء)، ساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ترميمها، على الرغم من عدم تعرض هذه الأحياء للقصف والدمار طيلة سنوات الحرب.

اللافت أن مدارس الأحياء الشرقية لم تحظ بأي دعم من الهيئات والمنظمات الدولية، باستثناء الإنجاز الخجول لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بحلب التي أهّلت مدرسة، في حي الأنصاري، بالتعاون مع منظمة الإغاثة الدولية.

تزامن إطلاق مدير تربية حلب إبراهيم ماسو شعار: “لن يبقى طالب خارج الصف”، مع تأخر الموافقة على المباشرة بأعمال الصيانة وإصلاح دورات المياه في مدرسة أمين خياطة بحي سيف الدولة؛ ما أدى إلى خلق جو من الفوضى واللامبالاة بين التلاميذ الذين أحجم أغلبهم عن الذهاب إلى المدرسة. حيث تضطر المدرسة إلى إرسال التلميذ إلى منزله، في حال اضطراره إلى قضاء حاجة، وذلك بحسب ما ذكرت أم غياث لـ (جيرون)، وهي والدة طالب في المدرسة، وأضافت: “منذ بداية الدوام والمياه مقطوعة بشكل كلي عن المدرسة، وصنابير المياه مكسورة وبحاجة إلى تبديل. والأنكى من ذلك أن إدارة المدرسة اقترحت جمع تبرعات من الطلاب لملء خزانات المياه! لا أدري إن كان تأمين خدمات المدرسة قد أصبح على عاتق الأهالي بدلًا من الحكومة!”.

نشرت منذ أيام صفحة موالية للنظام على (فيسبوك) صورة لمدرسة نزار سرميني في حي الإذاعة، وقد فاضت ساحتها بمخلفات الصرف الصحي والقمامة؛ ما جعلها تتحول من صرح تعليمي إلى بؤرة للجراثيم والحشرات والأمراض.

أما محيط مدرسة عبد القادر أسود، في كرم الطحان، فقد أصبح مقلبًا للحجارة والقمامة والأتربة، بشكل بات يعوق توافد الأطفال إليها. وذلك بحسب صور نشرتها صفحة (أخبار حلب الشهباء) المؤيدة للنظام. ووردت تعليقات عديدة على الصورة، تشتكي من الوضع المزري في العديد من المدارس، وذكر بعضهم أن هناك مدارس غير مجهزة بمقاعد للطلاب، ما يضطرهم إلى افتراش الأرض أو الوقوف.

مضت أشهر طويلة، منذ سيطر النظام على حلب، ويبدو أن الواقع التعليمي يؤكد بشكل جلي أن التخريب أسهل بكثير من البناء؛ حيث إن مئات المدارس التي دمرها النظام بصواريخه وبراميله المتفجرة لم تعد للحياة بعد. وهذا كله يُسجّل في ميزان خسائر أطفال سورية الذين أصبح حصولهم على حقهم الأساسي بالتعليم عمليةً مفرطةً في التعقيد والصعوبة.




المصدر