واشنطن بوست: أحدث تدخلات بوتين ضد أميركا: فنزويلا


أحمد عيشة

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (ماركو بيللو/ رويترز)

حملةٌ عنيفة ضد المتظاهرين المدنيين المحتشدين ضد رئيسٍ استبدادي، تُخلّف عشرات القتلى. فالقمع يدفع المزيدَ من الناس إلى الشوارع؛ ما يؤدي إلى دوامة العنف، وإلى أزمةٍ إنسانية عاجلة. كما قال الرئيس الأميركي، بشكل لا لبس فيه: “إنَّ الدكتاتور الوحشي لا بدَّ أنْ يرحل”. يوافق الاتحاد الأوروبي، ولكن لا توجد قوة رئيسية، لديها أيّ رغبة في التدخل العسكري المباشر. فجأةً، وتقريبًا من دون سابق إنذار، يحشر فلاديمير بوتين روسيا، على نحو حاسم، في الأزمة؛ لضمان أن يبقى الدكتاتور القمعي في السلطة، ويسخر من الرئيس الأميركي “العاجز”.

للأسف، بالنسبة إلى الرئيس ترامب، السيناريو أعلاه يستمر مرة أخرى، وهذه المرة ليس في سورية، ولكنْ في فنزويلا. وبالنسبة إلى كل خطابها العدواني، والعقوبات الجديدة ضد حكومة نيكولاس مادورو، فقد كانت إدارة ترامب صامتةً بشكلٍ غريب عن دور روسيا، ولعلّها تُفضل ألا يُوجّهَ الانتباه إلى حقيقة أنَّ موسكو هي الآن المقرض/ المدين الأخير المتبقي للدولة المفلسة.

بشكلٍ سطحي، قد يبدو من الغريب أنّ روسيا سوف تتدخل في بلدٍ بعيدٍ جدًا من حدودها، يبدو أنه يندفع نحو الانهيار، إلا أنَّ العلاقات الودية بين الحكومة الروسية، وفنزويلا تتعمق؛ وهي تعود إلى أولَّ زيارة قام بها الرئيس السابق هوغو شافيز إلى موسكو، في أيار/ مايو 2001. وكررها 10 مراتٍ، قبل وفاته بالسرطان في عام 2013. وخلال تلك الفترة أصبحت فنزويلا واحدةً من أفضل العملاء في العالم لصناعة الأسلحة الروسية؛ إذ إنها اشترت بين عامي 2001 و2011 أسلحةً روسية، قيمتها 11 مليار دولار.

مع تفاقم حالتها الاقتصادية، تضاءل حجم مشتريات الأسلحة في فنزويلا، وتحولّت علاقتها الرئيسية مع روسيا من الأسلحة إلى الطاقة. في البداية، كانت معظم الصفقات قروضًا تضمنها مبيعات النفط في فنزويلا. اليوم، أصبحت هذه الصفقات التجارية إلى حدٍ كبير أكثر تعقيدًا، حيث طلب الروس المزيد من الأصول الحقيقية كضمانات. كراكاس ملزمة، والشركات الروسية التي كانت الوسائل لهذه الصفقات حصلت على أسهمٍ من شركات النفط، وحتى على الحق في تشغيل حقول النفط الفنزويلية بأكملها.

بينما كان جوهر العلاقة، بين روسيا وفنزويلا، يعتمد إلى حدٍ كبير على السياسات الاقتصادية، والدولية، لم تكن السياسة المحلية مستبعدةً قط. وكان الدافع وراء تحرك الحكومة الفنزويلية لإلغاء دور الجمعية الوطنية المنتخبة، والذي أدى إلى تصاعد الاحتجاجات في الشوارع من قبل المعارضة، في الأشهر القليلة الماضية، هو ضرورة الحصول على قرضٍ روسي.

الجمعية الوطنية هي القوة الوحيدة التي لا يسيطر عليها مادورو. وبموجب القانون، فإنَّ جميع الاعتمادات الدولية، والمبيعات من أصول البلاد يجب أن توافق عليها هذه الهيئة. ويعارض زعماء المعارضة بشدة الصفقات التي تقدمها الحكومة للأجانب، معظمها إلى (روزنيفت) Rosneft، وهي شركة الطاقة الروسية الضخمة المملوكة للدولة.

قررت الحكومة التي هي في أمسِّ الحاجة إلى النقد تجاوُزَ هذه الخطوة، من خلال قيام المحكمة العليا التي تسيطر عليها، بإصدار قرار يختطف سلطة الجمعية الوطنية، بما في ذلك سلطة الموافقة على تحويل الأصول الجديدة إلى الشركات الروسية.

اليوم، تسعى حكومة مادورو إلى خدمة نحو 5 مليارات دولار من الديون الخارجية المستحقة خلال الـ 12 شهرًا القادمة. وفي أعقاب العقوبات المالية الأميركية التي أعلنت حديثًا على فنزويلا؛ فقدت شركة النفط الوطنية PDVSA، وهي الموّلد الرئيسي للعملة الصعبة، القدرة فعليًا على الاقتراض من البنوك الأميركية، أو الأوروبية لتسديد أو إعادة تمويل معظم هذه الديون.

وهذا يسلط الضوء على أهمية قيام شركة (روزنيفت) الروسية بإقراض شركة النفط الوطنية PDVSA أكثر من مليار دولار في نيسان/ أبريل، ليصل بذلك إجمالي القروض، والائتمانات الروسية إلى ما مجموعه 5 مليارات دولار، في السنوات القليلة الماضية.

كما قدّمت موسكو دعمًا سياسيًا، كانت روسيا من بين قلةٍ من الحكومات الأجنبية التي أيدَّتْ حلَّ الجمعية الوطنية مؤخرًا، وكثيرٌ من الدبلوماسيين الروس مثل وزير الخارجية، سيرغي لافروف، يشتكون بشكل روتيني من أيدٍ خفية للولايات المتحدة، في تعزيز الأزمة الداخلية لفنزويلا. ولكن مساعدة الكرملين لا تأتي من دون ثمن؛ إذ تفيد التقارير بأنَّ “شركة النفط الوطنية/ PDVSA” تجري محادثاتٍ لبيع حصص لشركة (روزنيفت) الروسية في مشاريع النفط والغاز المربحة الأخرى بخصمٍ كبير. وقد اتخذت (روزنيفت) أيضًا من شركة النفط الوطنية PDVSA وظيفة مربحة، لتسويق النفط الخام الفنزويلي للعملاء في الولايات المتحدة وآسيا، وما وراءها.

في أعقاب سلسلة بوتين الناجحة من المغامرة الجيوسياسية، السؤال الكبير هو: هل كان يرى فرصةً أخرى في فنزويلا. وكانتهازي مزمن، من المؤكد أنَّه يعرف بالتأكيد أنَّ تصريح دونالد ترامب الأخير، عن الخيارات العسكرية المحتملة، تجاه الأزمة في فنزويلا، كان تهديدًا فارغًا. أما في شوارع كراكاس المضطربة، فمن الواضح بشكلٍ متزايد أنَّ النظام له اليد العليا، ومن غير المحتمل أنْ ينهار في أيّ وقتٍ قريب.

ما لا نعرفه هو: هل كانت التكاليف المالية والسياسية، لإبقاء مادورو في السلطة، ستنتهي إلى أنْ تكون في متناول الكرملين؟ ولكن سيكون مفاجأةً لنا أن يضيع بوتين فرصةً، بأن يرمي ثقله في الفناء الخلفي الأميركي، ويبني بعض دفعات الدخل الإضافية. في سورية، أشعل بوتين حربًا أهلية فوضوية، وحال دون تحقيق هدف سياسة الولايات المتحدة، في تغيير النظام من أنْ يصبح حقيقةً واقعة.

إن الكشف عن ابتذال السمة المنمقة التي تتبعها إدارة ترامب، في السياسة الخارجية في فنزويلا، يمكن أنْ يكون مكافأةً في حدِّ ذاته.

اسم المقالة الأصلي Putin’s latest anti-American intervention: Venezuela الكاتب مويسيس نعيم وأندرو ويس، Moises Naim and Andrew Weiss مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 6/9 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/news/global-opinions/wp/2017/09/06/putins-latest-anti-american-intervention-venezuela/?utm_term=.fc670898144c ترجمة أحمد عيشة


المصدر