إيقاف المساعدات يقلّص خيارات السورييّن في لبنان




قطعت الأمم المتحدة الحبل بالسوريين في لبنان، وهم في أمسّ الحاجة للمساعدات التي عكفت على تقديمها لهم منذ بدء اللجوء السوري، بعد الثورة التي اندلعت في سوريا منتصف آذار من عام 2011، وبات السوريون في لبنان أمام خياراتٍ محدودة، في ظل تصاعد الخطاب العنصري ضدهم، وانخفاض الأجور وظروف الإقامة والعمل السيئين، لتأتي مشكلة “انقطاع المساعدات الإنسانية” وتجهز على آخر آمالهم بتأمين متطبات حياتهم في الجار الأصغر لبنان، الذي يستضيف ما يزيد عن مليون و17 ألفًا و433 لاجئًا، وفقاً للبيانات التي أصدرتها مفوضية الأمم المتحدة في 15 كانون الأول من عام 2016.

وتستمر معاناة هؤلاء اللاجئين، سواء كانوا في مخيّمات اللجوء أو يعيشون في البلدات والمدن اللبنانية، إذ أن انقطاع المساعدات عنهم من شأنه أن يؤدّي إلى كارثة حقيقية، ولا سيما مع اعتماد معظم السوريين لهذه المساعدات كمصدر رئيس في حياتهم.

الرسالة الصادمة

قبل أيام، تلقّى لاجئون سوريون في لبنان رسائل من “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، جاء فيها أن “برنامج الأغذية العالمي سيقوم في الخامس من شهر أيلول الجاري، بتعبئة البطاقة الحمراء الخاصة بالمساعدات الغذائية، وقيمتها 27 دولارًا أمريكيًا، للفرد الواحد، وأن شهر تشرين الأول سيكون آخر شهر يمكن فيه الاستفادة من المساعدات المُقدّمة من برنامج الأغذية العالمي لأن اللاجئ لم يعد مخوّلاً للحصول على المساعدات الغذائية”.

وطالبت المفوّضية في رسالتها، بضرورة الاحتفاظ بهذه البطاقة، في حال كان مؤهّلاً لأية مساعدات أخرى في المستقبل.

ولم تقدّم المفوّضية أي تصريح أو إيضاح حول حقيقة إيقاف المساعدات للاجئين إلّا أنّها اكتفت بمخاطبتهم عبر الرسائل النصية على جوّالاتهم.

بالأرقام

بحثت “صدى الشام” في نوعية المساعدات التي تقدّمها المفوضية لهؤلاء اللاجئين، فتبيّن أن الأمر لم يقتصر على “البطاقة الحمراء” فقط، وإنّما انسحب على مجمل نواحي الحياة، واللافت أن 7 لاجئين سوريين من أصل 10 سألتهم صدى الشام عن الرسالة أجابوا أنّهم تلقّوها.

وقبل توضيح مدى تأثّر حياة اللاجئين بوقف المساعدات، لا بد من التطرق إلى نوعية هذه المساعدات ومجالاتها.

وبحسب شهادات من لاجئين سوريين في لبنان جمعتها “صدى الشام” فإن هناك عدّة أنواع من المساعدات، وأبرزها ما يُعرف بـ “الكرت الأحمر”، وهو بطاقة تحتوي على مبلغ نقدي تتم تعبئتها بشكلٍ شهري ويحصل عليها اللاجئ المؤهّل مع عائلته من المفوّضية، وقيمتها 260 ألف ليرة لبنانية “حوالي 172 دولارًا أمريكيًا”، ومع “الكرت” الأحمر ذاته، ثمّة ما يُعرف بالقسيمة الغذائية، وهي مبلغ 27 دولارًا عن كل شخص في العائلة، ولا يتم صرفه بشكلٍ نقدي وإنما من الضروري أن يتم استهلاكه في السوبر ماركت المعتمدة في لبنان.

وإضافة إلى الكرت الأحمر، يحصل السوريون على مساعدة من منظمات الأمم المتحدة لتعليم أولادهم في المدارس اللبنانية، وتقوم على هذا الأمر عدّة منظمات أبرزها، منظمة “كاريتاس” وهي اتحاد مؤلف من 165 منظمة كاثوليكية، تعمل في مجال التنمية والخدمة الاجتماعية والإنسانية.

تقوم “كاريتاس” بدفع أجور “الأوتوكار” لنقل الطلاب، وتطلب من اللاجئ أن يدفع قسط الشهر الأول والثاني فقط للمدرس، للتأكّد من جدّيته لتدريس ابنه، ثم تتولّى هي دفع باقي الأقساط حتّى نهاية العام الدراسي.

وكما في مجال التعليم، فإن هناك مساعدات في المجال الطبي، حيث تتكفّل الأمم المتحدة بتأمين نفقات العلاج والعمليات الجراحية، عبر دفع التكلفة كاملةً أو جزءًا منها في حال كانت عالية جداً، وثمّة مستوصفات يقوم عليها أطباء سوريون تقدّم الرعاية الصحية مجاناً للأطفال تحت عمر 10 سنوات، وبمبالغ رمزية لمن هم فوق الـ 10 سنوات.

وتقدّر الأمم المتحدة حاجة السوري للمساعدات بعد إجراء دراسة على وضعه والخروج بتقييم نهائي، ولكن عدداً من السوريين يقولون إن معايير التقييم غير مدروسة بما فيه الكفاية، وهو ما أدّى إلى رفض منح المساعدات لسوريين هم بأمسّ الحاجة.

خارج المدرسة

تُعاني ربّة المنزل “وئام” من تهديد بإبعاد أولادها عن المدرسة، وتقول هذه المرأة السورية المقيمة في طرابلس لـ “صدى الشام”: “إن منظمة كاريتاس أبلغتها بتسجيل أطفالها الثلاثة في المدارس، وحدّدوا لها المدرسة وعنوانها وطريقة التواصل مع مديرها”.

توجّهت وئام إلى المدرسة في اليوم التالي ومعها أطفالها، وقابلت مدير المدرسة فكان الرد: “لم يأتنا حتّى الآن أي تعميم لتسجيل الطلاب السوريين في هذه المدرسة، ويمكن ذلك شرط أن يدفعوا الرسوم كاملةً كما أقرانهم اللبنانيين”.

تضيف وئام، أنّها حصلت على تصريح رسمي من المنظمة لتسجيلهم ولكن المدير رفض، ما يعني أنّها وقعت في متاهة بين المنظمة والمدير، فيما لم يلتحق أولادها بالمدرسة حتّى ساعة إعداد هذه السطور.

وكانت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسيف” قد ذكرت في منتصف شهر آب الفائت، أن “نصف مليون طفل سوري في لبنان والأردن محرومون من التعليم، أي ثلث عدد الأطفال تقريباً”.

وقالت: “إن الكثير منهم يُرغم في العمل بسن مبكرة لإعالة ذويهم، ولا سيما أن المساعدات الإنسانية للسوريين تعاني من نقص مستمر في التمويل”، وهو ما يتطابق مع إجراءات المفوضية الجديدة.

ويشكّل هذا الواقع مخالفة صريحة لما تعهّدت به الدول المانحة، والتي أكّدت أن “جميع الأطفال سيكونون مسجّلين في المدارس”.

وقالت هذه الدول في مطلع عام 2016 خلال مؤتمر لها في العاصمة البريطانية لندن: “إنها تتعهّد بتلبية احتياجات التعليم كجزء من التحول من المساعدات الطارئة إلى التنموية”.

حالات محددة

“كُسرت يدي فدفعت 100 دولار تكلفة تصوير و180 دولارًا أجور الجبيرة، عدا عن ثمن الأدوية” هذا ما يقوله الشاب علاء، الذي وصل إلى بيروت قبل نحو ستة أشهر، هارباً من الخدمة العسكرية في جيش الأسد.

ووفقاً لمعلومات حصلت عليها “صدى الشام” من ناشطين قائمين على وضع الإغاثة في لبنان، فإن الأمم المتحدة لم تعد تغطّي مؤخّراً سوى عمليات الولادة القيصرية والولادة العادية فقط.

هذا الفرز طبقاً للحالات عانى منه “مصطفى العثمان” وهو سوري مقيم في بيروت، “كانت زوجتي بحاجة لعملية مستعجلة بعد أن تأزّمت حالة قدمها التي وقعت عليها قبل أسبوعين”، ويضيف العثمان أن الأطباء أخبروه بضرورة نقلها لوضع قضبان معدنية داخل قدمها بعمل جراحي.

توجّه مصطفى إلى المستشفى بعد أن أبلغ مفوضية الأمم المتحدة التي حدّدت مستشفى له للتوجّه إليه، ولكن عندما علمت إدارة المستشفى أنه سوري الجنسية ويريد العلاج على حساب الأمم المتحدة رفضوا إدخاله وأبلغوه بضرورة أن يجلب ثمن العملية بشكلٍ نقدي حتّى يتسنّى لهم مساعدته وإدخالها لتخضع للعلاج.

حاول مصطفى الاتصال بالمفوّضية ليشرح لهم الأمر ولكن دون جدوى، فاضطر للاستدانة وإدخال زوجته للعلاج على حسابه الشخصي.

ويوضّح مصطفى، أنه اضطر للعمل لمدّة ثلاثة أشهر ليتمكّن من دفع أجور العمل الجراحي الذي تمكّن من استلافه من أحد أصدقائه لمساعدة زوجته.

وفي حادثة أخرى ضجت بها وسائل الإعلام كانت امرأة سورية قد توفيت على باب “المستشفى الإسلامي الخيري” في طرابلس، بعد رفض إدارة المشفى إدخالها مالم يتم دفع المبلغ المالي اللازم لعلاجها، وفقاً لرواية أهل الضحية.

وأظهر مقطع فيديو، تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي حينها، حالة الغليان لذوي الضحية ختام زريق بعد وفاتها محملين إدارة المشفى المسؤولية.

وجاء في بيانٍ نشره المستشفى حينها، أن “المريضة حضرت إلى طوارئ المستشفى الإسلامي وهي من الجنسية السورية، وأن إدارة المستشفى كانت بانتظار موافقة شركة NextCare للتأمين (المفوضة من هيئات إغاثة النازحين السوريين في لبنان) لإتمام عملية دخولها. وبعد التواصل مع شركة التأمين رفضوا إعطائنا الموافقة بمعالجتها، بل طلبوا إعادة التحاليل والفحوصات اللازمة، إلا أنها توفيت قبل أن تتم عملية الدخول”.

لا بدائل

عن إجراءات المفوّضية الجديد، يقول مصطفى العثمان: “إن السوريين لا يملكون الكثير من البدائل لحياتهم، كونهم غير قادرين على العودة إلى سوريا، وبالتالي فإنهم مضطرون للبقاء في لبنان والعيش بما يتوفّر لديهم من دخلٍ منخفض”.

من جهتها توضّح وئام، أنّ الكثير من جيرانها في المبنى الذي يقطنه سوريون في طرابلس بدؤوا يفكّرون جدّياً في العودة إلى سوريا، حيث ضاقت بهم الحياة بعد قطع المساعدات عنهم في لبنان.

واعتبرت وئام، أن المفوّضية نفّذت ما تريده الحكومة اللبنانية تماماً، “وذلك عن طريق التضييق على السوريين، والمساس بجانب مهم في حياتهم وهو المساعدات، بغرض إكراههم على العودة إلى سوريا بشكلٍ تدريجي”، موضحةً أن “ذلك لا يعني أن السوريين بقوا في لبنان بسبب المساعدات، ولكن المساعدات تجعلهم قادرين على إيجاد بقعة آمنة ليعيشوا فيها ريثما يستقر الوضع في بلادهم”.

وتابعت: “إن متوسط رواتب السوريين في لبنان يصل إلى 500 دولار أمريكي شهرياً قد تزيد أو تنقص، وأقل أجرة منزل تبلغ 300 دولار أمريكي، أي أن رب الأسرة مضطر في ظل غياب المساعدات إلى العيش مع عائلته والإنفاق عليها من مأكل ومشرب وخدمات اجتماعية بمبلغ 200 دولار فقط”، مشيرةً إلى أن هذا الأمر مستحيل وخصوصاً في لبنان حيث الأسعار مرتفعة، إذ أن مبلغ 200 دولار لا يكفي لمصاريف الحافلة التي تنقل الأولاد إلى المدارس، وفقاً لوئام.

أما بالنسبة للاجىء السوري الآخر “نزار” فقد وصلته رسالة نصّية في أواخر شهر آب الماضي، وتم إبلاغه فيها بتوقّف المساعدات التي يحصل عليها من الأمم المتحدة.

يقول نزار لـ “صدى الشام”: “أعمل في طرابلس بمصنع للأحذية والجلديات براتب 550 دولارًا شهرياً، ولديَّ زوجة وأربعة أطفال، ونحن بحاجة إلى تأمين إيجار منزل والبالغ 275 دولارًا، إضافة للطعام والشراب والطبابة وتدريس الأولاد”.

ويضيف نزار “عندما كُنّا ندرّس الأولاد ونحصل على الرعاية الطبية مجاناً ونحصل على المبلغ المالي وبطاقة الأغذية من المفوّضية كنتُ أصل إلى نهاية الشهر بدون أي مال، الحياة في هذه البلاد باهظة الثمن بالنسبة للسوري”، ويوضح أنّه لا يعرف كيف يتدبّر أموره في ظل انقطاع المساعدات التي ستنتهي في نهاية شهر تشرين الأول القادم، حسب الرسالة التي وصلته.

بلا سنَد

خصّصت “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” رقماً ساخناً للسوريين، من أجل الاتصال به في حال وقوعهم في مأزقٍ ما، لكن علي طحّان، السوري الذي يعيش في لبنان منذ سنوات تعرّض لضربٍ مبرح، ثم تعرّض لسرقة هاتفه المحمول ودرّاجته النارية مؤخراً، ولم تحرّك الأمم المتحدة ساكناً.

يقول طحّان “اتصلت بالرقم عدّة مرات ولكن دون جدوى”، موضحاً أن المتحدّث عبر الرقم طلب منه بياناته الشخصية ومعلومات أخرى لها علاقة بتفاصيل الحادث ومكانه وزمانه وفيما إذا كان يشتبه بأحد، ثم طوي الأمر وكأنَّ شيئاً لم يكن.

وأضاف أنه في المرّة الثانية التي تعرّض فيها للسرقة عاود الاتصال بالرقم ذاته، ليتم طلب التفاصيل ذاتها منه ما جعله يفقد الأمل، وبالطبع لم يبلّغ طحّان أي مخفرٍ للدرك لأنه على علم مسبق بأن الدرك سيقفون إلى جانب اللبناني ضد السوري، في ظل غياب دور المفوضية، حسب قوله.




المصدر