الأردن بين معبرين



نشأت دولة الأردن عام 1921، بعد انسحاب القوات العثمانية من المنطقة، وكانت تابعة لولاية الشام، طوال فترة الوجود العثماني، واستقلت عن الانتداب البريطاني عام 1946، حسب الخارطة الجغرافية الحالية.

كانت ولادة الأردن ولادةً قيصرية، ولدت مولودًا خديجًا (اقتصاديًا)، حيث إن الأردن من أفقر دول المنطقة بل الإقليم، في موارده الاقتصادية، ويكاد اقتصاد هذا البلد ينحصر في وارد مدينة البتراء من السياحة، وتصدير بعض الخضار “الباكورية” من غور الأردن، وكميات محدودة من الفوسفات، وما تُحصّله الحكومة من وارد المعابر الجمركية، ومع ذلك تُعدّ هذه الموارد قليلة وغير مستقرة، وتتأثر بأي اهتزاز في المنطقة، وشاهدنا كيف تأثر اقتصاد الأردن سلبًا، بسبب “الحرب الكونية” على الشعب السوري، حيث انحدر عدد السياح القادمين إلى الأردن، وتأثر تصدير الخضار فيها، وأغلقت المعابر بينها وبين كل من العراق وسورية.

الأردن وسياسة المعابر:

في العموم، شأن الأردن شأن أي دولة في العالم، حيث يكون قرارها مبني على المصالح، وأول هذه المصالح هو الأمن، وثانيها هو الاقتصاد، ويعيش الأردن اليوم على وقع حروب واضطرابات، في الدولتين الجارتين سورية والعراق، وهما الدولتان اللتان تُشكّلان الشريان الاقتصادي للأردن، والعصب الحيوي له.

في المسألة الأمنية، اتّخذ الأردن مجموعة من التدابير التي تحميه أرضًا وشعبًا، حسب الإمكانات المتاحة، عبر تعزيز حرس الحدود من جهة، وعبر اتفاقات متعددة الأطراف مع كل من روسيا وأميركا، بشأن الحدود مع سورية، بحيث ضمِن الأردن عدم اقتراب الميليشيات الإيرانية، لمسافة لا تقل عن خمسين كيلومترًا، من حدوده مع سورية.

بقيت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المعابر، حيث يسعى الأردن -بكل ما في وسعه- لفتح معبر نصيب مع سورية، ومعبر طريبيل مع العراق، أمام حركة الاستيراد والتصدير.

بالنسبة إلى معبر نصيب، تتمثل حيويته بأنه أساسي من أجل تصدير الخضار، حيث تُعدّ السوق السورية من أكبر المستهلكين، وكذلك من أجل تصدير مواد البناء، وأولها الإسمنت، وسيكون للأردن نصيب وافر من هذه السوق، ولا سيّما لحظة انطلاق عمليات إعادة الإعمار في سورية، وعلى الرغم من كل الاتفاقات التي تم توقيعها والتفاهمات، إلا أن الحكومة السورية ما زالت تُعرقل فتح المعبر بذرائع مختلفة، وحقيقة الأمر أن مصدر هذا التلكؤ هو ضغط الحكومة الإيرانية المستاءة من موقف الأردن تجاه ميليشياتها، ورفضها اقتراب هذه الميليشيات من الحدود، وفي الوقت نفسه يخشى الأردن من انفلات الأمور داخليًا، في حال وصلت هذه الميليشيات إلى الحدود، وهذا الأمر اضطر الحكومة السورية إلى نقل النقطة الجمركية إلى مدينة المسمية في العمق السوري، بجانب مدينة الصنمين، والنقاش حول المعبر كان حاضرًا، بين وزير الخارجية الأردني ووزير الخارجية الروسي، خلال زيارة الأخير إلى الأردن، قبل أيام، حيث طلب الجانب الأردني من نظيرة الروسي الضغط على الحكومة السورية لفتح المعبر، وقابله الوزير الروسي بطلب الضغط على فصائل الجيش الحر للانسحاب من البادية؛ ليبقى أمر فتح المعبر مُعلّقًا بين ضغط وضغط معاكس، حتى يتم التوافق على حل نهائي لهذه الضغوط.

أما معبر طريبيل مع العراق، فهو مرتبط مع معبر نصيب في سورية، حيث يتحكم في المعبرين سلطة واحدة تحكم البلدين، وهي سلطة الولي الفقيه، وخير دليل على ذلك ما صرّح به نوري المالكي حين قال: إن فتح المعبر مع الأردن لا يعني السماح باستيراد المنتجات الأردنية إلا بعد أن يتشبع السوق العراقية من البضائع الإيرانية، إذ إن العراق يمنح الأولوية لإيران وبضائعها، وبعد ذلك يمكن أن يسمح للبضائع الأردنية بالدخول، بعد دفع قيمة جمركية عالية، تصل إلى 30 بالمئة، وهذا يعني أن البضائع الأردنية لن تكون بأسعار منافسة لمثيلها من البضائع الإيرانية المعفاة من الضريبة، والأمر الآخر هو أن إيران تضغط من أجل أن تقبل الأردن بعودة السفير الإيراني إلى عمان.

الخطر الماثل حول سياسة المعابر الأردنية هو أن الأردن لعب بأوراقه كلها، ولم يترك أوراقًا في صندوق الاحتياط؛ ففي حال قطع الأردن مساعدته للمعارضة في المنطقة الجنوبية قطعًا كاملًا، ولم تستجب الحكومتان السورية والعراقية لطلبات الأردن؛ فسيكون الأردن قد طبّق المثل القائل “لا بلح الشام ولا عنب اليمن”، وأغلب الظن أن هذا ما تسعى إليه حكومة طهران لخنق الأردن، حتى يستجيب لطلباتها، فهل سيصمد الأردن؟ هذا ما يتمناه السوريون لبلد عربي شقيق، ذلك أن انتصار إيران، في أي مسألة وفي أي مكان من الوطن العربي، هو خسارة وهزيمة لكل العرب.




المصدر
مشعل العدوي