الغارديان: تتباهى موسكو بتلاشي (داعش) لأنها تغير توازن القوى في سورية



جولة صحفية مدبرة بعناية تكشف عن تورط روسيا العميق في الصراع، ولكن القليل من الروس العاديين يُبدون حرصًا على المهمة في سورية

يحرس أحد أفراد الشرطة العسكرية الروسية المدخلَ عند حاجز تفتيش، في إحدى مناطق خفض التصعيد بالقرب من حمص، سورية. تصوير: (أسوشيتد برس)

“أنصحكم باختيار ذلك الاتجاه”.

هذا ما قاله الجنرال إيغور كوناشينكوف، بابتسامة، وهو يحدّق في البحر المتوسط، ​​من على متن الفرقاطة البحرية (الأدميرال إيسن). بعد لحظات، أعلن دوي صوتين تبعهما الضجيج والدخان عن إطلاق سبعة صواريخ كروز من غواصتين من أسطول البحر الأسود الروسي.

صرح كوناشينكوف أنَّ صواريخ كاليبر التي يحمل كل واحد منها حمولة نصف طن، أصابت أهدافًا لـ (داعش) في جنوب شرق دير الزور، حوالي منتصف اليوم الخميس، 14 أيلول/ سبتمبر، بعد ساعةٍ تقريبًا من إطلاقها. وتعتبر المدينة مركزًا استراتيجيًا رئيسًا في شرق سورية، حيث المقاتلون الإسلاميون في حالة تراجع. قال ناشطون معارضون في وقتٍ لاحق إنَّ ما لا يقل عن 39 مدنيًا لقوا مصرعهم في الغارات الجوية التي شنّتها قوات التحالف الروسية، وقوات التحالف المدعومة من الولايات المتحدة، في جميع أنحاء البلاد.

كان إطلاق الصاروخ العنصرَ الأحدث في جولة مجموعة الصحفيين الروس والأجانب، بما في ذلك (الغارديان)، حول النشاطات الروسية في سورية، التي تهدف إلى إظهار أنَّ موسكو تسيطر على الحرب والسلم في البلاد.

كان كلّ عنصرٍ من عناصر الرحلة محاطًا بالسرية إلى أنْ يحدث، حيث أخذتنا الحافلات وطائرات النقل إلى مواقع مجهولة، ومن ثم رحلة بين عشية وضحاها بالسفينة إلى البحر الأبيض المتوسط، من ​​دون أيّ إشارةٍ إلى ما يمكن توقعه.

بدأت الجولة برحلةٍ ليلية، من مطارٍ خارج موسكو إلى قاعدة حميميم الجوية، بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية، حيث استقرت القوات الجوية الروسية منذ التدخل في الصراع لجانب حكومة الرئيس بشار الأسد، في أيلول/ سبتمبر 2015.

وأظهرت الرحلة مدى تورط روسيا في الصراع. وقد تمّ ذلك تحت إشراف كوناشينكوف، المتحدث الرئيس باسم الجيش، الذي أصبح مع إحاطاته الإعلامية المتلفزة في واجهة عمليات روسيا في سورية. وبخلاف وقفته المتبلّدة على المنصة، يقوم كوناشينكوف بتقمص شخصيةٍ أكثر حرارة عندما يكون في الطريق، حيث يلقي خطابه مع استعاراتٍ، ويقدم حديثًا منافقًا طويلًا حول الأخلاق الصحفية، والنفاق الغربي للمراسلين، بينما يدخن السجائر النحيفة.

رُفضت اقتراحات الضحايا المدنيين على أنها “سياسية”، وأيّ اقتراحٍ حول الغارات الجوية الروسية والسورية العشوائية يتم رفضه. ولا يتم تشجيع الأسئلة المحرجة، في أثناء جلسات الإحاطة الإعلامية.

في حلب، وصلنا يوم الثلاثاء 12 أيلول/ سبتمبر على متن طائرة النقل (أنطونوف) التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي حطت في زاويةٍ مقلقة من مطار المدينة، وذلك للتهرب من نيران المضادات الأرضية، كما قامت بسلسلةٍ من توقفاتٍ مدروسة بعناية لتسليط الضوء على دور روسيا في إعادة بناء المدينة.

الشرطة العسكرية الروسية في محافظة حمص تصوير: شون ووكر للغارديان

ما تزال مساحاتٍ واسعة من شرق حلب (التي كانت أجزاء منها تحت سيطرة المتمردين حتى نهاية العام الماضي) مهجورةً تمامًا ومدمرة، ولكن أعمال إعادة الإعمار بدأت في أجزاءٍ من المدينة. وفي ساحة سعد الله الجابري التي كانت قريبة من الخطوط الأمامية، قام العمال برصف حجارةٍ جديدة هذا الأسبوع، وتخيم عليها الآن صورة كبيرة للأسد.

في مدرسةٍ في الجزء الغربي من المدينة، والتي ظلّت في أيدي الحكومة، طوال فترة القتال، وتعرضت لضرباتٍ صاروخية من المتمردين خلال الحرب، كان تلاميذ المدارس يغنون الأغاني الوطنية مع وصول الصحفيين، وقدم المعلمون الشكر للمساعدات الروسية، من خلال المترجمين العسكريين الروس.

في توقفٍ لاحق في المسجد الأموي (يعود تاريخه إلى عام 715م)، حيث أصيب بأضرارٍ بالغة في أثناء الحرب، كانت رسالة مفتي حلب محمود عكام على القدر نفسه من الشكر. عكام شكر “رمضان قاديروف”، زعيمَ الشيشان المدعوم من الكرملين، على التبرع بمبلغ 14 مليون دولار (10.5 مليون جنيه استرليني) للمساعدة في إعادة بناء المسجد، ونفى أن يكون سببُ الدمار الذي لحق بالمسجد، أو الأحياء المحيطة به، الغارات الجوية الروسية، أو السورية. وقال: “كل الأضرار سببها الإرهابيون”. وكان هذا هو الخط حيث الخراب والدمار الذي شاهدناه في الرحلة.

في اليوم التالي، تقصد الروس أنْ يرونا مركز إزالة الألغام خارج حمص، حيث يقوم ثمانية مدربين قادمين من روسيا، بإعطاء مئاتٍ من المجندين السوريين دوراتٍ تدريبية لمدة ستة أسابيع، في مجال إزالة الألغام، قبل إرسالهم إلى الميدان كمتخصصين في إزالة الألغام.

وكانت هناك أيضًا زيارة إلى إحدى “مناطق خفض التصعيد”، شمال حمص، حيث تم إنشاء نقطة تفتيش، تسمح للمدنيين بالعبور بين الأراضي الحكومية، والمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر، والمتمردون المعتدلون.

دروس في مركز إزالة الألغام، حمص تصوير: شون ووكر للغارديان

وقد أقيمت أربع من هذه المناطق، بعد المحادثات التي جرت في العاصمة الكازاخستانية، أستانا في أيار/ مايو الماضي. وتُعدّ (روسيا، وتركيا، وإيران) الدولَ الضامنة للاتفاقات المبرمة هناك، حيث تقوم الشرطة العسكرية الروسية بحراسة نقطة التفتيش، ويرتدي عناصرها القبعات الحمراء، ويتنقلون في مركبات مدرعة من نوع (تايغر) جديدة، عليها كتابات وعلامات باللغة الروسية والعربية، مما يشير إلى أنَّ الشرطة العسكرية تلعب دورًا بارزًا واضحًا على الأرض.

قال ألكسندر سازونوف، الضابط الروسي المسؤول عن منطقة خفض التصعيد في حمص: إنّ الروس يجرون اتصالاتٍ منتظمة مع جماعات المعارضة عبر (سكايب)، وأضاف: لم تقع أيّ حوادث كبيرة في الشهرين الماضيين، منذ إقامة نقطة العبور. وعندما وصل الصحافيون، نقلت أربع شاحنات روسية مساعداتٍ إنسانية توقفت في طابورٍ إلى اليمين، حيث قام الروس بتوزيع أكياسٍ بلاستيكية لامعة مملوءة بالمواد الغذائية الأساسية، وتحمل رسالة باللغتين الروسية والعربية: “روسيا معكم”.

الشرطة العسكرية الروسية تسلم المساعدات خارج حمص صورة: شون ووكر للغارديان

فضلًا عن دورها في حفظ السلام على أرض الواقع، ما تزال روسيا تشارك على نحو كبير في تغطيةٍ جوية للقوات البرية السورية، والإيرانية. قال الفريق ألكسندر لابين، رئيس الوحدة الروسية في سورية: إنَّ الغارات الجوية الروسية ساعدت القوات السورية على كسر حصار (داعش) الذي دام ثلاث سنواتٍ حول دير الزور، الأسبوع الماضي، مضيفًا أنَّ 15 في المئة فقط من الأراضي السورية ما تزال تحت سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة. وأكّد أن “عملية تدمير مقاتلي (داعش)، و(جبهة النصرة) الإرهابية على الأراضي السورية، ستستمر حتى تدميرها الكامل والمضمون”.

مما لا شك فيه أنَّ التدخل في سورية جعل روسيا لاعبًا رئيسًا في الشرق الأوسط، وأن مطالبة الغرب بأنْ يتنحى الأسد تلاشت إلى حدٍّ كبير، بسبب الواقع الجديد على الأرض. ظاهريًا، كانت مغامرة روسيا السورية نجاحًا غير متوقع. قال مارك غاليوتي، الباحث الأول في معهد العلاقات الدولية في براغ: إنَّ التكلفة محدودةٌ نسبيًا، وتعوضها الفرصة لاستخدامها، كحدثٍ تسويقي للأسلحة الروسية”.

كما تمَّ تصوير الحرب السورية على أنّها عودة روسيا إلى المسرح العالمي، لكونها لاعبًا رئيسًا. وسرعان ما رافقت موسيقى الروك القوية نقلَ الصحافيين الروس مشهد إطلاق الصاروخ الروسي، يوم الخميس، ونشرته وكالة أنباء (تاس).

لكن العملية السورية فشلت في الوصول إلى أذهان الروس العاديين، إذ أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه مركز (ليفادا) المستقل في أوائل أيلول/ سبتمبر، أنَّ 30 في المئة فقط من الروس يريدون مواصلة العملية العسكرية في سورية. وقال غاليوتي: إنَّ موسكو “متورطةٌ حاليًا في حربٍ لا نهاية لها”، كما أنَّ هزيمة (داعش) لن تحقق السلام الدائم في سورية.

بالنسبة إلى كوناشينكوف، فإنَّ هدف العملية هو جعل سورية “مجتمعًا متحضرًا علمانيًا”، وقال: إنَّ العملية كانت “درسًا تعليميًا مهمًا للروس”. وأضاف: “إنّ التجربة التي قمنا بها في سورية لا تقدَّر بثمن بالنسبة إلينا”. وقال: “إنَّنا بحالةٍ مختلفةٍ تمامًا عما كنا عليه، قبل بضع سنوات فقط. إنَّه الفرق بين قلم رصاص وقلم الحبر، ما زلنا نؤدي الوظائف نفسها، ولكن كلَّ شيءٍ هو أكثر جمالًا، وأكثر موثوقية وأكثر فاعلية”.

اسم المقال الأصلي Moscow flaunts might against fading Isis as it alters balance of power in Syria الكاتب شاون ووكر، Shaun Walker مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 15/9 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2017/sep/15/moscow-syria-mission-fight-isis-balance-of-power-middle-east ترجمة أحمد عيشة




المصدر
أحمد عيشة